تغنّى أشهر المغنين والمغنيات العرب ببغداد في أعمال متفاوتة الشهرة والقيمة الفنية، لكنها كلها لقيت نجاحاً وشهرة في فترات إنتاجها. بعضها صمد لينال شهرة على مرّ الزمن لا تزال ماثلة إلى اليوم.
ولا عجب أن تحضر بغداد في الأغاني، طالما أنها حاضرة بشكل كبير في قصائد الشعراء على مرّ العصور. من أشهر من غنّوا لبغداد "كوكب الشرق" أم كلثوم، والسيدة فيروز، و"موسيقار الأجيال" محمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى كاظم الساهر الذي خصّ بغداد بأغنية من كلمات كريم العراقي لاقت شهرة واسعة، مطلعها "كثر الحديث عن التي أهواها"، كما غنى إلهام المدفعي قصيدة لبغداد من كلمات الشاعر السوري نزار قباني يقول فيها: "مدّي بساطي واملئي أكوابي/ وانسي العتاب/ فقد نسيت عتابي/ عيناك يا بغداد منذ طفولتي/ شمسان نائمتان... في أهدابي".
فيروز غنّت مرتين لبغداد. المرة الأولى في العام 1954 عندما زار ملك العراق فيصل الثاني لبنان، فأنتجت الإذاعة اللبنانية في المناسبة من كلمات وألحان الأخوين رحباني أغنية "دار السلام"، من دون أن يكون في القصيدة أي ذكر للملك، ومطلعها: "دار السلام على الأنسام ألحان/ يزفه من ربوع الأرز لبنان"، وهي تنسجم مع السياسة التي اعتمدها الرحبانيان خلال مسيرتهما الطويلة مع فيروز، على ما يقول الناقد الفني محمود الزيباوي، حيث التزما بعدم ذكر أسماء قادة أو ملوك أو زعماء في الأغنيات التي قدمها الثلاثي.
أعاد الأخوان رحباني تسجيل الأغنية في القاهرة عام 1955، وكانت أولى الأعمال التي تسجلها فيروز في القاهرة في رحلة عمل "كانت ثمرتها ثمانية وأربعون عملاً غنائياً"، بحسب الزيباوي. وقد قام الأخوان الرحباني بتعديل مطلع النص الأصلي، ليصير: "دار السلام على الأنسام ألحان/ يزفها طائر والصبح فتّان"، لتغدو القصيدة خاصة ببغداد وليس "تحية من ربوع الأرز" كما كانت المناسبة الأولى لوضعها. وفي الأغنية تشدو فيروز: "بغداد يا واحة في الدهر مزهرة/ بغداد بالعز تغلى وبالأمجاد تزدان".
في شباط 1976، وتلبية لدعوة من وزارة الإعلام العراقية، "طارت فيروز مع الأخوين رحباني والمطرب نصري شمس الدين إلى بغداد، لإحياء عدة حفلات غنائية استعراضية ستشترك فيها الفرقة الشعبية اللبنانية بمناسبة احتفالات ذكرى ثورة 8 شباط"، كما جاء في خبر في إحدى الصحف اللبنانية آنذاك تحت عنوان "فيروز تغني لثورة بغداد". الخبر أشار أيضاً إلى أنها "المرة الأولى التي تزور فيها فيروز الجمهورية العراقية".
في تلك الحفلات غنت فيروز "بغداد والشعراء والصور" وهي من شعر منصور الرحباني، وهي القصيدة الثانية التي تخصصها السيدة فيروز للعاصمة العراقية خلال مسيرتها الفنية.
الموسيقار محمد عبد الوهاب غنّى من ألحانه بدوره لبغداد، كتحية إلى الملك فيصل، من كلمات أحمد شوقي.
ويروي حسين ابن الشاعر أحمد شوقي في كتابه "أبي شوقي" حكاية هذه الأغنية، إذ قابل شوقي الملك فيصل في إحدى زياراته إلى باريس، وقد دعا الملك "أمير الشعراء" إلى زيارة بغداد، فوعده بتلبية دعوته. "لكنه لم يذهب لصعوبة المواصلات في ذلك الوقت"، ثم كرّر الملك فيصل دعوته بعد ذلك ببضع سنوات، وتحديداً في العام 1931، "فلم يسع أبي إلا أن يرسل له تحية شعرية مع المطرب الكبير الأستاذ محمد عبد الوهاب وكان قد سافر إلى بغداد حيث نزل ضيفاً على جلالته، وقد غنى عبد الوهاب هذه التحية بين يديّ جلالته"، بحسب حسين أحمد شوقي. وكان مطلع الأغنية: "يا شراعاً وراء دجلة يجري/ في دموعي تجنبتك العوادي".

أم كلثوم غنّت لملك العراق في عيده في العام 1946، كما زارت العراق قبل ذلك في العام 1932 وأحيت حفلات في ملهى فندق "الهلال" في شارع الرشيد. لكن أغنيتها الأشهر المرتبطة بشكل مباشر ببغداد، هي "بغداد يا قلعة الأسود"، وقد غنتها في العام 1958 بعد الانقلاب الذي عرف بـ"ثورة تموز" وأطالح بالملكية.
وكانت القيادة المصرية الناصرية قد طلبت من أم كلثوم أن تتلو تهنئة للعراق على الانقلاب تبثها الإذاعة، لكنها فضّلت أن تغني أغنية بدل تسجيل بطاقة تهنئة، وقد كتب محمود حسن إسماعيل كلام الأغنية وطلبت أم كلثوم من رياض السنباطي أن يلحنها. وقد لاقت الأغنية نجاحاً كبيراً في العراق، واعتمدتها إذاعة بغداد كأغنية افتتاحية على مدى سنوات.
ومن جيل المغنين والمغنيات الجدد، أطلقت الفنانة الأردنية ديانا كرزون في العام 2016 أغنية بعنوان "ودّيني على بغداد/ روحي مشتاقة لبغداد" من كلمات أحمد هندي وألحان علي بدر، وقد حصدت ملايين المشاهدات عبر موقع "يوتيوب".
وغنت الفنانة السورية فايا يونان في العام 2018 قصيدة للشاعر اللبناني زاهي وهبي وألحان حازم شاهين مطلعها "بغداد بين النهرين كتبها الله قصيدة/ بغداد بين الشفتين تعويذة عذراء".