أثارت تغريدة نقيبة المحامين العراقيين أحلام اللامي، جدلاً وسط الشارع العراقي، بعد أن طالبت الجهات التشريعية والمسؤولة بإجراء تعديلات على القوانين المتعلقة برعاية الأطفال الأيتام وكريمي النسب، بما يضمن شمول أعداد أكبر من الراغبين بالتبني ورفع شرط عدم القدرة على الإنجاب.
وقالت اللامي عبر حسابها في تويتر :"عندما حرمَ الإسلام التبني – حسب شرح بعضهم – لِظاهر النص حرص جداً في الوقت نفسه على كفالة اليتيم ورعايته، وكيف يكون ذلك والقانون العراقي قيد ضم الأطفال بقيود روتينية تجبر العوائل العراقية على النفور من مسألة الضم".
وأضافت أن "قانون رعاية الأحداث العراقي 76 لسنة 1986 قيد ضم الأطفال بكريمي النسب والأيتام، ولم يعلم المشرع وقتها بأن الأطفال الذين سيتخلى عنهم الأبوان سيكونون أكثر عدداً من اليتامى ومجهولي النسب".
كما انتقدت اللامي، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بالقول إنها "زادت الطين بلة عام 2016 بعد أن أصدرت تعليمات مخالفة للقانون فتشترط عدم قدرة الإنجاب الثابت بتقرير طبي لطالب الضم، وحرمان الزوجين من السفر خارج العراق خلال فترة نفاذ قرار الضم التجريبي".
وتابعت: "إلى هذه اللحظة يعجز القانون العراقي عن إتاحة الفرصة لنا في رعاية هؤلاء اليتامى وكريمي النسب، الذين تخلى أهلُهم عنهم، فأنا على استعداد لتربية هذه الطفلة التي احتضنتني، وأنا أعيش لوحدي، وليس من حقي والأفراد بموجب أحكام القانون تربية هذه الطفلة أو أطفال سواها، حيث حصر ذلك بالمتزوجين".
وطالبت اللامي من جميع الجهات التشريعية، والمسؤولة "إيجاد حل يتيح لجميع العوائل تربية الأطفال ورعايتهم بعيداً عن قيود القانون الذي لا يشعر بدموع الأطفال، وأحزانهم"، على حدّ تعبيرها.
وكانت نشرت على حسابها في فيسبوك، لقطات من احتفال في دار للأيتام فيما تحمل طفلة صغيرة، قبل نشر تغريدتها بأيام.
مؤيد ومعارض
لاقت تغريدة أحلام اللامي، تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل بين مؤيد لفكرتها ومعارض.
من المؤيدين، كانت الإعلامية جمانة ممتاز، التي أكدت كلام اللامي بالقول "كتبت عن موضوع التبني قبل فترة لماذا يشترط المتزوجين؟ كثير من النساء يعشن لوحدهن ويتمنين أن يرعين طفلاً، أحدهم أجابني أن ما تدعين به خطير ويشجع على اغتصاب الأطفال! هل بقاء هؤلاء الأطفال بلا معيل يضمن عدم تعرضهم للاغتصاب؟".
وأضافت: "المشرع العراقي عليه أن يأخذ الظرف بنظر الاعتبار، فبعد أربعة عقود من الحروب والصراعات نتج لدينا جيل من الأيتام وآخر تخلى عنه أبواهم، فما الحل ومؤسسات الدولة محدودة سوى الاستعانة بالمجتمع القادر على تخفيف المشكلة؟".
واعترض قسم آخر لاعتبارات دينية. علق ياسر البدري: "تحريم التبني عليه إجماع المسلمين لا يوجد أحد يقول خلافه. و حماية الأطفال مسؤولية. كيف سيعرف القانون أن من يرغب بحضانة الطفل ليس متاجراً بالبشر أو تاجر أعضاء؟".
وانتقد الرغبة بتبني طفل، بقوله: "الطفل ليس حيواناً أليفاً يقتنيه من يشاء" معتبراً أن القانون العراقي أساساً "خالف الشرع وسمح بتبني الأطفال".
بينما رأى نياز عادل في ردّه على تغريدة اللامي، أن "تعليق فشل القانون العراقي على الفقه الإسلامي غير صحيح"، مردفاً "الإسلام لم يحرّم التبني بل يثيب على ذلك ولكن بشرط عدم تسمية المتبنى باسم المتبني".
