كان علي حسن المجيد من أكثر شخصيات النظام البعثي في العراق، التصاقاً بالقتل والمجازر، وقد أدين بمسؤوليته عن مقتل الآلاف، ونُفذ حكم الإعدام به في يناير 2010.
احتل الرقم خمسة على لائحة "أوراق اللعب" (الشدّة) التي أصدرتها الولايات المتحدة لأكثر من 55 مطلوباً من المسؤولين في النظام العراقي السابق، ولُقب بـ"الكيماوي" لدوره الأساسي في قصف مدن كردية بالأسلحة الكيمياوية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي
في أواسط الثمانينيات، تولّى المجيد، وهو ابن عم الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، منصبه كقائد أعلى مطلق الصلاحيات في كردستان، وسمّي في 1987 أميناً عاماً للمكتب الشمالي لحزب البعث.
بحسب حازم صاغية في كتابه "بعث العراق: سلطة صدّام قياماً وحطاماً"، قال عن المجيد: "كان واضحاً منذ البداية، أن مهمته تأديب الأكراد بالطريقة التي يرتئي، وما ارتآه كان رهيباً حقاً".
ويفرد صاغية صفحات من كتابه لسرد بعض من جرائمه: "حتى مغادرته شمال العراق في العام 1989، كتب المجيد لتلك الرقعة أسوأ صفحات تاريخها منذ أن مر بها الإسكندر المقدوني عام 331 ق.م في طريقه إلى الهند، وكانت لمسته الخاصة إدخاله السلاح الكيماوي في تقنيات مكافحة حرب العصابات وأدواتها".
"علي عبد المجيد في قسوته وفي استخدامه للكيماوي الذي كنيّ به، قضى على شيء اسمه القرية الكردية التي شكّلت طويلاً ركيزة لحضارة بكاملها، وكان لوحشيته أن طاولت عشرات آلاف السكان من دون تمييز"، يضيف صاغية.
وأورد مرسوم عسكري وقعه المجيد، يرجع تاريخه إلى 3 يونيو 1987: "يجب على القوات المسلحة قتل كل إنسان أو حيوان يتواجد في تلك المناطق (الكردية)".
كان ذلك ضمن حملة "الأنفال" التي بدأت تمارينها الأولى عام 1987. وسميت بذلك اقتباساً "من عنوان السورة القرآنية الثامنة التي تتحدث عن انتصار 319 مسلماً في معركة بدر، عام 624، على مشركين كانوا أكثر من ثلاثة أضعافهم"، وفق صاغية.
يتابع: "الدلالة الضمنية للاستعارة أن الأكراد مشركون ومطعون في إسلامهم يستحقون كل عقاب ممكن".
ويشير إلى أن المجيد قال للمتعاونين معه من الأكراد إن "في وسعهم سلب القطعان والماشية والنساء والسلاح ما خلا الثقيل منه الذي يعود إليه وحده".
وفي أبريل من العام نفسه، استخدمت الأسلحة الكيمياوية للمرة الأولى في قرية شيخ ويسان في وادي بليسان.
ويقول صاغية، إن المجيد قال لبعض كوادر حزبه، إنه "يملك خطة عسكرية منهجية ضد البشمركة، تقضي بحشرهم في جيب صغير ومهاجمتهم لخمسة عشر يوماً متواصلة بالسلاح الكيماوي".
جاء في الوثيقة كما نقلها بحرفيتها اوفرا بينغيو في كتابه "كرد العراق- بناء دولة داخل دول": "سوف نبدأ بالهجوم في كل مكان... ثم سوف نحاصرهم في جيب ضيق ونهاجمهم بعدها بالأسلحة الكيمياوية. ولن أضربهم بالأسلحة الكيمياوية يوماً واحداً، بل سأستمر في ضربهم بالأسلحة الكيمياوية 15 يوماً... سأقوم بذلك بعون الله. سوف أهزمهم وألاحقهم إلى إيران".
كان انتقام المجيد قاسياً جداً، استناداً إلى وثائق بعثية عثر عليها بعد سقوط النظام قبل عقدين. جاء في إحداها، وفق بينغيو: "أصدر قائد الفيلق الأول بناء على طلب من الرفيق علي حسن المجيد الأوامر بإعدام المدنيين الجرحى.. واستخدام الجرافات لإزالة حي كاني ئاشقان من الوجود، وإعطاء الصلاحيات للشرطة والجيش والقوات الأمنية بالتعامل مع أية تجمعات... وتدمير أي منزل تطلق منه النيران بالدبابات والجرافات".
ولم ينقض شهر واحد "حتى دمر المجيد، أكثر من 700 قرية، مجرباً ما لا يُجرّب من أعمال تعذيب وحفر قبور"، كما ورد في كتاب صاغية
وينقل بينغيو في كتابه شهادات ناجين كرد، تبيّن أن "من بين أحد أهداف حملات الأنفال كان قتل كل الذكور البالغين في سن الخدمة العسكرية الذين تم إلقاء القبض عليهم في ريف كردستان العراق، حيث قتلت منهم فرق الإعدام مئات الآلاف".
أدين المجيد أيضاً بمسؤوليته عن مجزرة حلبجة، التي أسماها الكرد "هيروشيما كردستان"، كما يقول بينغيو، وهي وقعت في 16 مارس 1988، وراح ضحيتها نحو 3200 مدنياً من كل الأعمار بين قتيل وجريح في يوم واحد.
وبحسب تقديرات الأكراد، بلغ مجموع ضحايا الأنفال 182 ألف شخص. يقول صاغية: "اعترف المجيد بقرف وضجر بمئة ألف، معطوفين على تدمير حوالي 80% من مجموع القرى الكردية".
في عام 1995 وجد المجيد نفسه في موقف صعب على الصعيد العائلي، حين قام ابنا أخيه، حسين كامل المجيد وصدام كامل المجيد وهما صهرا صدام حسين، بالهروب إلى الأردن مع أسرتيهما. لكن الروابط العائلية لم تكن ذات أهمية إذا ما كانت تهدّد النظام، ليقوم المجيد بما أسمته الصحف العراقية الرسمية آنذاك "الصولة الجهادية"، بعقاب ابني اخيه على خيانتهما صدام، وتم قتلهما وقتل شقيقه.
اعتقل المجيد في أغسطس 2003 بعد أربعة أشهر فقط من غزو العراق وسقوط بغداد في يد القوات الأميركية، وحكم بأربعة أحكام بالإعدام، بجرائم تتعلق بقتل الآلاف بقصف كيمياوي خلال حملة "الأنفال"، وقتل ما يقدّر بخمسة آلاف شخص في "مجزرة حلبجة"، وقمعه الدموي لما يسمى بـ"الانتفاضة الشعبانية" التي اندلعت في جنوب العراق عام 1991، كما حكم عليه بالإعدام مرة رابعة بعد إدانته بقتل وتشريد آلاف الشيعة في عام 1999.