Iraqi protesters barbecue fish in Tahrir Square, Baghdad, Iraq, Sunday, Dec. 15, 2019. (AP Photo/Nasser Nasser)
متظاهرون عراقيون يعدّون "المسكوف" خلال تظاهرات تشرين 2019

في بدايات شهر يوليو الماضي نشر الناشط البيئي أحمد صالح نعمة مقطع فيديو ذيّله بتعليق "هور الحويزة انطاكم عمره"، يُظهر الجفاف التام الذي حلّ بالهور، وقد وُصف المقطع من قبل المعلّقين عليه بـ"الصادم" و"المحزن".

وبدأ الناشط البيئي الفيديو بلقطة تظهره يستلقي على كوفية عراقية تقليدية، وعليها تطريزات ورسوم رمزية لأمواج المياه وشباك الصيادين، ويعلّق نعمة في الفيديو: "انتهت الأمواج وانتهى الصياد وصار الموت في كل مكان".

يؤثر التغير المناخي والجفاف الذي يضرب الأنهار العراقية والأهوار بشكل كبير على قطاع الأسماك في البلاد، حيث يعدّ صيد السمك من المهن الأساسية فيها، ومصدراً لغذاء أبنائها على مرّ التاريخ.

وإذا كانت شباك الصيّادين وأمواج المياه تشكّل رمزاً في الكوفية العراقية، فإن "المسكوف" يعتبر بالنسبة إلى العراقيين الطبق الرئيسي و"الوطني". وهو يعتمد على شيّ السمك النهري بالأوتاد على نار الحطب.

ويبدو، من خلال شهادات خبراء بيئيين وصيادين وبائعي أسماك، أن هذا الطبق بدأ يتأثر بشكل ملحوظ بالتغير المناخي وبتراجع الثروة السمكية في البلاد.

حيدر عباس بائع أسماك عراقي يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "المطاعم في السابق لم تكن تعتمد على الأسماك التي تجري تربيتها في الأحواض في طبق المسكوف، بل كان الاعتماد التقليدي على شي أسماك الشبوط والبني والكطان والحور (وتسمى الأسماك الحرّة) التي يصطادها الصيادون من المياه المفتوحة في الأنهار والأهوار".

اليوم، بحسب عبّاس، "تعتمد كل المطاعم على سمك الأحواض من نوع السمتي حصراً، بسبب شح مياه الأنهار والأهوار، بعد ان ارتفعت بشكل كبير أسعار الأسماك الحرة التي تعيش فيها، بسبب ندرتها".

يشرح الوضع: " المياه قليلة مع جو حار وجفاف، بالتالي لا يستطيع السمك أن يعيش، فيموت ويجده الكثير من الصيادين نافقاً بأعداد كبيرة على سطح المياه".

آلاف الأسماك الصغيرة طفت نافقة في نهر المجر بشكل مفاجئ
نفوق أطنان من السمك في العراق.. وخبراء يتحدثون عما هو أسوأ
أعلنت السلطات العراقية الإثنين فتحها تحقيقا لتحديد أسباب نفوق أطنان من الأسماك في نهر جنوبي البلاد، لكن خبراء تحدثوا لموقع "الحرة" قالوا إن نقص المياه والتراخي في تطبيق القيود البيئية، بالإضافة إلى التغير المناخي، هي المسؤولة عن خسارة الأسماك، وربما خسارات أكبر في المستقبل.

التفسير العلمي لنفوق أنواع من الأسماك التي كانت تشتهر بها الأنهار والأهوار العراقية، يشرحه الصحافي والخبير البيئي خالد سليمان في كتابه "حرّاس المياه- الجفاف والتغير المناخي في العراق".

يقول سليمان: "بسبب قناديل البحر التي تجلبها الألسنة الملحية الصاعدة من البحر أو تجلبها ملوحة مياه الأهوار بسبب الجفاف، يتعرض التنوع الأحيائي في مياه الأهوار إلى الخطر، ذلك أن بإمكان قنديل البحر تخريب حياة الكائنات الأخرى المقيمة فيها منذ آلاف السنين، فضلاً عن تغيرات أخرى تحصل بسبب المتغيرات المناخية".

وهناك "أنواع من الأسماك باتت مهددة بالانقراض، منها على سبيل المثال أسماك البنّي التي قلّت أعدادها بشكل واضح، بينما تأخذ أسماك أخرى أكثر من مساحتها في هذه البيئات"، بحسب سليمان.

ويؤكد أن الجفاف "دمّر الأسماك في هور الحمّار والأهوار الوسطى بعد أن تحولت إلى ساقيات مياه ضحلة تعاني من تلوّث مميت".

حتى أسماك الأحواض تراجعت أعدادها بعد إقفال عدد منها، كما يقول حيدر عبّاس، مبيناً: "لذلك زادت أسعارها، بحيث لا تستطيع العائلات الفقيرة شراء السمك".

"لم يعد السمك كما في السابق طعام الفقراء"، يقول بائع السمك. وهو ما يؤكد عليه زميل له يدعى طه، يقول لـ"ارفع صوتك": "ردم الأحواض أثّر على السوق بشكل كبير. الأسماك صارت أقلّ، وشح المياه أثر على اصطياد الأسماك".

يضيف طه بلكنته العراقية "ماكو (لا يوجد) بُنّي"، في إشارة إلى نوع السمك الذي كان معتمداً تقليدياً في "المسكوف"، مردفاً "صار لنا سنة ما شفنا سمك البنّي نهائياً. هذا النوع من السمك كان يأتي من الأهوار، والأهوار كما تعلمون تعاني اليوم من الجفاف".

ليس فقط سمك "البنّي"، بل حتى "الشبوط والكطان فقدا من السوق أيضاً"، بحسب طه، و"كانت هذه الأنواع أساسية للمسكوف، أما اليوم فالمستخدم للمسكوف هو سمك السمتي (الكارب) الذي يُربّى في المزارع والأحواض".

ويتوقع طه أن تنقرض هذه الأنواع النادرة في المستقبل إذا ظل الجفاف على حاله أو تفاقم، أما زميله عبّاس فيبدو أكثر تشاؤماً، بقوله "قد لا يعود لدينا أسماك محلية ونضطر إلى الاستيراد من الخارج لتلبية السوق والمطاعم".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.