في بدايات شهر يوليو الماضي نشر الناشط البيئي أحمد صالح نعمة مقطع فيديو ذيّله بتعليق "هور الحويزة انطاكم عمره"، يُظهر الجفاف التام الذي حلّ بالهور، وقد وُصف المقطع من قبل المعلّقين عليه بـ"الصادم" و"المحزن".
وبدأ الناشط البيئي الفيديو بلقطة تظهره يستلقي على كوفية عراقية تقليدية، وعليها تطريزات ورسوم رمزية لأمواج المياه وشباك الصيادين، ويعلّق نعمة في الفيديو: "انتهت الأمواج وانتهى الصياد وصار الموت في كل مكان".
يؤثر التغير المناخي والجفاف الذي يضرب الأنهار العراقية والأهوار بشكل كبير على قطاع الأسماك في البلاد، حيث يعدّ صيد السمك من المهن الأساسية فيها، ومصدراً لغذاء أبنائها على مرّ التاريخ.
وإذا كانت شباك الصيّادين وأمواج المياه تشكّل رمزاً في الكوفية العراقية، فإن "المسكوف" يعتبر بالنسبة إلى العراقيين الطبق الرئيسي و"الوطني". وهو يعتمد على شيّ السمك النهري بالأوتاد على نار الحطب.
ويبدو، من خلال شهادات خبراء بيئيين وصيادين وبائعي أسماك، أن هذا الطبق بدأ يتأثر بشكل ملحوظ بالتغير المناخي وبتراجع الثروة السمكية في البلاد.
حيدر عباس بائع أسماك عراقي يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المطاعم في السابق لم تكن تعتمد على الأسماك التي تجري تربيتها في الأحواض في طبق المسكوف، بل كان الاعتماد التقليدي على شي أسماك الشبوط والبني والكطان والحور (وتسمى الأسماك الحرّة) التي يصطادها الصيادون من المياه المفتوحة في الأنهار والأهوار".
اليوم، بحسب عبّاس، "تعتمد كل المطاعم على سمك الأحواض من نوع السمتي حصراً، بسبب شح مياه الأنهار والأهوار، بعد ان ارتفعت بشكل كبير أسعار الأسماك الحرة التي تعيش فيها، بسبب ندرتها".
يشرح الوضع: " المياه قليلة مع جو حار وجفاف، بالتالي لا يستطيع السمك أن يعيش، فيموت ويجده الكثير من الصيادين نافقاً بأعداد كبيرة على سطح المياه".

التفسير العلمي لنفوق أنواع من الأسماك التي كانت تشتهر بها الأنهار والأهوار العراقية، يشرحه الصحافي والخبير البيئي خالد سليمان في كتابه "حرّاس المياه- الجفاف والتغير المناخي في العراق".
يقول سليمان: "بسبب قناديل البحر التي تجلبها الألسنة الملحية الصاعدة من البحر أو تجلبها ملوحة مياه الأهوار بسبب الجفاف، يتعرض التنوع الأحيائي في مياه الأهوار إلى الخطر، ذلك أن بإمكان قنديل البحر تخريب حياة الكائنات الأخرى المقيمة فيها منذ آلاف السنين، فضلاً عن تغيرات أخرى تحصل بسبب المتغيرات المناخية".
وهناك "أنواع من الأسماك باتت مهددة بالانقراض، منها على سبيل المثال أسماك البنّي التي قلّت أعدادها بشكل واضح، بينما تأخذ أسماك أخرى أكثر من مساحتها في هذه البيئات"، بحسب سليمان.
ويؤكد أن الجفاف "دمّر الأسماك في هور الحمّار والأهوار الوسطى بعد أن تحولت إلى ساقيات مياه ضحلة تعاني من تلوّث مميت".
حتى أسماك الأحواض تراجعت أعدادها بعد إقفال عدد منها، كما يقول حيدر عبّاس، مبيناً: "لذلك زادت أسعارها، بحيث لا تستطيع العائلات الفقيرة شراء السمك".
"لم يعد السمك كما في السابق طعام الفقراء"، يقول بائع السمك. وهو ما يؤكد عليه زميل له يدعى طه، يقول لـ"ارفع صوتك": "ردم الأحواض أثّر على السوق بشكل كبير. الأسماك صارت أقلّ، وشح المياه أثر على اصطياد الأسماك".
يضيف طه بلكنته العراقية "ماكو (لا يوجد) بُنّي"، في إشارة إلى نوع السمك الذي كان معتمداً تقليدياً في "المسكوف"، مردفاً "صار لنا سنة ما شفنا سمك البنّي نهائياً. هذا النوع من السمك كان يأتي من الأهوار، والأهوار كما تعلمون تعاني اليوم من الجفاف".
ليس فقط سمك "البنّي"، بل حتى "الشبوط والكطان فقدا من السوق أيضاً"، بحسب طه، و"كانت هذه الأنواع أساسية للمسكوف، أما اليوم فالمستخدم للمسكوف هو سمك السمتي (الكارب) الذي يُربّى في المزارع والأحواض".
ويتوقع طه أن تنقرض هذه الأنواع النادرة في المستقبل إذا ظل الجفاف على حاله أو تفاقم، أما زميله عبّاس فيبدو أكثر تشاؤماً، بقوله "قد لا يعود لدينا أسماك محلية ونضطر إلى الاستيراد من الخارج لتلبية السوق والمطاعم".