صورة أرشيفية للاجئة كردية مع طفلها داخل مخيم مخمور للاجئين شمال العراق- ا ف ب
صورة أرشيفية للاجئة كردية مع طفلها داخل مخيم مخمور للاجئين شمال العراق- ا ف ب

يخيم الهدوء الحذر بعد اشتباكات بين الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية قرب مخيم مخمور المثير للجدل، الذي يأوي لاجئين أتراك ويضم عوائل ينتمي أفرادها إلى حزب العمال الكردستاني.

تم إنشاء المخيم من قبل الأمم المتحدة أوائل تسعينيات القرن الماضي لإيواء النازحين من أكراد تركيا، الذين فرّوا من مناطق المواجهة العسكرية الحدودية بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، لخوضه حرباً في تركيا للاستقلال أو الحصول على حكم ذاتي منذ ثمانينيات القرن الماضي، راح ضحيتها 40 ألف شخص.

ويصنف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، حزب العمال، كجماعة إرهابية. 

ويقع مخيم مخمور ضمن الحدود الإدارية لقضاء مخمور في محافظة نينوى، وهو من المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كردستان، وله أهمية سياسية وأمنية لموقعه الجغرافي، إذ يبعد عن الموصل 150 كم، وعن أربيل 70 كم، وعن الحدود التركية 180 كم.

لم تعترف الحكومات العراقية المتعاقبة بالمخيم رسمياً حتى عام 2011 عندما كان نوري المالكي وقتها رئيساً للوزراء، وأصبح المخيم يتبع سلطة الأمم المتحدة وتم قبول سكانه كلاجئين في العراق وأصدرت هويات لقاطنيه منتصف عام 2019. 

بموجب تلك الهويات، حصل سكان مخمور على حق التجول في العراق بكامل الحرية، وتحول المخيم بمرور الوقت إلى منطقة سكنية مبنية بالإسمنت تأوي نحو 2600 عائلة.

 

بين بغداد وأنقرة

منذ سنوات، تحذر تركيا من استغلال حزب العمال الكردستاني مخيم مخمور لتجنيد وتدريب عناصر جديدة، ومن استخدام الأراضي العراقية كقاعدة لتنفيذ عمليات مسلحة ضدها، وبشكل خاص بعد تعزيز الحزب لوجوده عقب احتلال تنظيم داعش مناطق واسعة من العراق وانسحاب البيشمركة من مناطق عديدة، ما اضطر الحزب إلى النزول من جبل قنديل معقله التقليدي، وتولي مسؤولية إنقاذ الأيزيديين عبر نقلهم إلى سوريا وإعادتهم مرة أحرى عبر الحدود إلى العراق.

وكانت تركيا كثفت هجماتها بالطائرات على مخيم مخمور وأوقعت العديد من الضحايا بين المدنيين والمنتمين للحزب، منذ 2019. وفي 2021 صعدت أنقرة على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان من خطابها ضد سكان المخيم عندما وصفه في لقاء تلفزيوني، بأنه "منشأ الإرهابيين لمنطقة قنديل".

كما هدد أردوغان في حينه، بتنفيذ عمليات عسكرية واسعة تستهدف المخيم والمنطقة المحيطة به، وقال "أبلغنا الجانب العراقي إذا كنتم تريدون تطهير المنطقة من الإرهابيين فسنترك الأمر لكم، لكن إن لم تقوموا بهذه المهمة سوف نقوم نحن بها، سندخل ونضرب هناك".

هذه التصريحات، تُرجمت إلى هجمات قاسية بالطائرات على المنطقة، بينما اكتفت بغداد بإدانتها باعتبارها "خرقاً للسيادة العراقية"، دون التمكن من إيقافها.

 

تصاعد الأزمة

بدأت الأوضاع الأمنية بالتصاعد في مايو الماضي، عندما قررت الحكومة العراقية فرض سيطرتها على مخيم مخمور عبر  إرسال قوات من الجيش والشرطة والمباشرة بحفر خندق حوله، بغية تحديد مناطق الدخول والخروج، إضافة لنصب كاميرات مراقبة.

وفي حين اتهم سكان المخيم الحكومة العراقية بالخضوع للإرادة التركية ومحاصرتهم، نفت القوات الاتحادية ذلك عبر بيان لخلية الإعلام الأمني، مبينةً أن سبب هذه الإجراءات "تأمين سلامة اللاجئين من التصرفات غير القانونية التي يقوم بها بعضهم لزعزعة استقرار السِلم، التي تضر بعلاقة العراق بمحيطه الإقليمي".

