أثارت فتوى المرجع العراقي فاضل المالكي بوجوب مقاطعة مجالس العزاء التي يقيمها السياسيون الجدل في الأوساط العراقية | الصورة: صفحة فاضل المالكي على فيسبوك
أثارت فتوى المرجع العراقي فاضل المالكي بوجوب مقاطعة مجالس العزاء التي يقيمها السياسيون الجدل في الأوساط العراقية | الصورة: صفحة فاضل المالكي على فيسبوك

أثار المرجع العراقي فاضل المالكي الجدل في الأوساط العراقية بعد إفتائه بوجوب مقاطعة مجالس العزاء الحسينية التي يقيمها السياسيون، معتبرا إياها "محاولة للتغطية على فسادهم وعمالتهم وتلميع صورتهم".

وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها المرجع المالكي الجدل في الأوساط الشعبية والدينية، فقد سبق له أن أفتى بحرمة الاشتراك في الانتخابات، ورفض التدخل الإيراني في الشأن العراقي معتبرا أن الحوزة الدينية يجب أن تقتصر على رجال الدين العرب دون الجنسيات الأخرى.

وتترأس الحوزة الشيعية في العراق مرجعيات من أصول غير عراقية، على رأسها المرجع الديني الأعلى علي السيستاني ذي الأصول الإيرانية، وبشير حسين النجفي الذي تعود أصوله إلى إقليم البنجاب في الهند، ومحمد إسحاق الفياض ذي الأصول الباكستانية.

وكان المرجع المالكي رد، أول أمس، على استفتاء ورد إلى مكتبه عن "حكم مشاركة الخطيب أو الرادود أو المستمع في المجالس الحسينية التي يقيمها السياسيون الفاسدون في العراق وحكم الأكل والشرب فيها".

وأجاب المالكي بالقول إن "على الشعب العراقي مقاطعة هؤلاء السياسيين وعدم تكثير سوادهم، ولو بحضور مجالس العزاء الحسينية التي يقيمها هؤلاء، حتى في المناسبات الدينية التي يستغلونها للتغطية على فسادهم وعمالتهم وتلميع صورتهم".

وأضاف المالكي أن "الحضور في هذه المجالس هو دعم للفساد ومساهمة في استمراره، ويجب على الشعب العراقي أن يرفض ذلك ويقاطع هذه المجالس".

 

رفض المراجع غير العراقيين

 

ولد فاضل المالكي عام 1954 في قضاء الهندية المعروف بقضاء طويريج (مسقط رأس رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي) في محافظة كربلاء، والتحق بالدراسة الحوزوية في مدينة النجف عام 1968 بعد إنهاء المرحلتين الابتدائية والمتوسطة في مسقط رأسه.

خلال مسيرته الدراسية حصل على شهادة البكالوريوس في العلوم الإسلامية والقانون، قبل أن ينال درجة الماجستير في القانون الإداري الإسلامي.

ويعتبر المرجع فاضل المالكي، المقيم في مدينة "قم" الإيرانية منذ ثمانينات القرن الماضي، من أكثر الشخصيات الدينية انتقادا لتدخل إيران في الشأن العراقي. ففي العام 2008 انتقد، في مقابلة صحافية، تدخل مراجع دينية إيرانية مقيمة في النجف في صياغة الوضع السياسي العراقي.

ودعا رجال الدين المشاركين في حكومة العراق لـ"خلع زيهم الديني إذا أرادوا الاستمرار بالعمل السياسي"، كما انتقد العمليات العسكرية التي جرت في البصرة ذلك العام وقال إنها "انتهاك للحريات وحرب مفتوحة ضد العراقيين تنفذها الحكومة".

وأفتى المالكي بأنه "لا يجوز لمرجع غير عراقي الأصل أن يتدخل في الشأن السياسي العراقي سواء كان في قم أو في النجف".

وأعلن أيضا رفضه أن تكون للعراق حكومة دينية معتبرا أن البلد "لا تصلح له حكومة دينية طائفية أبدا، ولا حكومة علمانية مضادة للدين، وإنما حكومة مدنية تقوم على معايير الأصالة العراقية والاعتدال".

 

مقاطعة الانتخابات

 

في العام 2018، أصدر المالكي بيانا طالب فيه الناخبين بمقاطعة الانتخابات بهدف الضغط على الذين وصفهم "بأنهم جعلوا من الدين جسرا للاستحواذ على سدة الحكم، وفصلوا قانون الانتخابات كي يستمر بقاؤهم في السلطة".

كما حمل المرجع العراقي فاضل المالكي الطبقة السياسية مسؤولية اجتياح داعش للعراق "كي تكون ذريعة لدخول أسيادهم إلى العراق"، بحسب تعبيره في بيان قال فيه أيضا إن "هذه الانتخابات كسابقاتها ستجلب الحيتان الطائفية الكبيرة بمكرها وسحر كهنتها".

ووصف المالكي الطبقة السياسية الحاكمة بالطائفية والتطرف وقتل مخالفيها بالتفجيرات والمسدسات الكاتمة، كما اتهمها بالضلوع في تفجير قبة الإمامين العسكريين في سامراء، عام 2006. وهو التفجير الذي أدى إلى اندلاع حرب طائفية في العراق.

وتبنى تنظيم القاعدة حينها هذا التفجير. ولاحقا تم القبض على المتهم بتنفيذ العملية وإعدامه.

 

تذهيب المساجد

 

في العام 2021، وردا على سؤال ورد إلى مكتبه حول حكم "تزيين المساجد والمشاهد الشريفة وتذهيبها"، قال المالكي إن ذلك مبالغة.

وجاء هذا السؤال بعد ظهور الرادود الحسيني العراقي الأشهر "باسم الكربلائي" في إحدى الحسينيات وهو يجلس على منبر مطعم بالذهب ويرتدي تاجاً ذهبياً قُدم له هدية في إحدى المناسبات الدينية.

باسم الكربلائي
"مثير للجدل".. من يكون باسم الكربلائي الرادود الأشهر في العراق؟
من جديد يثير باسم الكربلائي الرادود (المنشد) الحسيني الأشهر في العراق، الجدل بكلمات قصيدة اعتبرتها لجنة الأوقاف والعشائر النيابية تجاوزات "تسعى لتكريس الفرقة والانقسام وتعميق هوة الخلافات الطائفية بين المسلمين".

واعتبر المالكي أن تذهيب المجالس الحسينية "ضرب للأولويات الشرعية عرض الجدران بذريعة تعظيم الشعائر، فهو ضرب من تزيين الشيطان، ولهو ولعب بأحكام الديان وإسراف غير مبرر".

وفضل المالكي في معرض رده على السؤال "إنفاق تلك الأموال على مرضى السرطان ونحوه، أو الجرحى في العراق وغيره وعلى من لا سكن لهم، أو يسكنون المقابر وأكواخ القمامة، أو على من لا قوت لهم ولا رأسمال يؤمن معاشهم ويقيهم الكفر والجريمة، ولا مبلغ زواج يحصنون به أنفسهم من الانحراف".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.