أصدر القضاء العراقي الأحد حكما بالسجن المؤبّد بحقّ ضابط أدين بتهمة قتل متظاهرين في مدينة الناصرية في جنوب البلاد خلال موجة احتجاجات غير مسبوقة عمّت العراق في 2019 وقابلتها السلطات بقمع دموي.
وفي أكتوبر 2019 اندلعت احتجاجات شارك فيها عشرات آلاف المتظاهرين في عموم البلاد واستمرت لعدة أشهر وذلك تنديدا بتدهور البنى التحتية والفساد والبطالة.
وقُتل أكثر من 600 متظاهر وجرح الآلاف خلال تلك الاحتجاجات.
وبعد عدة أشهر من التحقيقات، حكمت محكمة استئناف محافظة ذي قار ومركزها الناصرية، بالسجن المؤبد على الضابط في قوات الرد السريع العراقية، المقدم عمر نزار، وفقا لوكالة السومرية نيوز العراقية.
لكن رغم حالة الارتياح التي سادت في المحافظة، فإن هناك كثيرين ما زالوا قلقين من احتمال الإفراج عن نزار، المتهم بـ"قمع المتظاهرين" خلال تظاهرات تشرين 2019 في المحافظة، وبالمسؤولية عن مقتل وإصابة عشرات منهم في نوفمبر 2019، في ما عرف لاحقا بأحداث "مجزرة الزيتون".
ويقول الصحفي العراقي أحمد السهيل، إن "الإشكالية تتعلق بقيام السلطة بشكل عام بتضحيات بشخصيات غير رئيسية وترك الفاعلين الرئيسيين من قادة الجهاز الأمني المتسبب بالمجازر لتسجيل انتصارات وهمية أمام الجمهور".
ويضيف "أنه بالإمكان استغلال الحكم للضغط على الحكومة في كشف الجهات التي خططت وأعطت الأوامر لعمر نزار وغيره".
ودافع الحشد الشعبي عن نزار، بعد إعلان الحكم.
وقال مدير إعلام الحشد، مهند العقابي، في تغريدة إن عمر نزار "مغوار وشهم"، كما وصفه بأنه "وطني حد انقطاع النفس"، وقال إن الجريمة المنسوبة إليه "مزورة" وأن "الاتهامات والاعترافات كيدية".
من هو عمر نزار؟
عرف العراقيون عمر نزار على نطاق واسع أول مرة بعد تقرير لمجلة دير شبيغل الألمانية حمل عنوان "محررو الموصل، وحوش وليسوا أبطالا"، اعتمد على لقطات فيديو وصور التقطها المصور العراقي علي أركادي، الذي فر من العراق قبل نشر التقرير.
في لقطاته وشهادته، يتحدث أركادي بالتفصيل "اعتداءات" قامت بها مجموعة نزار – الذي كان نقيبا في ذلك الوقت – بحق المدنيين في الموصل، والتي شملت تصويرا لعمليات تعذيب وشروع في اغتصاب. وقال أركادي للمجلة إن المجموعة نفذت وقتها أيضا عمليات إعدام ميدانية من دون محاكمة، بعضها طالت شبابا لم يبلغوا 18 عاما من العمر.
وفور نشر تقرير دير شبيغل عُرف نزار عالميا.
وقالت هيومن رايتس ووتش في بيان نشر في مايو 2017 إن العراق "يكسب المعارك لكنه يخسر الحرب".
وأضافت المنظمة في بيان "يبدو أن الجلادين الذين تم تصويرهم في مقاطع الفيديو الأخيرة هذه يقتبسون من أسلافهم البعثيين"، وتابعت "نرى تكتيكات عهد صدام، حيث يقوم الضباط بتعليق أحد الأخوين المزعوم دعمهما لداعش من أذرعهم، ثم يمزقون لحاهم، ويضعون السكين في آذانهم، ويصعقونهم بالأسلاك الكهربائية".
وتظهر مقاطع الفيديو الضباط يضربون المعتقلين المقيدين بالأصفاد وهم يتدلون من السقف، بينما يمزح الضباط، وبينهم نزار.
وقالت إن هناك أيضا جنودا أعدموا معتقلين مكبلي الأيدي أمام الكاميرات.
وردت قوات الرد السريع حينها بنفي الموضوع، وقالت إن تحقيقا أجري مع نزار وأثبت عدم تورطه بهذه الأفعال.
