Nidal Ali, right, and Nawal Sweidan hold photos of their missing sons in Mahmoudiya, south of Baghdad, Iraq, Tuesday, March 28,…
آلاف الأمهات العراقيات تنتظرن معرفة مصائر أبنائهن المخفيين قسرياً- أرشيفية

خلال العقود الخمسة الماضية تراوح عدد المختفين قسرياً في العراق بين 250 ألفاً ومليون شخص، بعد عقود من الصراع وانتهاكات حقوق الإنسان، بحسب اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في تقريرها الخاص بالعراق. وذلك بسبب غياب قاعدة بيانات واضحة في هذا الملف، وافتقار العراق إلى قانون لمكافحة الاختفاء القسري، يحد من افلات الجناة من العقاب ويحافظ على حقوق ذوي المفقودين  بمعرفة مصيرهم.

ويصف الصليب الأحمر الدولي في تقريره الصادر العام 2022 العراق بأنه أحد البلدان التي تضم "أكبر عدد من المفقودين في العالم"، وأن هناك "مئات الآلاف من المفقودين تركوا خلفهم عائلات تعيش في حالة من عدم اليقين، وهي في صراع بين الأمل واليأس بانتظار سماع أخبار عن مصير أحبائها وقد يطول الأمر في بعض الأحيان لعقود".

وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من المفقودين، فإن العراق وحتى الآن لم ينفذ التزاماته التي وافق عليها بعد توقيعه للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري العام 2009.

ويتوجب على الدول الأطراف بموجب الفقرتين الأولى والثانية من المادة الأولى من الاتفاقية الدولية لعام 2006 أن تحظر الاختفاء القسري في قانونها، بحيث لا يكون هناك مسوغ لارتكابه سواء كان ذلك في حالة الحرب أو التهديد بالحرب، أو في حالة انعدام الاستقرار الداخلي أو أية حالة طوارئ عامة أخرى. وأن تتعاون الدولة مع منظمة الأمم المتحدة في القضاء على هذه الظاهرة على الصعيدين الوطني والإقليمي وأن تتخذ التدابير التشريعية والإدارية والقضائية وغيرها لمنع حالات الاختفاء القسري في أراضيها.

 

قانون طال انتظاره

في نوفمبر 2022 وبعد زيارة دامت 12 يوماً دعت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري (CED) العراق إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإدراج الاختفاء القسري كجريمة مستقلة في التشريع الوطني، مشددة على أنه "لا يمكن تأجيل العملية أكثر من ذلك".

وقالت كارمن روزا فيلا كوينتانا، رئيسة اللجنة "إن عدم وجود تعريف صريح للاختفاء القسري في التشريع الوطني كجريمة مستقلة أمر مقلق للغاية".

وأضافت "أن العمل على جريمة غير موجودة في الإطار القانوني الوطني هو وهم، بغض النظر عن الأساليب والأهداف الموضوعة".

وهو ما يؤكد عليه رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية أرشد الصالحي، بالقول إن "العراق يخلو من وجود قانون مصوت عليه داخل البرلمان، يعمل على تطبيق العدالة بشأن الاختفاء القسري".

ويضيف في حديثه إلى "ارفع صوتك" أن أعضاء لجنة حقوق الإنسان قدموا مشروع قانون مكافحة الاختفاء القسري في العام 2019 وأنجزت القراءة الأولى له". إلا أن الحكومة العراقية آنذاك "أوقفت القانون باعتبار أن مشاريع القوانين يجب أن تأتي من الحكومة وليس من اللجان البرلمانية".

استمرت المناقشات بشأن قانون مكافحة الاختفاء القسري نحو أربعة أعوام، قبل أن تعلن الحكومة العراقية انجاز مشروع القانون وتحيله إلى البرلمان في يوليو العام الحالي.