ضم اليتيم في القانون العراقي
بحسب تقرير نشره مجلس القضاء الأعلى بعنوان "ضم اليتيم في القانون العراقي" فإن هناك اختلافاً في مصطلح رعاية اليتيم بين القانون والدين، "ففي القانون يسمى ضم اليتيم، وفي الدين كفالته، وهذا ما يسبب لبساً في بعض الأحيان لدى عامة الناس في التفريق بإجراء احتضان اليتيم وشروطه".
يقول القاضي ناصر عمران إن "اليتيم قانوناً هو القاصر الذي يخضع لأحكام قانون رعاية القاصرين 78 لسنة 1980 المعدل، وكفالة اليتيم هي رعاية وإعالة وتربية الطفل الذي فقد أبويه أو أحدهم دون أن يلحق بنسب الكفيل".
وأفرد قانون رعاية الأحداث "رقم 76 لسنة 1983" الفصل الخامس منه، لمفهوم الضم، في الفقرات (39-46). وأجاز طلب ضم الصغير يتيم الأبوين أو مجهول النسب إلى زوجين اثنين يقدمان طلباً مشتركاً لمحكمة الأحداث، مشترطاً أن يكون الزوجان عراقيين معروفين بحسن السيرة والسلوك وعاقلين سالمين من الأمراض المعدية، وقادرين على إعالة الطفل، وأن يتوفر فيهما حسن النية.
هذه الشروط التي حددها القانون كما يقول القاضي عمران "تستدعي أن يقدم الطلب من أسرة قائمة تتكون من زوج وزوجة (....) ويكون الزوجان عراقيين وهو شرط ضروري لا يتحقق الضم بتخلفه حتى وإن كان أحدهما عراقي والآخر غير عراقي".
أما الطفل المسموح بضمه قانوناً فيشترط أن يكون الطفل اليتيم صغيراً، وأن يكون فاقد الأبوين، فإذا كان فاقداً لأحدهم لا يمكن ضمّه.
وبموجب فقرات القانون وبعد التحقق من كل الشروط الواجب توفرها في الطفل والأسرة الراغبة بضمه، تصدر محكمة الأحداث قرارها بالضم بصفة مؤقتة لمدة ستة أشهر يجوز تمديدها لستة أشهر أخرى.
وخلال تلك الفترة الزمنية يتم إرسال باحثين اجتماعيين إلى دار طالبي اللجوء مرة واحدة على الأقل كل شهر، للتحقق من حسن رعايتهم للطفل وكذلك في بقاء الرغبة في الضم قائمة. ويقدم تقرير مفصل بذلك إلى المحكمة، فإذا عدل الزوجان عن رغبتهم أو وجدت المحكمة أن مصلحة الطفل غير متحققة، تقرر تسليمه إلى إحدى المؤسسات الحكومية.
كما أوجبت المادة (43/ثانيا) من القانون، الإيصاء للصغير بما يساوي حصة أقل وارث على ألا تتجاوز ثلث التركة وتكون واجبة لا يجوز الرجوع عنها.
الأبواب "مشرعة" لتعديل قوانين الضم
كانت دور الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة ودور رعاية المسنين في العراق تحت رعاية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، حتى تم فك ارتباطها وضمها إلى مجالس المحافظات قبل نحو أربعة أعوام.
يقول أسامة أياد صادق مدير دائرة رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في محافظة بغداد، لـ"ارفع صوتك" : "هناك خمسة دور لرعاية الأيتام في العاصمة بغداد. يقسم فيها الأطفال حسب الفئات العمرية فالأول مختلط للذكور والإناث، يبدأ من عمر يوم واحد إلى ستة أعوام، بعدها يتم فصل الإناث عن الذكور من عمر ست سنوات إلى عمر 12 عاماً ولكل منها دار خاص. إضافة إلى دارين تبدأ من سن 12 عاماً حتى سن 18 عاما، أحدهما للذكور والآخر للإناث، ويوجد في هذه الدور مجتمعة نحو 250 طفلاً مستفيداً".
