يمنح الكريستال متعاطيه جرعة عالية من النشاط الفكري والجنسي، ويمكنه من البقاء متيقظا لعدة أيام في أول جرعاته.
يمنح الكريستال متعاطيه جرعة عالية من النشاط الفكري والجنسي، ويمكنه من البقاء متيقظا لعدة أيام في أول جرعاته.

إيناس كريم، باحثة نفسية عراقية، تخلّت عن التدريس للتفرّغ لمكافحة إدمان المخدرات في العراق. تمتلك تجربة أكثر من استثنائية، بعدما بذلت جهوداً كبيرة في توعية مئات العراقيين وعلاجهم من الإدمان.

وصفتها وسائل إعلام عراقية بأنها "أول امرأة عراقية تؤسس منظمة لعلاج الإدمان"، وهو ما منحها تجربة عميقة ومختلفة في هذا المجال، فكان لنا معها هذا الحوار:

  • في البداية، نتمنى أن تمنحينا تقييمك لظاهرة تعاطي المخدرات في العراق، هل هي تنتشر باستمرار؟ هل نملك إحصائيات -ولو تقريبية- لعدد المتعاطين وعدد من يطلب العلاج منهم؟

المخدرات في العراق تعيش أقوى مراحلها، سواءً من ناحية التعاطي أو الاتجار. سابقاً كان العراق مجرد معبر للمخدرات، اليوم أصبح معبراً ومستهلكاً كبيراً للمخدرات.

أنا أعتبر أن المخدرات "إرهاب صامت" يعاني منه العراق؛ فأضراره لا تختلف كثيراً عما يفعله الإرهاب بالعراق، فهو يدخل البيوت والجامعات والمدارس، ويدمّر البنية التحتية للمجتمع من الشباب.

وللأسف، هناك تقصير كبير في موضوع الإحصائيات الرسمية الخاصة بانتشار المخدرات ونسبة متعاطيها داخل العراق، فلا تُوجد أرقام رسمية تسعفنا في هذا الصدد.

أبشع جرائمه "زنا المحارم" وقتل أفراد العائلة.. "الكريستال" القاتل الصامت في العراق
يمنح الكريستال متعاطيه جرعة عالية من النشاط الفكري والجنسي، ويمكنه من البقاء مستيقظا لعدة أيام في أول جرعاته. هذا هو سر الانتشار السريع لهذا النوع من العقاقير بين الشباب في العراق. هذه "الميزات" التي تجذب الشباب لاستهلاكه هي ذاتها التي تؤدي بعدد منهم إلى الهلوسة وارتكاب جرائم خطيرة مثل زنا المحارم والقتل والانتحار.
  • ما هي أهم أسباب انتشار المخدرات بهذا الشكل بين العراقيين؟

 هناك عدة أسباب لانتشار المخدرات: البطالة، المشاكل الاجتماعية، التفكك الأسري، التعنيف المنزلي، الفقر، وأحياناً يدفع بعض أصدقاء السوء زملاءهم نحو هذا الطريق.

  •  كم عدد المنشآت الطبية المؤهلة لعلاج وتأهيل المدمنين في العراق؟

لا يمتلك العراق العدد الكافي أو المناسب لعلاج هذه الآفة التي يعاني منها المجتمع. بغداد تملك 3 مستشفيات فقط لعلاج الإدمان، هي: القناة للتأهيل الاجتماعي، العطاء، ابن رشد.

باقي المحافظات لا تملك مثل هذه المستشفيات، وهو ما يخلق صعوبة أمام الراغبين في العلاج من الإدمان، لأنهم يضطرون إلى السفر إلى بغداد، لكن الأنسب هو توفير مثل هذه المراكز في كل مكان.

نحتاج إلى الكثير من أمثال هذه المستشفيات في كل المحافظات، لتعميم التجربة في العراق وعلاج أكبر عددٍ ممكن من المتعاطين.

  • من النادر أن نرى امرأة تمارس دوراً في مكافحة الإدمان في العراق، لماذا اخترتِ هذا الطريق؟

سابقاً، كنت أعمل مُدرّسة، والآن صرتُ باحثة اجتماعية ودرستُ علم النفس. في إحدى المرات اكتشفتُ أن أحد طلابي في المدرسة التي كنت أعمل بها تعاطى المخدرات، ولما بحثت في هذا الأمر اكتشفت أنه نادراً ما يتكلم أحد في هذا الأمر.

لم يهتم أحد بالتوعية ضد مخاطر هذا الأمر، فقررتُ تبنّي هذا الأمر بنفسي، فقررت دراسته والعمل على تخفيف حدّة هذا الأمر المعقد. هكذا، دخلت في هذا المجال، وغيّرت اختصاصي، وخلال السنوات الفائتة استطعت علاج آلاف الحالات، كما أبرمت تنسيقاً عالياً بين منظمتي الخاصة وبين مؤسسات الدولة العلاجية حتى نستطيع توعية وعلاج أكبر قدرٍ ممكن من الشباب.