وحتى كتابة هذا التقرير لم تصل مسودة المشروع إلى البرلمان ولم تتمكن لجنة حقوق الإنسان من الاطلاع على تفاصيله.

ثلاث حقبات للاختفاء القصري بين 1968 و2023

تركيز اللجنة، في حال وصول القانون إلى البرلمان، سينصب، بحسب الصالحي على "اعطاء كل ذي حق حقه". حيث سيتم تقسيم القانون "على شكل فترات تتناسب مع الحقب التي حصلت فيها جرائم الاختفاء القسري في العراق". وتبدأ الفترة الأولى "من العام 1968 لغاية العام 2003 أي فترة حكم حزب البعث، ثم من 2003 وحتى العام 2014، ثم الفترة الأخيرة من ظهور داعش حتى الوقت الحالي".

ويبين الصالحي أن العراق "يفتقر حتى الآن إلى قاعدة بيانات ومعلومات كافية عن الاختفاء القسري، وهذا الموضوع تتم مناقشته مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الاممية بهدف توفير قواعد بيانات للموضوع ".

كما ستهتم اللجنة في عملها على "وضع تعريفات محددة لتحديد من هو المختفي ومن هو المفقود ومن الذي تم اعتقاله ومحيت آثاره". كما أن تلك التعريفات "ستشمل الجهات التي اقترفت الجرائم بداية من العام 1968 ونظام البعث مروراً بحقبة ما بعد 2003 وصولاً إلى فترة داعش وحتى الوقت الحالي".

يعود السبب في ذلك إلى "طول الفترة الزمنية التي جرت فيها عمليات الاختفاء القسري وتنوع الجهات التي قامت بها، لنصل الى نتائج ترضي الكتل السياسية وترضي الجميع ".

كما ستقوم اللجنة، دائماً بحسب الصالحي، بـ"مناقشة القانون مع مجلس القضاء الأعلى، للوقوف على العقوبات التي سيفرضها القضاء ضد من يرتكب جريمة الاختفاء القسري"، خصوصاً مع وجود "شكاوى تم تقديمها من ذوي المختفين قسرياً إلى القضاء تتمثل في فئة تتهم جهات معينة من القوات الأمنية باخفاء ابنائها، كما أن هناك من يقدم الشكوى دون اتهام جهة محددة، أو حالات لأشخاص اختفوا ولم تقدم عائلاتهم أية شكاوى".

"بتهم الماسونية وتنظيم الحفلات الماجنة".. الاختفاء القسري مستمر في العراق
إن الاختفاء القسري ظاهرة شائعة جدا في العراق، مشيرة إلى أنها جريمة خطيرة جدا بموجب القانون الدولي.

وأضافت أنها وثقت عشرات الحالات للاختفاء القسري منهم أطفال عمرهم 9 سنوات، ورجل عمره 70 عاما، لكن أغلب الحالات هي لشباب في الثلاثينيات من عمرهم، وأوضحت أن أغلب هذه الحالات من مناطق العرب السنة والتي كان بعضها يخضع لسيطرة داعش بحجة محاربة الإرهاب

من البعث إلى داعش

وتشير اللجنة الدولية المعنية بحالات الاختفاء القسري في العراق بتقريرها الذي نشر في أبريل من العام الحالي إلى مرور العراق بخمس حقب تاريخية تضمنت موجات كبيرة من الاختفاء القسري. أولها ما بين الأعوام (1968-2003) أي منذ استلام حزب البعث للسلطة في العراق وحتى سقوطه وهي حقبة سابقة على نفاذ الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري العام 2006.

خلال تلك الحقبة تعرّض ما يقارب من 290 ألف شخص للاختفاء القسري، بحسب التقرير، وشمل الاختفاء القصري أغلب فئات الشعب العراقي من الأكراد وأعضاء الحزب الشيوعي وحزب الدعوة، إضافة إلى تغييب آلاف العراقيين خلال الحرب العراقية الإيرانية بدعوى موالاتهم لإيران. كما تم تغييب المعارضين بعد غزو الكويت في تسعينيات القرن الماضي.