وبحسب مدير دائرة الرعاية فإن عمليات ضم الأطفال "مستمرة بشكل دوري" ومنذ بداية العام حتى هذه اللحظة تم ضم 12 طفلاً، وتسليمهم لعوائل تنفيذاً لقرارات القاضي المختص بعد التأكد من توفر الشروط القانونية في العوائل التي ترغب بضم طفل.
ورداً على سؤال حول اشتراط أن يكون الشخص غير قادر على الإنجاب، أفاد صادق أنه "لا يوجد تعليمات تتضمن أن يكون الزوجان غير قادرين على الإنجاب لتبني الطفل. ولكن إذا كان لديهما أطفال فقط من الذكور يمكن أن تتم الموافقة على تبني طفلة أنثى، والعكس إذا كان لدى العائلة إناث فقط يمكن النظر في تبنيهم لطفل ذكر".
وتعليقاً على اقتراح نقيب المحامين أحلام اللامي بتعديل القوانين لشمول شرائح أكثر من المجتمع للتبني، يبيّن صادق: "لا بأس من دراسة هكذا مقترحات وأبوابنا مشرعة لكتابة مسودات لتعديل القانون وتوسيع شرائح المجتمع التي يمكن أن تضم الأطفال الأيتام وتوفر لهم بيئة صحية للنمو".
وفي كل الأحوال "فإن القضاء هو صاحب الكلمة الفصل في ذلك كوننا جهة منفذة لقرارات المحكمة ونحن ملتزمون قانوناً بتنفيذ قراراتها"، يؤكد صادق.
رأي الشريعة الإسلامية
يوضح الشيخ أحمد الحسناوي لـ"ارفع صوتك"، أن الإسلام "أعطى مساحة واسعة لتبني الأطفال سواء كان الطفل فاقداً لكلا أبويه أو لأحدهما، على أن يتم تحصيل الموافقة من وليّ الأمر الذي يلي الأبوين. وإذا لم يتوفر الوليّ لدى الطفل، يتم أخذ موافقته ليعيش ضمن أسرة مستعدة وقادرة على تربية الطفل تربية حسنة والإنفاق عليه أُسوة بأطفال تلك الأسرة دون تمييز، ولكن في الوقت ذاته دون نسب الطفل إلى من يتبناه".
"وأباح الإسلام لشريحة واسعة من أبناء المجتمع لتبني الأطفال أو كفالتهم، سواء كان ممن لا ينجب ولم يهبه الله الذرية أو من لديه أطفال ولديه القدرة على استيعاب المزيد مهما كان عددهم"، بحسب الحسناوي.
ويوضح: "هناك فرق واسع بين تبني الطفل وكفالته. في الحالة الأولى يتم ضم الطفل إلى العائلة وتربيته كما يتم تربية الطفل من صلب الإنسان وتوفير كل احتياجاته من مأكل وملبس والعناية الصحية والدراسية وغيرها. وفي الثانية، يتم تقديم الرعاية المالية فقط".
ويشير الحسناوي إلى أن "العراق بلد خاض العديد من الحروب منذ ثمانينيات القرن الماضي حتى بعد عام 2003، بتعرضه إلى هجمة ارهابية شرسة أدت إلى فقدان العديد من الأسر لآبائهم، وبالنتيجة ضج المجتمع بآلاف الأيتام الذين تم استيعاب بعضهم من قبل الدولة وكثير منهم تم استيعابهم مجتمعياً".
"ولذلك نحن بحاجة إلى المزيد من الاهتمام بهم وتوفير مساحة أكبر لرعايتهم. وقد بدأ المجتمع بإنشاء دور رعاية مثل الملاذ الآمن الذي أنشأه هشام الذهبي وتبنى فيه مئات الأطفال"، يؤكد الحسناوي.
ورداً على سؤال عن موقف الإسلام من تبني المرأة لطفل يتيم منفردة، يقول الحسناوي: "يفضل الشرع أن ينشأ الطفل ضمن أسرة تتكون من أم وأب لتوفير التربية الكافية، فتبني طفل ليس مسألة هيّنة ويحتاج إلى قاعدة عائلية طبيعية للطفل".
أما إذا كانت هناك رغبة للمرأة بتحمل مسؤولية طفل بشكل كامل "يجب أن تكون متمكنة بالكامل من كافة النواحي المادية والمعنوية والنفسية لتكون قادرة على تحمل هذه المسؤولية الكبيرة"، وفق الحسناوي.