Visitors in front of Ishtar Gate of Babylon at Pergamon Museum in Berlin, Tuesday, April 4, 2023. A new light and sound…
بوابة عشتار في متحف بيرغامون في العاصمة الألمانية برلين

عرف العراق القديم العديد من الحضارات الإنسانية الراقية. قدمت تلك الحضارات الكثير من المنجزات المهمة. كما خلفت ورائها مئات الآلاف من القطع الآثارية المتفاوتة في الشكل والحجم. كيف تكونت تلك الثروة الأثرية في بلاد الرافدين؟ وكيف نُهب جزء كبير من تلك الثروة في القرون الماضية؟ وما هي المحاولات التي بذلتها الحكومة العراقية للحد من نهب واستنزاف ثروتها الأثرية؟

 

آثار العراق

تكونت الثروة الأثرية العراقية من خلال تعاقب العديد من الحضارات الكبرى. كانت الحضارة السومرية هي أولى تلك الحضارات. ظهر السومريون في الجزء الجنوبي من بلاد ما بين النهرين بدءاً من منتصف الألف الخامس قبل الميلاد. وبنوا العديد من المدن المتطورة في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات في جنوب العراق. من أشهر تلك المدن كل من كيش، وأوروك، وأور، ولجش، وإيسن.

بعدها، ظهرت الحضارة البابلية العريقة التي قدمت للعالم قوانين حمورابي الشهيرة في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. ثم ظهرت الحضارة الأشورية في شمالي العراق. وتمكنت من بسط نفوذها على مساحات واسعة من العالم القديم لقرون عدة، قبل أن يستعيد البابليون قوتهم مرة أخرى في القرن السادس قبل الميلاد. كان ذلك في عهد الملك الشهير نبوخذ نصر الثاني الذي ذاع صيته بسبب كل من مشاريعه العمرانية ومغامراته الحربية.

تركت كل حضارة من تلك الحضارات مئات الآلاف من الآثار. والتي عبرت عن ثقافتها وقوانينها وأفكارها في مجالات الأخلاق والحكم والدين. بشكل عام، يتواجد حالياً ما يزيد عن 20 ألف موقع أثري من تلك الحضارة موزعين في شتى جنبات بلاد الرافدين. كما يضم العراق 6 مواقع أثرية معلَنة على لائحة التراث الثقافي العالمي وهي قلعة أربيل والحضر وبوابة أشور وملوية سامراء وآثار بابل.

يعود تاريخ إنشاء المتحف العراقي إلى العام 1923.
مائة عام على تأسيس المتحف العراقي.. "البحث عن مساحة"
تحل هذا الأيام الذكرى الـ 100 على تأسيس المتحف العراقي، الذي يعود تاريخ إنشائة إلى العام 1923، حين افتتح داخل غرفة لا تتجاوز مساحتها 27 متراً مربعاً. وهي الغرفة التي شكلت النواة الأوّلى لعمليات التحديث المستمرة، وصولاً إلى المتحف الحالي الذي يعد من أهم المتاحف العالمية نظراً لما يحتويه من قطع فريدة تُمثل حضارات العراق المتعاقبة.

كيف نُهبت الآثار العراقية؟

تعرضت العديد من المواقع الآثارية العراقية للنهب والسرقة في القرون الماضية. يشرح أستاذ الفن والآثار القديمة في الجامعة المستنصرية، الدكتور محمد العبيدي كيفية وقوع هذا الأمر. فيقول إن "البعثات الأجنبية كانت تعمل بحرية كاملة في التنقيب في شتى مناطق العراق، لذلك استطاعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا الاستحواذ على الكنوز الأثرية العراقية. وكان يتم نقلها إلى البلاد الأوروبية من خلال السفن بسهولة ويسر".

في هذا السياق، نُهبت العديد من القطع الأثرية العراقية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وحُملت إلى عواصم الدول الأوروبية. كان العثمانيون في تلك الفترة يحكمون العراق. وكانت علاقتهم الدبلوماسية الممتازة مع ألمانيا سبباً في السماح بإطلاق يد علماء الأثار الألمان -تحديداً- في استكشاف أطلال بابل القديمة. على سبيل المثال، في سنة 1902م قامت بعثة أثرية ألمانية بالعثور على بوابة عشتار التي بناها العاهل البابلي نبوخذ نصر في منتصف الألف الأول قبل الميلاد. قام الألمان بتفكيك البوابة قطعة قطعة. وقاموا بترقيمها ثم جمعوها ووضعوها في صناديق وأرسلوها إلى ألمانيا. فيما بعد، قام علماء الآثار الألمان بإعادة نصب البوابة. وعرضوها في متحف بيرغامون ببرلين. أما الحكومة العراقية فقد أكتفت ببناء مجسم مقلد لتلك البوابة إبان حكم الرئيس الأسبق صدام حسين.