سيدة عراقية تنتظر دورها لتلقي استشارة طبية في مركز الصحة النفسية في مخيم باجيت كندالا للنازحين الأيزيديين بالقرب من دهوك.
"مستويات عالية من الاكتئاب".. ماذا فعلت الحرب وكورونا بنفسية العراقيين؟
لسنواتٍ طويلة عاش العراقيون ظروفاً استثنائية تركت آثاراً عميقة في نفسياتهم؛ فمن حربٍ مع إيران إلى أخرى مع الكويت، ثم سنواتٍ طويلة من حصار اقتصادي خانق انتهت بحربٍ ثالثة أسقطت نظام صدام حسين. أعقبت ذلك حالة من الفوضى والتردّي الأمني لم يتخلص العراق منها حتى اليوم.
  • ماهي أبرز العوائق التي صادفتك خلال رحلتك في دراسة علم النفس وتعلّم أساليب مساعدة متعاطي المخدرات؟

من النادر أن تجد امرأة تعمل في هذا المجال، وهو ما جعلني أواجه مصاعب ومشاكل عديدة. في البداية تخلّى عنّي الجميع، فلم يقف بجواري أحد ليساعدني ويوفّر لي الحماية في هذا الطريق سواءً من الدولة أو غيرها.

وكثيراً ما كان الناس يسألونني لماذا اخترت هذا المجال الصعب والخطر للعمل فيه، فليس من السهل التعامُل مع المدمنين، لكنّي تجاهلتُ كل هذا لأنني كنت أؤمن برسالتي، وهي العمل على تخليص العراق من الإدمان.

  • ماهي كواليس إنشاء منظمة "نقاهة"، التي رفعت شعار "عراق خالٍ من المخدرات"؟

أتمنّى أن ألا أسير في طريقة مكافحة الإدمان وحدي، وإنما أسعى لأن أخلّف ورائي مؤسسة تكمل الطريق من بعدي، وأن أزرع في عقل كل شاب عراقي مبدأ "عراق خالٍ من المخدرات". وفي حالة أن إيناس ليست موجودة فإن ألف شاب وشابة غيرها سيشغلون مكانها ويكملون الطريق.

  • نتمنّى التعرّف على أبرز جهود الجمعية في مكافحة الإدمان في العراق؟ منذ متى تعمل؟ أين تعمل؟

عملنا الأساسي هو المعالجة والتوعية، نحتضن مدمن المخدرات ونكون قناة الاتصال بينه وبين المستشفى، وفي حال رفضه للخضوع إلى العلاج نبذل معه جهوداً لإقناعه بضرورة الخضوع له.

أيضاً بعد خضوع المُدمن للعلاج والتأهيل النفسي نقوم بتدريبه على مهنة معينة حتى يستطيع الحصول على فرصة عمل سريعة، لأنه من الضروري ألا يبقى المدمن عاطلاً عن العمل عقب علاجه.

كذلك نقيم محاضرات وورش ومؤتمرات توعوية ضد مخاطر الإدمان في كل مكانٍ بالعراق.

  • كم مريضاً استطاعت مساعدته؟

وفقاً لقاعدة البيانات، فإن المنظمة ساعدت 2300 شخص من كلا الجنسين.

  • هل تركز الجمعية على مناطق جغرافية بعينها؟

المنظمة تُعالج الشباب من كل المحافظات، لا نفضّل منطقة عن أخرى. في كل مكان تمتلك المنظمة متطوعين ضد مخاطر الإدمان، يساعدون أي مدمن في الحصول على فرصة للعلاج من الإدمان. ومقر المنظمة الرئيسي يقع في بغداد.

  • كيف تبدأ رحلة العلاج من الإدمان، وكم تحتاج من زمن؟ وهل يتضمن العلاج أنواعاً مختلفة وفقاً لحالة كل شخص؟

رحلة العلاج تبدأ بإقناع المدمن بأهمية العلاج، بعدها نبدأ في مرحلة نزع السموم من جسده وهو أمر يستغرق وقتاً بعدها نبدأ بعملية تأهيل نفسي يقوم به أشخاص مختصون في هذا الأمر، وهي تعتبر من أهم فترات تجربة العلاج.

كل شخص تختلف تجربته عن الآخر، وكل واحد له قِصته الخاصة. كما أن البشر يختلفون في طريقة تفاعل أجسامهم مع المواد المخدرة التي يتناولونها، لذا فمن الضروري أن يكون لكل واحد طريقة علاج معينة.

  • ما سر قِلة عدد الجمعيات الأهلية التي تعمل في مجال مكافحة المخدرات في العراق؟

لأن هذا أمر صعب وخطر. بشكلٍ عام فإن العراقيين يخافون من التعامل مع فئة المدمنين ويحذّرون من الاقتراب منهم. أيضاً فإن هذا النشاط غير مُربح من الناحية المالية وإنما تقتصر فوائده على الجوانب العامة المجتمعية، لذا فإن الأغلبية لا يدخلون في هذا المجال.

  • كيف تقيّمين جهود الحكومة العراقية حالياً في مجال مكافحة المخدرات؟

سابقاً، كان هناك تقصير واضح من الحكومة في ملف المخدرات بلغ مرتبة الإهمال الجسيم، وهو ما تغيّر في هذه الفترة، فأنا ألاحظ أن الحكومة مهتمة بهذا الملف وتأخذه على محمل الجد، وبدأ تتخذ إجراءات جدية لمعالجته.

  • هل ترين أن الخلافات السياسية تلعب دوراً في إجهاض أي جهودٍ حكومية منظمة للتخفيف من حدة تعاطي المخدرات؟

السياسة تدخل في كل تفاصيل حياتنا، لا أريد الخوض بها، لكني أعتقد أن أي دولة إرادتها قوية وحكومتها قوية تستطيع علاج أي مشكلة تعاني منها البلاد، لذا أتمنى أن تكون الحكومة الحالية قادرة على علاج مشكلة المخدرات التي يعاني منها العراق منذ سنوات.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.