عراقي كردي يبقى على صندوق يضم بقايا أحد أقاربه الذي قتل في مجزرة الأنفال- 30 يوليو 2022
عراقي كردي يبقى على صندوق يضم بقايا أحد أقاربه الذي قتل في مجزرة الأنفال- 30 يوليو 2022

قررت وزارة التعليم العالي العراقية إدراج منهاج دراسي جديد ضمن مناهج الجامعات الحكومية والأهلية تحمل عنوان "جرائم حزب البعث البائد"، وتتعلق بالجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت خلال 35 سنة من حكم حزب البعث للبلاد.

وأصدرت لجنة "الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية"، بياناً أمس الأربعاء بشأن إدراج المادة في السنة الدراسية المقبلة.

وجاء في البيان، الذي اطلع عليه "ارفع صوتك"، أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي "وجهت بإدراج منهاج جرائم البعث في السنة الدراسية القادمة وكيفية تدريسه. وذلك بعد متابعة مكثفة من لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين النيابية خلال هذه الدورة الانتخابية والدورات السابقة وتصميمها على إعداد منهاج جرائم البعث لغرض تدريسه في المناهج الدراسية للتعليم العالي".

وأشار إلى أن اللجنة "ستسعى أيضا لإعداد المنهاج الدراسي المتعلق بوزارة التربية"، آملة بأن "تنتهج التربية منهج وزارة التعليم العالي في هذا المجال".

وبحسب وثيقة لوزارة التعليم العالي، تقرر اعتماد منهاج "جرائم حزب البعث البائد" في الجامعات الحكومية والأهلية للتخصصات كافة، وتكليف الأساتذة من حملة شهادات "القانون، والعلوم سياسية، والعلوم إسلامية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع)، بتدريسها.

 

إعداد المنهج

بدأت مساعي إعداد منهاج "جرائم حزب البعث" منذ عام 2016، عندما أقر مجلس النواب العراقي قانون "مؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين"، الذي ألزم في المادة (17) منه وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي بإعداد هذا المنهاج الدراسي، بحسب معاون مدير عام دائرة "الشهداء وضحايا الإرهاب"، كفاح حيدر.

يبيّن لـ"ارفع صوتك": "قامت مؤسسة الشهداء بتوفير المواضيع التي يتضمنها المنهاج الدراسي إلى وزارتي التربية والتعليم، والمتعلقة بأبرز الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام البعثي. ومن هذه الجرائم الحرب التي شنها ضد الأكراد العراقيين كقصف مدينة حلبجة وحملات الأنفال".

ويضيف حيدر، أن المنهاج يتضمن أيضاً "جرائم قتل العلماء العراقيين، منهم رجال الدين الذين وقفوا ضد البعث، وقمع الانتفاضة الشعبانية، والجرائم ضد التركمان خصوصاً في منطقة التسعين بمحافظة كركوك، التي تضمنت عمليات تهجير واستيلاء على الأراضي وضمها إلى محافظات أخرى. والجرائم العابرة للحدود التي أدت إلى شن حروب خارجية ضد دول الجوار مثل إيران والكويت".

 

ما أهمية ذلك؟

يؤكد أستاذ العلوم السياسية قيس ناصر، على "الأهمية الكبيرة" لتدريس منهاج "جرائم حزب البعث" في الجامعات العراقية، معللاً: "هناك حلقة معرفية بحثية مفقودة في المجال البحثي العراقي تتعلق بأكثر من ثلاثة عقود حكم فيها حزب البعث العراق وارتكب خلالها جرائم إنسانية وسياسية كبيرة".

ويشير في حديثه مع "ارفع صوتك"، إلى "ضرورة الالتزام بمنطلقات أخلاقية في تدريس هذه المادة المعرفية، التي يجب نقلها للأجيال الحالية والقادمة، لأنها تهتم بدراسة وتدريس حقبة مرت على الدولة العراقية عرف عنها انتهاكها لحقوق الإنسان وارتكابها لجرائم ضد الإنسانية واشتهارها بحقبة المقابر والإبادات الجماعية".

يوضح ناصر: "هناك العديد من الحقول المعرفية التي تهتم بهذه الحقبة، ففي مجال الدراسات السياسية سيتم بيان طبيعة النظام السياسي الشمولي الذي عمل على تشكيله حزب البعث، الذي لم يقتصر تأثيره على العراق فحسب إنما شمل دولا عدة، وفي مجالي الدراسات الفلسفية والنفسية هناك موضوعات متعلقة بدراسة صناعة الخوف، والقسوة والعنف، وهي من المرتكزات الرئيسة لحزب البعث، كذلك دراسة الآثار الاجتماعية والنفسية التي نتجت عن الإبادات الجماعية وانتهاكات حقوق الانسان".

"فضلاً عن أهمية الدراسات التاريخية ولا سيما في مجال أرشفة وتحليل الوثائق المرتبطة بجرائم البعث. وعلينا ألا ننكر دور الأدب والفنون في وصف وتحليل ما جرى كتمثيل للإبادة الثقافية، وتسخير الماكنة الثقافية والإعلامية لخدمة حزب البعث"، يتابع ناصر.

يتفق القاص والصحافي حسين رشيد، مع الأستاذ ناصر، قائلاً إن "وضع منهاج علمي لتدريس جرائم حزب البعث خطوة مهمة على الطريق الصحيح لعملية توثيق تلك الفترة من تاريخ العراق الحديث".

يضيف لـ"ارفع صوتك: "تلك الجرائم لم تكن أمنية وسياسية فقط، بل هناك جرائم ثقافية واجتماعية وأدبية حصلت ولم يُسلَط عليها الضوء بسبب انشغال الناس بعد عام 2003 بما حصل من طائفية وتركيز على ملفات أخرى".

ويبيّن رشيد أنه بالإضافة إلى هذه الفرصة "فإننا بحاجة لتوجيه آخر من وزارة التعليم العالي لتناول ثقافة العنف في العراق إبان السلطة البعثية والثقافة الزيتونية، وكيف ساهم الأدباء والكتاب والصحافيون في ترسيخ حكم البعث من خلال كتاباتهم".

كما يطالب أن تساهم وزارة التعليم بـ"فتح أرشيف الثقافة البعثية أمام الباحثين بشكل تام، ليكون هناك اطلاع أكثر لبحث أسباب تحول النظام البعثي إلى دكتاتوري يقمع الناس أولاً ثم يبدأ بقمع حرياتهم وقدرتهم على التعبير".

وبحسب رشيد، يمكن الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي مرت بظروف مشابهة لما حصل في العراق من حيث دراستها وعزل من كان سبباً في أن "يصل النظام لما هو عليه من وحشية"، على حد تعبيره.

بدوره، يقول المستشار التعليمي وسام ميرزا لـ"ارفع صوتك"، إن "حزب البعث حكم العراق لفترة طويلة وكان له تأثير سلبي كبير في معظمه على واقع المجتمع العراقي، نتيجة التسلط وحكم الفئة الواحدة لبلد متعدد الطوائف مثل العراق".

وإضافة المنهاج السابق ذكره، لها "إيجابيات عديدة"، يضيف ميزرا، معدداً "منها معرفة التاريخ للأجيال الحالية، وليكون عبرة ودرساً أخلاقياً لكل من يحكم العراق مفادها أن الظلم لن يدوم، ولن ينجح في حكم العراق إلا من يفهم خصوصيته ويحترم معتقداته وأديانه والتعددية التي تميزه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.