زاد الاهتمام بالآثار -نسبياً- في الحقبة الملكية التي شهدها العراق في الربع الأول من القرن العشرين. وفي سنة 1923م خطى العراق خطوة مهمة في سبيل الحفاظ على آثاره. تم هذا عندما قامت عالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل بجمع العديد من القطع الاثرية في مكان واحد، وهو المتحف الوطني العراقي ببغداد.

لم تمنع تلك الخطوة من تهريب العديد من القطع الآثارية خارج حدود بلاد الرافدين. حتى منتصف سبعينيات القرن العشرين كان العراق من بين عدد قليل من الدول التي لم تحظر التجارة الخارجية في الآثار. سمح ذلك بتحول العراق إلى سوق مفتوحة لجميع تجار الآثار القادمين من جميع أنحاء العالم.

من جهة أخرى، ألقت الأوضاع السياسية المضطربة في العراق بظلالها القاتمة على المواقع الآثارية في بلاد الرافدين. نُهبت العديد من تلك المواقع خلال حربي الخليج الأولى 1980- 1988م، وحرب الخليج الثانية 1990- 1991م. كذلك تعرضت الآثار العراقية لكارثة كبرى في سنة 2003م، أثناء الحرب بين نظام صدام حسين والجيش الأميركي. في العاشر من إبريل من تلك السنة، اُقتحم المتحف الوطني العراقي في بغداد من قِبل مجموعة من اللصوص. على مدار يومين، تم الاستيلاء على ما يقرب من 15 ألف قطعة أثرية من المتحف. اُعتبرت تلك الواقعة بحسب بعض المتخصصين "واحدة من أسوأ أعمال التخريب الثقافي في العصور الحديثة". وقتها، أعلن فريق خبراء تابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" أن عمليات نهب المواقع الأثرية والثقافية العراقية استهدفت القطع الثمينة وتركت ما دونها. وهو ما يشير إلى أن تلك العمليات قد خُطط لها بشكل دقيق ومنظم قُبيل تنفيذها.

من جهة أخرى، نُهبت العديد من المواقع الأثرية العراقية على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في فترة استيلائه على الموصل في الفترة 2014م- 2017م.  على سبيل المثال، ذكرت بعض التقارير أن تنظيم "داعش" نقل القطع الآثارية التي وقعت تحت سيطرته في محافظة نينوى، والتي تضم 1750 موقعاً، إلى سوريا تمهيداً لبيعها لتجار الآثار. في سنة 2016م ذكر سفير روسيا لدى الأمم المتحدة أن الأرباح التي يجنيها التنظيم من هذه التجارة المحظورة بالآثار والكنوز الأثرية تقدر بما بين 150 و200 مليون دولار أميركي كل عام. بما يعني أن الاتجار بالآثار كان المصدر الثاني -بعد النفط- الذي اعتمد عليه تنظيم داعش في تمويل عملياته العسكرية في العراق.

Metal restoration specialist Gert Jendritzki walks through the Babylon's Ishtar Gate as he leaves the Museum of the Ancient…
رمز الأنوثة والحياة والحب: قصة الإلهة العراقية القديمة عشتار
في العصر الحديث، رمزت عشتار إلى عراقة بلاد الرافدين عندما اختيرت النجمة الثمانية -وهي الرمز القديم لعشتار- لتتوسط العلم العراقي في حقبة عبد الكريم قاسم 1959- 1963م. كذلك تُعدّ بوابة عشتار -المحفوظة في متحف "بيرغامون" في العاصمة الألمانية برلين- أحد أعظم الآثار التي تشهد على عظمة البنّائين العراقيين القدماء.

