FILE - In this Jan. 8, 2007 file photo, Saddam Hussein's cousin Ali Hassan al-Majid, known as "Chemical Ali," for his alleged…
علي حسن المجيد الملقّب بـ"علي الكيماوي" في احدى جلسات محاكمته- أرشيفية

كان علي حسن المجيد من أكثر شخصيات النظام البعثي في العراق، التصاقاً بالقتل والمجازر، وقد أدين بمسؤوليته عن مقتل الآلاف، ونُفذ حكم الإعدام به في يناير 2010.

احتل الرقم خمسة على لائحة "أوراق اللعب" (الشدّة) التي أصدرتها الولايات المتحدة لأكثر من 55 مطلوباً من المسؤولين في النظام العراقي السابق، ولُقب بـ"الكيماوي" لدوره الأساسي في قصف مدن كردية بالأسلحة الكيمياوية في نهاية ثمانينيات القرن الماضي

في أواسط الثمانينيات، تولّى المجيد، وهو ابن عم الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، منصبه كقائد أعلى مطلق الصلاحيات في كردستان، وسمّي في 1987 أميناً عاماً للمكتب الشمالي لحزب البعث.

بحسب حازم صاغية في كتابه "بعث العراق: سلطة صدّام قياماً وحطاماً"، قال عن المجيد: "كان واضحاً منذ البداية، أن مهمته تأديب الأكراد بالطريقة التي يرتئي، وما ارتآه كان رهيباً حقاً".

ويفرد صاغية صفحات من كتابه لسرد بعض من جرائمه: "حتى مغادرته شمال العراق في العام 1989، كتب المجيد لتلك الرقعة أسوأ صفحات تاريخها منذ أن مر بها الإسكندر المقدوني عام 331 ق.م في طريقه إلى الهند، وكانت لمسته الخاصة إدخاله السلاح الكيماوي في تقنيات مكافحة حرب العصابات وأدواتها".

"علي عبد المجيد في قسوته وفي استخدامه للكيماوي الذي كنيّ به، قضى على شيء اسمه القرية الكردية التي شكّلت طويلاً ركيزة لحضارة بكاملها، وكان لوحشيته أن طاولت عشرات آلاف السكان من دون تمييز"، يضيف صاغية.

وأورد مرسوم عسكري وقعه المجيد، يرجع تاريخه إلى 3 يونيو 1987: "يجب على القوات المسلحة قتل كل إنسان أو حيوان يتواجد في تلك المناطق (الكردية)".

كان ذلك ضمن حملة "الأنفال" التي بدأت تمارينها الأولى عام 1987. وسميت بذلك اقتباساً "من عنوان السورة القرآنية الثامنة التي تتحدث عن انتصار 319 مسلماً في معركة بدر، عام 624، على مشركين كانوا أكثر من ثلاثة أضعافهم"، وفق صاغية.

يتابع: "الدلالة الضمنية للاستعارة أن الأكراد مشركون ومطعون في إسلامهم يستحقون كل عقاب ممكن".

ويشير إلى أن المجيد قال للمتعاونين معه من الأكراد إن "في وسعهم سلب القطعان والماشية والنساء والسلاح ما خلا الثقيل منه الذي يعود إليه وحده".

وفي أبريل من العام نفسه، استخدمت الأسلحة الكيمياوية للمرة الأولى في قرية شيخ ويسان في وادي بليسان.

ويقول صاغية، إن المجيد قال لبعض كوادر حزبه، إنه "يملك خطة عسكرية منهجية ضد البشمركة، تقضي بحشرهم في جيب صغير ومهاجمتهم لخمسة عشر يوماً متواصلة بالسلاح الكيماوي".

جاء في الوثيقة كما نقلها بحرفيتها اوفرا بينغيو في كتابه "كرد العراق- بناء دولة داخل دول": "سوف نبدأ بالهجوم في كل مكان... ثم سوف نحاصرهم في جيب ضيق ونهاجمهم بعدها بالأسلحة الكيمياوية. ولن أضربهم بالأسلحة الكيمياوية يوماً واحداً، بل سأستمر في ضربهم بالأسلحة الكيمياوية 15 يوماً... سأقوم بذلك بعون الله. سوف أهزمهم وألاحقهم إلى إيران".

كان انتقام المجيد قاسياً جداً، استناداً إلى وثائق بعثية عثر عليها بعد سقوط النظام قبل عقدين. جاء في إحداها، وفق بينغيو: "أصدر قائد الفيلق الأول بناء على طلب من الرفيق علي حسن المجيد الأوامر بإعدام المدنيين الجرحى.. واستخدام الجرافات لإزالة حي كاني ئاشقان من الوجود، وإعطاء الصلاحيات للشرطة والجيش والقوات الأمنية بالتعامل مع أية تجمعات... وتدمير أي منزل تطلق منه النيران بالدبابات والجرافات".

 ولم ينقض شهر واحد "حتى دمر المجيد، أكثر من 700 قرية، مجرباً ما لا يُجرّب من أعمال تعذيب وحفر قبور"، كما ورد في كتاب صاغية

وينقل بينغيو في كتابه شهادات ناجين كرد، تبيّن أن "من بين أحد أهداف حملات الأنفال كان قتل كل الذكور البالغين في سن الخدمة العسكرية الذين تم إلقاء القبض عليهم في ريف كردستان العراق، حيث قتلت منهم فرق الإعدام مئات الآلاف".

أدين المجيد أيضاً بمسؤوليته عن مجزرة حلبجة، التي أسماها الكرد "هيروشيما كردستان"، كما يقول بينغيو، وهي وقعت في 16 مارس 1988، وراح ضحيتها نحو 3200 مدنياً من كل الأعمار بين قتيل وجريح في يوم واحد.

وبحسب تقديرات الأكراد، بلغ مجموع ضحايا الأنفال 182 ألف شخص. يقول صاغية: "اعترف المجيد بقرف وضجر بمئة ألف، معطوفين على تدمير حوالي 80% من مجموع القرى الكردية".

في عام 1995 وجد المجيد نفسه في موقف صعب على الصعيد العائلي، حين قام ابنا أخيه، حسين كامل المجيد وصدام كامل المجيد وهما صهرا صدام حسين، بالهروب إلى الأردن مع أسرتيهما. لكن الروابط العائلية لم تكن ذات أهمية إذا ما كانت تهدّد النظام، ليقوم المجيد بما أسمته الصحف العراقية الرسمية آنذاك "الصولة الجهادية"، بعقاب ابني اخيه على خيانتهما صدام، وتم قتلهما وقتل شقيقه.

اعتقل المجيد في أغسطس 2003 بعد أربعة أشهر فقط من غزو العراق وسقوط بغداد في يد القوات الأميركية، وحكم بأربعة أحكام بالإعدام، بجرائم تتعلق بقتل الآلاف بقصف كيمياوي خلال حملة "الأنفال"، وقتل ما يقدّر بخمسة آلاف شخص في "مجزرة حلبجة"، وقمعه الدموي لما يسمى بـ"الانتفاضة الشعبانية" التي اندلعت في جنوب العراق عام 1991، كما حكم عليه بالإعدام مرة رابعة بعد إدانته بقتل وتشريد آلاف الشيعة في عام 1999.

علي حسن المجيد في إحدى جلسات محاكمته- أرشيف

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.