Camel herders lead the way for the camels in al-Samawa, Iraq, Saturday, June 4, 2022. (AP Photo/Hadi Mizban)
رعاة إبل في بادية السماوة في العراق

نزولاً عند نصيحة والده، قام محمد عبيد بنقل الجمال والنوق التي يهتم بها من الصحراء إلى الجبال في إقليم كردستان بسبب موجة الجفاف التي تضرب العراق. يقول راعي الجمال العراقي لـ"ارفع صوتك": "نقلناهم خوفاً من هلاكهم في صحراء الجزيرة"، ويضيف أن بعض الجمال باتت "تستسلم للجرب والجفاف.. مما دفعنا إلى الانتقال".

عبيد يشرح أن الجمال "تكيفت مع الجبال دون أي مشاكل، وأنها ترعى على أشجار البلوط والعشب"، وأن هذا المكان (جبال كردستان) "به موارد وفيرة".

ما يحدث اليوم في العام 2023 ليس جديدا. عانت الجمال في العراق من موجات جفاف متتالية طوال العقود الماضية، مثلما حدث قبل 91 عاما تقريبا. يذكر مكي الجميل في كتابه "البدو والقبائل الرحالة في العراق"، وهو صادر في العام 1956، أن "سنة 1932 كانت سنة إمحال وجفاف، ظمأت فيها الأرض إلى المطر وأصاب المزروعات فيها ضرر عظيم حتى إنني لا أزال أذكر أن السيد فاروق الدملوجي الطبيب البيطري في لواء الموصل يومئذ، كان قد أحضر معه كرات سوداء استخرجت من بطون الأغنام المذبوحة وكان ذلك نتيجة لالتهام الأغنام صوف بعضها بعضاً بحيث اضطرت عشائر شمر أن تدخل المناطق الكردية من لواء الموصل التي كانت أقل جدباً، وكادت تؤدي تلك الحال إلى وقوع حوادث دموية لولا التدابير الإدارية التي اتخذت يومئذ، ولولا إعطاء أجور مناسبة إلى أصحاب تلك الأراضي".

يتابع جميل أنه وفي أواخر 1933 "كنتُ مديراً لناحية المحاويل، فشاهدت في صباح أحد الأيام قوافل طويلة (استغرق مرورها من مركز الناحية من الصباح الباكر حتى العصر) من الجمال التي تحمل بيوت الشعر والرجال والنساء الراجلين وهم يحملون أطفالهم وقد هدّهم الإعياء، صفر الوجوه جياع ضمأى يبحثون عن الخصب يائسين، ثم علمت أنهم بعض أفخاذ شمر ووجهتها لواء الديوانية طلباً للماء والكلأ. فكان منظر الإجهاد والبؤس المرتسم على ملامحهم الذابلة مما يؤثر في النفس أشدّ تأثير".

وهو أمر لاحظه الرحالة الفرنسي لوي جاك روسو، الذي دوّن أخبار رحلته من حلب إلى بغداد ثم إيران عام 1808، وهذا قبل أكثر من مئة عام من جفاف العام 1932. يقول "الجمال عند العرب ليس لها سوى سنام واحد، وأجسامها مجردة من اللحم، أي أنها ضعيفة، وهي كثيرة الشثن، أي غليظة الجلد، ورغم قوتها فهي كثيرة التقرح، معرّضة للآكلة، ولأمراض أخرى عديدة بسبب كثرة السفر والتعب والحرمان".

ويبدو أن رعاة الجمال أبرز المتأثرين، وأوّلهم، بموجات الجفاف التي ضربت العراق على مرّ تاريخه، خصوصاً أن للجمال والنوق أهمية لكثير من العشائر والبدو التي تسكن الصحراء وتعتمد على الإبل لصمودها.

"اتفق الجميع على أهمية هذا الحيوان لحياة البدوي في الصحراء، فهو أثمن ما يملك في حياته القاسية"، يقول علي عفيفي علي غازي في كتابه "بدو العراق والجزيرة العربية بعيون الرحّالة". ويتابع: "ليس حليب النوق وحده هو ما يجنيه البدوي من فائدته، فهو طوق نجاته في بحور الرمال العظيمة، ومصدر مأكله ومشربه وملبسه. فاللحم للغذاء والفراء للاستدفاء، والجلد لصناعة بعض الحاجيات، ومن وبره يصنع بيت شعره وخيمته، ويستخدم بعره كوقود بعد تيبسه، وبوله للتنظيف وكدواء ومادة لغسيل الشعر وقتل القمل"!.

هذا فضلاً عن "أهمّ خاصية" يقول عنها غازي، وهي التي منحته لقبه الشهير "سفينة الصحراء"، و"هي حمل البدوي وحاجياته وأثقاله إلى أمكنة لم يكن بالغها إلا بشقّ الأنفس".

وقد ارتبط مفهوم البداوة عند الرحالة، بحسب غازي، بأن البدوي "ليس كل من يترحل في الصحراء، وإنما هو راعي الإبل فقط، من دون غيرها من الحيوانات، ويُسمون أهل الوبر، وأهل الإبل أيضًا، وتُسمى الإبل حلال، أي "مال" البدوي والجمل هو الحيوان الذي يتحمل الصحراء. بل، إنه ضرورة للعيش فيها، وهبته الرحمة الإلهية لقاطنيها، الذين يتنقلون في أرجائها القاحلة".

ويلفت غازي إلى أن الجمل هو "أكثر الحيوانات شيوعاً وأعظمها عند البدو، فهو يتحمل الحر وقلة الماء لوقت طويل وبإمكانه حمل البشر والمتاع ويزود البدوي بمعظم احتياجاته". ولهذا فإن البدوي لا يتخلى عن جمله، ولا يبيع إلا الذكور من الجمال، ويبقي على الإناث من أجل التولّد، كما يلاحظ فتح الله الصايغ في كتاب رحلته "إلى بادية الشام وصحارى العراق والعجم والجزيرة العربية"، والتولد ليس السبب الوحيد بل يضيف الصايغ "ومن أجل حليبها أيضاً، لأن حليب النوق أكبر قوت لهم (للبدو)".

أما الإسباني دومنجو باديا، فينقل في ما كتبه من يوميات خلال رحلاته إلى الصحاري العربية أن "الإبل من الحيوانات شديدة الحساسية وتتطلب اهتماماً ومعاملة لطيفة، ولهذا يتعامل البدو بمنتهى اللطف والحذر مع الإبل الفتية، لكنها في المقابل ملزمة بالخدمة حتى النفس الأخير، وتنفق وهي تحت وطأة العمل".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.