محاولات للاستعادة

ألتفتت الدولة العراقية لضرورة وضع تشريعات صارمة للحد من ظاهرة نهب المواقع الآثارية في نهايات القرن العشرين. بعد طول دراسة، تم اصدار قانون الآثار والتراث رقم (55) لسنة 2001. ورد في المادة الثالثة من القانون "يُمنع مالك الأرض التي يوجد فيها الأثر والتراث والموقع التاريخي من التصرف المادي بها أو اجراء الحفر فيها أو تخريبها أو تغيير معالمها...". كما حددت المادة 38 من القانون عقوبة كل من لديه قطع أثرية ولم يسلمها للدولة خلال 30 يوماً بالسجن 10 سنوات والتعويض بضعفي القيمة المقدرة للآثار.

من جهة أخرى، بذلت الحكومات العراقية في السنوات الأخيرة جهوداً مضنية في سبيل استعادة آثارها المنهوبة. بدأت تلك الجهود في إبريل سنة 2013م عندما أجرت وزارة السياحة والآثار العراقية العديد من المفاوضات مع السلطات الألمانية بغية استعادة بوابة عشتار. لم تسفر تلك المفاوضات عن أي تقدم وتوقفت بعد عدة شهور. ولكنها فتحت الباب واسعاً أمام إجراء المزيد من المحادثات الدبلوماسية مع الجهات الأجنبية فيما بعد.

على سبيل المثال في يوليو 2021م، استعاد العراق 17 ألف قطعة أثرية من الولايات المتحدة الأمريكية. حُملت تلك القطع على متن نفس الطائرة التي أقلت رئيس الوزراء العراقي الأسبق مصطفى الكاظمي من واشنطن إلى بغداد، بعد زيارة رسمية الى واشنطن التقى فيها الرئيس الأميركي جو بايدن. في سبتمبر من السنة نفسها، أعلنت السلطات العراقية عودة "لوح جلجامش" التاريخي الذي يُقدر عمره ب 3500 عام إلى العراق بمساعدة الولايات المتحدة. وجرى تسليم اللوح خلال مؤتمر صحافي مشترك لوزيري الخارجية، والثقافة والسياحة والأثار. وقال وزير الثقافة خلال المؤتمر إن لوح جلجامش "له أهمية كبيرة لأنه من أقدم النصوص الأدبية في تاريخ العراق". كما أعتبر أن استعادة اللوح "رسالة لكل الذين هرّبوا أثارهم وتلاعبوا فيها وباعوها في المزادات العالمية، بان المآل الأخير سيكون استردادها".

تتابعت تلك الجهود في نوفمبر سنة 2021م، عندما كشف وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي عن قيام الولايات المتحدة بإصدار قانوناً يمنع ويجرم الإتجار بالآثار العراقية. وأشاد الوزير العراقي بالدعم الذي تلقته بغداد من وزارتي العدل والخارجية الأميركيتين بمواجهة عمليات التهريب والسرقة للآثار والمقتنيات العراقية.

في العام الحالي، خطت الحكومة العراقية خطوات مهمة في سبيل استعادة آثارها المنهوبة. بعدما  أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية في مايو الماضي أن الجهود الدبلوماسية العراقية نجحت في إعادة أكثر من 34 ألف قطعة أثرية منذ العام 2019م. في الوقت نفسه، أعلنت سفارة العراق في لندن عن الوصول لاتفاق مع الحكومة الإنجليزية لاستعادة  "6000 قطعة اثرية تمت استعارتها لأغراض الدراسة في عام 1923 لتعود إلى بغداد بعد عقود من الزمن". بعدها بشهر واحد، نجح الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد في استعادة لوح حجري عمره 2800 عام يضم نقوشاً مسمارية من إيطاليا. وقال وقتها إنه "سيعمل على استعادة جميع القطع الأثرية المتعلقة بالتاريخ العراقي من الخارج".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

نيجيرفان بارزاني
نيجيرفان بارزاني (أرشيف)

يشارك كبار المسؤولين في حكومة إقليم كردستان العراق، الذين يتعاملون مع أزمة مالية حادة في الداخل، بمؤتمر المناخ "كوب28" التابع للأمم المتحدة، والمنعقد في دبي، على أمل الحصول على دعم دولي كافٍ لمكافحة تغير المناخ في منطقتهم، بسبب "الجفاف الشديد"، وفقا لما ذكر موقع "صوت أميركا" الإخباري.

وسافر رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء مسرور بارزاني، الخميس، إلى دبي للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28". 

