تواجه الأراضي الزراعية في العراق مشكلة التجريف، التي تهددها بالزوال وتساهم في اتساع ظاهرة التصحر التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من 5 سنوات، بسبب انعكاسات التغيير المناخي.
وتشير احصائيات صادرة عن دائرة الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة العراقية في نهاية العام الماضي 2022 الى أن مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في العراق "تقدر بأكثر من 29 مليون دونم"، فيما بلغت مساحة الأراضي المتأثرة بالتغييرات المناخية والتصحر والشحّ المائي "مليونان و953 ألف دونم".
وتؤكد وزارة الزراعة العراقية منذ سنوات على اتخاذ العديد من الخطوات للحد من ظاهرة التجاوز على الأراضي الزراعية وتجريفها، وتشير بيانات الوزارة الى تشكيل اللجان الرئيسية في المحافظات والمناطق الفرعية في كل قضاء أو ناحية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتجاوزين ومحاسبة المواطنين الذين يتاجرون بأراضي الدولة لمنع تجريف الأراضي والبساتين، لكن رغم استمرار الإجراءات هذه لم تتوقف عمليات التجريف خلال السنوات الماضية خاصة في مدن جنوب ووسط العراق وحتى في أطراف العاصمة بغداد.
يقول مدير عام دائرة الأراضي الزراعية، علي الشمري، في مقابلة متلفزة مع احدى القنوات المحلية العراقية في 30 أغسطس الماضي، إن "هناك الكثير من المشاكل في القطاع الزراعي، منها مشكلة تجريف الأراضي الزراعية من قبل الموطنين التي تسببت بتأثيرات كبيرة على الإنتاج الزراعي والمناخ وزيادة نسبة التصحر"، مؤكداً على أن وزارة الزراعة ماضية في إجراءاتها لمعالجة تجريف الأراضي الزراعية والتغيير المناخي.
ويحمّل نبيل حسين عامر، شيخ قبيلة حجام الفرات، الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام 2003 مسؤولية استمرار تجريف الأراضي وما يواجه القطاع الزراعي في العراق من مشاكل.
ويشرح عامر لـ"ارفع صوتك" أنه "لا توجد سياسة اقتصادية زراعية حقيقية في البلد، بالتالي المواطن الذي يمتلك اراضي زراعية خاصة أو تكون أراضيه جزء من التصميم الاساس للمدينة، يستغلها للأغراض السكنية أو الصناعية أو التجارية وهو ما يعتبره أفضل واوفر من التوجهات الزراعية، لان الحاصل الزراعي لا يلبي مردوداً اقتصادياً أفضل".

عامر يدعو الحكومة الى الاستفادة من امتياز امتلاك الدولة لثلاثة ارباع الأراضي في البلد، عبر "استغلال حقها القانوني ببناء المدارس والمؤسسات الخدمية على هذه المساحات القريبة من التصميم الأساسي للمدن"، ويتابع عامر: "لكننا نرى أنه لا توجد رؤية أو دراسة خاصة بالمناطق التي تتعرض للتجاوزات".
وتعد المجمعات السكنية العشوائية أحد أبرز التجاوزات التي تعاني منها الأراضي الزراعية القريبة من المدن.
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، في تصريح لوكالة الأنباء العراقية، في 31 يوليو الماضي، إن "عدد العشوائيات بلغ أكثر من 4600 في عموم العراق، منها 1093 مجمعاً عشوائياً في العاصمة بغداد، تليها محافظة البصرة بأكثر من 700 مجمع عشوائي". ويشير الهنداوي الى أن "83 - 87% من المجمعات العشوائية نشأت على أراض مملوكة للدولة، مقابل 13% من العشوائيات أنشأت على الأراضي المملوكة للقطاع الخاص".
الهنداوي يكشف ان عدد المواطنين الذين يسكنون العشوائيات يصل إلى 3 ملايين و600 ألف نسمة، وهذا العدد يمثل نحو 10% من سكان العراق، مؤكداً وجود "خارطة طريق معدة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة، تهدف إلى معالجة وتسوية السكن العشوائي في العراق".
في فبراير من العام 2019 أعلنت وزارة الزراعة العراقية تفعيل وتنفيذ جميع القوانين المتعلقة بمنع تجريف البساتين النافذة بهذا الشأن واستنادا الى القانون رقم 634 لسنة 1981 وقرار مجلس الوزراء رقم 50 لسنة 2016، اضافة الى تشديد الاجراءات من قبل الجهات ذات العلاقة من اجل الحد من عمليات التجريف.
ويؤكد الخبير الزراعي تحسين الموسوي، على أن قانون 634 لسنة 1981 منح رؤساء الوحدات الإدارية صلاحية التعامل مع المساحات الزراعية التي تتعرض للتجريف، بل وحتى التي تستثمر بشكل قانوني ومنها الأراضي الزراعية ذات الملكية الخاصة.
ويضيف الموسوي لـ"ارفع صوتك": "الصلاحية التي منحها القانون لرؤساء الوحدات الإدارية تمثلت بسحب هذه الأرض واعادتها إلى وزارة الزراعة للتتصرف بها وفق القوانين السائدة".
لكنه يشير الى أن القوانين الخاصة بمنع التجريف وتفتيت الأراضي الزراعية لم تفعّل على أرض الواقع.
ويشدد الموسوي على أن "عدم تفعيل هذه القوانين يعود لتقاذف الجميع كرة المسؤولية، خاصة بعد نقل الصلاحيات من وزارة الزراعة إلى المحافظات، وهنا بدأت الوزارة بتحميل المحافظة المسؤولية والمحافظة تحمل الوزارة، وفي الحقيقة يعود الفشل للجهتين، الحكومات المحلية والحكومات المركزية".
وبحسب الموسوي فإن قرار مجلس الوزراء الأخير بخصوص العشوائيات أو التوسع السكاني ومسألة تمليك هذه الأراضي، "يصطدم بتصنيف هذه الأراضي تحت خانة الإصلاح الزراعي، ما لم تتنازل وزارة الزراعة عن ملكيتها إلى وزارة المالية كي تتصرف بها".