الحقبة التي تليها تبدأ من العام 2003 ولغاية ما قبل سيطرة داعش على مناطق واسعة من العراق في العام 2014 التي شهدت تنامي الفصائل المسلحة متسببة باختفاء عشرات الآلاف من الأشخاص. ويشير التقرير إلى تسلم معهد الطب العدلي في بغداد أكثر من عشرين ألف جثة ما بين عاميّ 2006-2007 دون التمكن من التعرف على هويات معظمها.

أما الحقبة الثالثة والتي تتمثل باحتلال داعش لمناطق واسعة من العراق (2014-2017) ومنها محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى ونينوى، وكذلك مناطق من بغداد و (جرف الصخر) في بابل، فقد بدأت فيها مرحلة جديدة من حالات الاختفاء القسري في العراق، وكان ضحاياها من منتسبي الحكومة العراقية والسياسيين ومنتسبي القوات العسكرية والأمنية والأطباء والصحفيين والسجناء وممثلي المكونات الدينية المسيحية الإيزيدية وغيرهم.

 

ضحايا الاحتجاجات

ورافقت الحقبة الرابعة الاحتجاجات الشعبية (2018-2020) والتي بدأت من البصرة بسبب سوء الخدمات الأساسية ونقصها، ثم تصاعدت رافعة شعارات سياسية في نوفمبر 2019 في مدينة بغداد ومدن أخرى.

خلال هذه التظاهرات سقط العديد من المشاركين بين جريح وقتيل وتعرض كثير منهم للاختفاء القسري، سواء من جانب القوات الأمنية أو الفصائل المسلحة (المليشيات). وسجلت بعثة الأمم المتحدة إلى العراق (يونامي) ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مقتل 478 متظاهراً وإصابة 7715 آخرين، في حين بلغ عدد الأشخاص المختفين أكثر من 700 شخص وذلك خلال عامي 2019-2020.

وبحسب تقرير صادر عن المرصد العراقي لحقوق الإنسان في العام 2022 فإن أكثر من ألف عائلة عراقية أبلغت عن مدنيين فقدوا خلال ثمان سنوات، خاصة في الفترة بين عامي 2017- 2022 وهي الفترة التي شهدت سيطرة تنظيم "داعش" على ثلث الأراضي العراقية قبل أن تحررها القوات الأمنية العراقية.

أما الحقبة الخامسة والأخيرة التي تحدث عنها التقرير فهي حقبة ما بعد الاحتجاجات وحتى الوقت الراهن. حيث شهد العراق ما بعد الاحتجاجات في الأعوام (2018-2021) حالات كثيرة للاختفاء القسري ارتكبتها الأجهزة الحكومية بصورة مباشرة، وكان أفرادها يرتدون عادة "زيا رسميا أو شارات للشرطة المحلية أو قوات الأمن"، أو ارتكبتها الفصائل المسلحة بزيها الرسمي.

 كما جرى الإبلاغ عن حالات اختفاء قسري ارتكبتها الفصائل المسلحة (المليشيات) بالتواطؤ مع الأجهزة الحكومية.

وخلال مراقبة ملف الاختفاء القسري، لاحظ المرصد العراقي لحقوق الإنسان في تقريره "أن السلطات العراقية لم تسأل ولو لمرة واحدة قواتها أو تلك الجماعات المسلحة المساندة لها عن مصير الأشخاص الذين اعتقلوا بعشوائية وبمجرد الاشتباه".

كما أن الحكومة "لم تلتقِ بذوي المختفين أو ترسل لجاناً إلى المناطق التي اقتيدوا منها لجمع الشهادات والأدلة التي تكشف عن مصيرهم". ويضيف التقرير: "للأسف كانت الحكومات العراقية تكافئ الجناة بإهمال هذا الملف".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.