توفي الشاعر كريم العراقي عن عمر 68 عاماً، بعد صراع استمر سنوات مع مرض السرطان
توفي الشاعر كريم العراقي عن عمر 68 عاماً، بعد صراع استمر سنوات مع مرض السرطان

رحل عن عالمنا الشاعر الكبير كريم العراقي عن عُمرٍ ناهز الـ68 بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان.

ويمتلك سيرة مهنية حافلة بالمجد، إذ ألّف عشرات المسرحيات والقصائد التي غنّاها أكبر نجوم الوطن العربي مثل كاظم الساهر وأصالة وماجد المهندس وصابر الرباعي وسميرة سعيد وغيرهم الكثير.

تُوجت تلك المسيرة بأكثر من تكريم عربي ودولي منها نيله لقب "أفضل أغنية إنسانية"، الذي منحته منظمة "اليونسيف" الأممية عن قصيدته "تذكر"، التي غنّاها كاظم الساهر. كما حصل على جائزة الأمير عبدالله الفيصل لعام 2019.

 

أبرز أعماله 

وُلد كريم عودة (اسمه الحقيقي)، في منطقة الشاكرية بالعاصمة العراقية بغداد عام 1955، ودرس علم النفس وموسيقى الأطفال في معهد المعلمين.

عقب تخرّجه عمل معلماً لعدة سنوات، إلا أن شغفه الرئيسي تعلّق بالشعر والأدب، وهي الهواية التي أظهرها منذ أن كان طالباً في المرحلة الابتدائية يكتب في المجلات العراقية.

استمر في هذا المجال فترة طويلة، نشر خلالها إبداعاته على صفحات مجلات "الشباب" و"الإذاعة والتلفزيون" و"المتفرج" و"الراصد".

قصائد عودة كانت خير معبرٍ عن العراقيين خلال الظروف الصعبة التي عاشوها، فكتب عن الحصار الاقتصادي الذي تعرّضت له بغداد في تسعينيات القرن الماضي، وقصائد حماسية للجيش العراقي خلال حربه مع إيران أشهرها "الشمس شمسي".

بعد الحرب انشغل بكتابة روايات للأطفال ومسرحيات وقصائد غنائية غنّاها عشرات المطربين في جميع أنحاء العالم العربي أبرزهم كاظم الساهر الذي شكّل معه ثنائياً نجاحاً وقدّما للجمهور العربي قرابة 70 أغنية.

 

أيام المرض 

منذ قرابة ثلاث سنوات أصيب كريم العراقي بمرض السرطان، وحظي برعاية محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات الذي أمر بعلاجه داخل مستشفى "كليفلاند" في أبو ظبي. وخضع لأكثر من عملية جراحية وعددٍ من جلسات العلاج الكيميائي، لكن أياً منها لم ينجح في تحسين حالته الصحية.

انتشر المرض في أماكن متفرقة من جسده حتى خسر الرؤية وتساقط شعره، ونال تعاطفاً من جميع مسؤولي العراق الذين حرصوا جميعاً على التواصل معه والشد من أزره.

وقرّرت الحكومة العراقية إصدار طابع بريدي يحمل صورة كريم العراقي، أُرسلت نسخ منه إليه وهو على فراش المرض، ما أسعده كثيراً.

بعدها تلقّى العراقي ضربة موجعة حينما أُبلغ عن إصابة زوجته بنفس المرض، الأمر الذي استدعى نقلها إلى مستشفى آخر للعلاج به.

خلال جلسات العلاج الكيميائي، انتهى من سيناريو الجزء الأول لفيلم "أنا ابن جلجاميش" الذي كان بالأصل مسرحية غنائية سيقوم ببطولتها كاظم الساهر، إلا أن صعوبات حالت دون تحقيق هذا المشروع منذ سنوات طويلة، فقرّر تحويلها إلى عمل سينمائي.

حتى اللحظة الأخيرة لم ينقطع كريم العراقي عن كتابة الشعر، وخلال فترة رقوده في المستشفى ألّف 55 قصيدة، أطلق عليها اسم "على سرير الأمل".

وقال "صبري أقوى من مرارتها" في تعبيره إلى أنه أقوى من الحقن الكيميائية التي يُعالجه بها الأطباء، وكتب "الصبر يعرف من أنا منذ الصبا/ وشمٌ له في أضلعي منحوت".

خلّفت هذه التجربة المؤلمة في نفس كريم العراقي نُضجاً كبيراً دفعه لمراجعة بعض قصائده القديمة والإعراب عن رغبته في تغيير بعض كلماتها.

تلك الأيام من حياته لم يجد معبراً عنها خيرا من اقتباس سطر من "ملحمة جلجاميش"، يذكر "أنتَ الذي رأيتَ كل شيء"، وهو ما أسقطه على نفسه "نعم، أنا الذي رأيت كل شيء".  

"ينبض شعرا"

كما هو متوقع أثارت وفاة كريم العراقي الاهتمام والتعاطف من جميع مكوّنات الشعب العراقي، والكثير من مواطني الدول العربية، وأعرب جميعهم خصوصا في مواقع التواصل، عن حزنهم لرحيله.

كتب كاظم الساهر عبر صفحته الرسمية على "إنستغرام": "الصديق ورفيق الدرب الأستاذ كريم العراقي في ذمة الله".

 

وكتب الشاعر العراقي عبدالرزاق الربيعي: "بعد أكثر من 90 جرعة كيماوي وما يزيد عن 25 عملية جراحية، فعلها (أبو ضفاف) وانتقل للضفة الأخرى.. تغمدك الله بواسع رحمته".

من جانبه حرص الفنان نصير شمة على توديع صديقه الحميم كاتباً: "كان ينبض شعرا وكلماته كانت مرسومة بقلبه وعاطفته وحكمته. امتلك موهبة فريدة استطاع من خلالها ملامسة القلوب والعقول وإلهام الآخرين، بصمته الإبداعية نستطيع ان نراها في كثير من الشعر".

فيما نعاه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قائلاً: "بهذا الفقد يكون الوسط الثقافي والساحة الفنية العراقية، خسرت شاعراً معطاءً ترك أثراً مهماً في ذاكرة العراقيين الفنية"، موجهاً بتسريع إجراءات نقل جثمان الفقيد من الإمارات تمهيداً لدفنه في العراق.

أيضاً حرص مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان على  الإعراب عن "خالص التعازي والمواساة إلى أسرة الفقيد وأصدقائه ومحبيه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.