وفي حديثه إلى إذاعة صوت أميركا، قال رئيس قسم تغير المناخ في مجلس البيئة الإقليمي الكردستاني، هفال أحمد، إن حكومته "ترغب في مناقشة خططها لمكافحة تغير المناخ"، موضحا أن "التكيف مع المناخ مهم للغاية بالنسبة لإقليم كردستان".

وفي أوائل الشهر الماضي، حذر العلماء في منظمة "المجموعة العالمية لنسب الطقس" (World Weather Attribution Group) من أن الجفاف الذي دام 3 سنوات في العراق، والذي ضرب أيضا مناطق بإيران وسوريا، أصبح أكثر "حدة" بسبب تغير المناخ وتفاقم ظروف الجفاف الطبيعي، مما ينذر بأوضاع إنسانية صعبة.

ووجد العلماء في دراستهم التي صدرت في 8 نوفمبر، أن حالات الجفاف الشديدة ستكون "أكثر شيوعا" في المستقبل بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

وقالت فريدريك أوتو، عالمة المناخ في معهد غرانثام في الكلية الإمبراطورية في لندن، وأحد مؤلفي الدراسة: "إن هذا يلامس بالفعل حدود ما يستطيع بعض الناس التكيف معه".

وبالنسبة للمسؤولين في كردستان العراق، فإن التكيف مع التغيرات "سيتطلب موارد مادية تفوق طاقة الإقليم". 

ولم تتمكن الحكومة الكردية من دفع رواتب موظفيها منذ 3 أشهر، بسبب خلافاتها المالية مع الحكومة المركزية العراقية.

وفي يونيو، عقد نائب رئيس وزراء الإقليم، قباد طالباني، اجتماعاً مع 16 مبعوثاً قنصلياً ودبلوماسياً في إقليم كردستان، لطلب مساعدتهم "قبل فوات الأوان".

وتقول المنظمات البيئية المحلية إن ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في هطول الأمطار، أدت إلى جفاف إمدادات المياه وزيادة الفيضانات القاتلة، وهي قضية تتحدى خطة الحكومة الكردية لتحويل تركيزها من الطاقة إلى الزراعة.

وقال معروف مجيد، رئيس منظمة أيندا (المستقبل) لحماية البيئة في إقليم كردستان، إن تهديدات التغير المناخي على بيئة الإقليم "خطيرة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد".

وأضاف مجيد لإذاعة صوت أميركا خلال مكالمة هاتفية، أن "إقليم كردستان يبلغ عدد سكانه حوالي 6 ملايين نسمة، لكن هناك أكثر من 2,150,000 مركبة خاصة، ووسائل النقل العام سيئة للغاية"، في إشارة إلى تأثير مخلفات تلك الآليات على زيادة نسب التلوث.

وتابع: "حسب بياناتنا، فمن أصل 2.5 مليون فدان من أراضي الغابات، تم تدمير 50 بالمئة منها في السنوات القليلة الماضية".

العراق.. الجفاف يلتهم مهد الحضارات والعمل البيئي يأتي بثمن
بعد 10 سنوات قضاها في المملكة المتحدة عند فراره بسبب الحرب الأهلية في إقليم كردستان، عاد نبيل موسى إلى موطنه العراق ليبقى بالقرب من عائلته. لكن بعد عودته إلى موطنه السليمانية، وجد موسى مدينته مختلفة تماما عن تلك التي تركها قبل الغربة.

واعتبر مجيد أن انخفاض الموارد المائية هو الأكثر إثارة للقلق، مشيراً إلى عاصمة المنطقة أربيل، كمثال.

وزاد: "في معظم أنحاء أربيل، لم يعد الناس يجدون المياه الجوفية، حتى بعد حفر 700 متر تحت الأرض. ومما يثير القلق أيضًا، انخفاض منسوب المياه في نهري الزاب الصغير والزاب الكبير (رافدان لنهر دجلة)، ونهر سيروان، بسبب الجفاف أو احتجازها من قبل البلدان المجاورة"، على حد تعبيره.

ويلقي المسؤولون العراقيون باللوم في تضاؤل تدفق المياه من شمالي البلاد، على العديد من السدود التي بنتها تركيا وإيران. 

ويتدفق مصدرا المياه الرئيسيان في العراق (نهرا دجلة والفرات) من تركيا، مما يضع المياه في قلب العلاقات التركية مع العراق.