بعدها بفترة بسيطة تمت ترقية نزار إلى رتبة رائد، بعد منحه "أقدمية" وهي نوع من المكافآت العسكرية تمنح للضباط لتسهيل ترقيتهم بشكل أسرع من أقرانهم.
كما ذكر نزار بالاسم بتقرير وزارة الخارجية الأميركية عن حالة حقوق الإنسان في العراق عام 2022، عقب بدء التحقيق معه.
وأضاف بيان الخارجية "لم تتخذ الحكومة سوى خطوات ضئيلة لتقديم المسؤولين عن عمليات القتل خارج نطاق القضاء إلى ساحة العدالة".
وذكر أن اعتقال نزار في 22 فبراير 2022 كان بناء على مذكرة صادرة عن محكمة تحقيق الناصرية تزعم تورطه في قمع المظاهرات في 2019 بإطلاق الذخيرة الحية على حشود من المتظاهرين.
وأسفرالحادث، وفقا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن عن مقتل 25 شخصا على الأقل وإصابة 200 آخرين.
وفي العام نفسه أصدرت محكمة جنايات الرصافة في بغداد حكما في 10 مايو بالسجن المؤبد ضد ثلاثة من أفراد شرطة مكافحة الشغب بتهمة قتل متظاهرين في ساحة التحرير في عام 2020.
وقال مركز جنيف لحقوق الإنسان إنه "في حين أن هذه الأعمال تعد انتهاكات واضحة وواضحة للعديد من المعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، فقد صرح الضابط عمر نزار أن حقوق الإنسان، في رأيه ، لا تنطبق على الأشخاص الذين يشتبه في انتمائهم إلى داعش، وأنه فخور بذلك".
عاد عمر نزار إلى الضوء بصفته آمر فوج الرد السريع الثاني في ذي قار، عقب انتشار فيديوهات تصور قوات ترتدي أزياء الرد السريع، تطلق النار بشكل كثيف باتجاه متظاهري المحافظة في ما عرف بعدها باسم "مجزرة الزيتون" نسبة إلى شارع الزيتون في الناصرية.
وقتها قتل عشرات المتظاهرين، وأصيب أكثر من 250 شخصا بإطلاق الرصاص.
وقال الرائد عمر نزار بعدها بأشهر لموقع "الحرة" إن قواته كانت مسؤولة عن تأمين جسر الزيتون، لكنه نفى مسؤولية القوات عن إطلاق النار.
وأضاف نزار أن "ميليشيات مجهولة" عبرت الجسر باتجاه المتظاهرين وأطلقت النار عليهم.
وعقب الاتهامات التي طالت نزار وفوجه، أجرت وزارة الداخلية تحقيقا آخر في عام 2020 وتحقيقا عام 2021 بدون توجيه اتهامات.
لكن تحقيق المحكمة المدنية في الناصرية أثبت مسؤولية نزار عن المجزرة بعد أشهر من بدء التحقيق عام 2022.
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، وقتها إن اعتقال نزار "يعتبرخطوة أولى مهمة نحو المساءلة، لكن الاعتقالات بسبب القتل الجماعي للمتظاهرين وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان يجب ألا تتوقف عند هذا الحد، ويجب ألا تقتصر على الحالات التي يتم فيها نشر التحقيقات المسربة على الملأ".
إدانات مقبلة؟
يقول المحامي ناجي الزهرة إن إدانة عمر نزار بتهمة "قمع المتظاهرين" تعني بالضرورة وجوب التحقيق مع زملائه وجنوده.
ويضيف الزهرة لموقع "الحرة" أن "من غير المعقول أن يكون نزار قام بكل هذا لوحده، ومن المتوقع أن يفتح حكم المحكمة المدنية تحقيقا عسكريا أوسع".
ويشير الزهرة إلى احتمال "حدوث عملية تغطية معقدة لمحاولة الإفلات من الجريمة، أدت إلى إفلات عمر من تحقيقات وزارة الداخلية"، مؤكدا أن "على وزارة الداخلية إثبات جديتها من خلال إعادة فتح التحقيق".
واتصل موقع "الحرة" بوزارة الداخلية العراقية، طلبا لمعلومات بشأن قضية عمر نزار وما إذا كان هناك آخرون من زملائه يخضعون للتحقيق أيضا، لكن من دون رد.