نازحة أيزيدية في مخيم شاريا قرب دهوك شمال العراق- تعبيرية
نازحة أيزيدية في مخيم شاريا قرب دهوك شمال العراق- تعبيرية

تشهد مخيمات النازحين العراقيين الأيزيديين في محافظة دهوك بإقليم كردستان (شمالاً)، عودة عكسية لسكانها من سنجار، ولم يمض على عودة بعضهم سوى شهرين.

وتشير حصيلة الإحصائيات التي تنشرها وزارة الهجرة والمهجرين العراقية شهرياً، إلى عودة 2056 نازحا أيزيدياً من مخيمات محافظات دهوك إلى سنجار وأطرافها خلال الفترة الممتدة من يونيو الى سبتمبر 2023، وتؤكد استمرار العودة الطوعية للنازحين الى مناطقهم.

لكن مخيمات النازحين في دهوك تشهد عودة عكسية شبه مستمرة للنازحين، الذين عادوا إلى سنجار بعد مضي أكثر من 9 سنوات من العيش في المخيمات.

من هؤلاء النازحين، التقينا مديحة شنكالي، التي عادت في يونيو الماضي مع عائلتها إلى سنجار، لكنهم لم يتمكنّوا من البقاء طويلاً، واضطرّوا إلى العودة للمخيم الذي تركوه في دهوك. 

"أفضّل حياة النزوح على البقاء في مدينتي" تقول مديحة، موضحة لـ"ارفع صوتك": "مكثنا في سنجار ثلاثة شهور، ثم قررنا الرحيل، بسبب نقص الخدمات الرئيسية وعدم امتلاكنا المال الكافي لدفع الإيجارات، إذ تؤجر البيوت الفارغة بنحو 200 ألف دينار شهرياً، وهذا مبلغ كبير بالنسبة للعائلة النازحة التي لا تمتلك المال الكافي لتأمين القوت اليومي، فضلا عن البطالة، حيث لا توجد أي فرص عمل في سنجار حاليا".

"بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية الهشة والمخاوف من تردي الوضع بسبب تعدد القوى الماسكة للأرض"، تتابع مديحة، مشيرة إلى أن عائلتها "لم تفقد الأمل وتنتظر تحسّن الأوضاع كي تعود مجدداً إلى سنجار.

وفق إحصائيات رسمية، لا يزال هناك أكثر من 300 ألف نازح أيزيدي، يقطن أغلبهم 16 مخيما في محافظة دهوك، والبقية تتوزع في مدن المحافظة.

يتفق الناشط الإعلامي، فيصل علي، مع مديحة حول السبب الرئيسي للعودة العكسية المتمثل بنقص الخدمات الرئيسية في سنجار وأطرافها، مبيناً: "الخدمات الصحية واحدة من الخدمات الرئيسية، وفي هذا المجال تعاني سنجار من قلة الكوادر الطبية والأدوية والمستلزمات الطبية".

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "سنجار تفتقر لكل مقومات العيش، بدءا من الخدمات الإدارية إلى الصحية، وكذلك القطاع التربوي يعاني هو الآخر من نقص المدارس".

ويؤكد فيصل، الذي يعيش مع عائلته منذ 2014 في مخيم "جمشكو" بقضاء زاخو، إن مخيمه شهد خلال الأسابيع الماضية عودة 20 عائلة، أغلب أفرادها تحدثوا عن صعوبة العيش في سنجار.

من جانبه، يقول مدير دائرة الهجرة والمهجرين ومكتب الاستجابة للأزمات في محافظة دهوك، ديان جعفر، لـ"ارفع صوتك"، إن "حالات العودة العكسية موجودة منذ ثلاث سنوات تقريبا، إذ تجاوز عدد العوائل العائدة بشكل عكسي 713 عائلة."

ويوضح أن "لجنة خاصة تُجري مقابلة كل يوم أربعاء مع عوائل العودة العكسية، لمناقشة أسباب، وأين يريدون الذهاب عند استكمال آليات تسجيلهم، وإرسالهم بكتاب رسمي إلى المخيم أو المنطقة التي يودون العيش فيه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.