وأكدت أن "دستور جمهورية العراق وإستراتيجية الحكومة الحالية وفق برنامجها الحكومي، متوافقان في إطار توفير الحماية الكاملة والدعم المطلوب إلى كل اللاجئين السلميين على الأراضي العراقية، ولا تسمح الحكومة بأن يكون العراق منطلقا لعمليات الاعتداء على دول الجوار أو القيام بأعمال عدائية ضد أي دولة في العالم".

في بالمقابل، أنكر حزب العمال الكردستاني في تصريحات صحافية وجود أي من عناصره داخل المخيم، مبيناً أن من يتواجد فيه "هم عوائل مدنية من النساء والأطفال كلاجئين من أكراد تركيا منذ تسعينيات القرن المنصرم".

بالنتيجة، تصادم سكان المخيم مع القوات الأمنية باستخدام العصيّ والحجارة، وأصيب أربعة ضباط بجروح قبل أن تستقر القوات الأمنية حول المخيم، ويسود الهدوء الحذر داخله.

 

انسحاب

وفي شهر أكتوبر الحالي، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على تلك التوترات الأمنية في مخيم مخمور، صرحت القيادة المركزية لحماية الشعب (الجناح العسكري لحزب العمال)، في بيان، بأنها أصدرت أمراً بسحب جميع عناصرها المسلحة من مخيم مخمور للاجئين ونقلهم إلى جبال قنديل ومناطق أخرى في إقليم كردستان.

وقال إن هذا الانسحاب "يأتي بعد انتهاء خطر تنظيم داعش، حيث تم نقل عدد من مقاتلي الحزب إلى المخيم في عام 2014 بهدف محاربة عناصر داعش".

وعلي خلفية الانسحاب، اشتبكت القوات الأمنية العراقية مع قوة تابعة للبيشمركة الكردية هذه المرة، ما أدى لوقوع ثلاثة قتلى وإصابة سبعة آخرين من الطرفين، بحسب بيان لوزارة الدفاع العراقية أعلنت فيه عن "تشكيل لجنة عالية المستوى للتحقيق في ملابسات الحادث ومعرفة حيثياته".

من جهتها، أصدرت وزارة البيشمركة بياناً أعربت فيه عن "أسفها للحادث"، مؤكدةً على "التزامها بالعمل مع الحكومة الاتحادية من أجل حل جذري وعادل، ودعمها لما جاء في بيان وزارة الدفاع لإجراء تحقيق سريع وشفاف في الحادث".

في الوقت نفسه، كشفت برقية رسمية عسكرية تم تسريبها لوسائل الإعلام عن تفاصيل الاشتباك، ذكرت أن "مشكلة حصلت بين الجيش العراقي (الفرقة 14) وقوات البيشمركة، حول أحقية مسك ثلاث نقاط عسكرية موجودة في قمة جبل قره جوغ على الجهة المطلة على مخيم مخمور للاجئين الأتراك".

وأضافت البرقية أن "إطلاق النار توقف بين الطرفين بشكل مؤقت لكن حالة التوتر لا تزال موجودة".

 

دور وزارة الهجرة 

بحسب الناطق باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس، فإن موضوع تولي السيطرة الأمنية في مخيم مخمور "تم حسمه وأصبح الأمن من مسؤولية قطعات الجيش العراقي".

يوضح لـ"ارفع صوتك": "هناك إجراءات اتخذت في سبيل السيطرة على مداخل ومخارج المخيم، وتم تأسيس مركز للشرطة، وتمكنت كوادر وزارة الهجرة والمهجرين من الدخول إلى المخيم".

"كما أجرت جرداً للعوائل المتواجدة داخل المخيم، التي بلغ عددها 2600 عائلة. وإدارة المخيم أصبحت الآن من مسؤوليات وزارة الهجرة ومنظمة الهجرة الدولية"، يؤكد عباس.

ويتابع أن المخيم في السابق "لم يكن تحت إدارة الوزارة"، بسبب "الجدل حول تحديد ما إذا يمكن احتساب سكان المخيم كلاجئين أم لا،  لأن أغلب سكانه من الكرد الأتراك، وقسم منهم كانوا ينتمون إلى فصيل مختلف على تصنيفه من الجانب التركي والعراقي والدولي وهو حزب العمال الكردستاني".

ويشرح عباس: "قبل أحداث 2014 كانت المنطقة تحت مسؤولية حكومة الإقليم، وبعد داعش ثم سيطرة القوات الاتحادية بقي المخيم يترنح بالانتماء والسيطرة عليه، وكانت مهمة توفير الأمن للمخيم لجماعة من نفس ساكني المخيم أي أنها إدارة ذاتية".

ويختم حديثه قائلاً: "تم حسم الموقف واستلمت القطعات العراقية النقطة الأمنية على الجبل والمشرفة على المخيم، وهو دليل على أن الحماية الأمنية تقع على عاتق قطعات الجيش العراقي حالياً".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

نيجيرفان بارزاني
نيجيرفان بارزاني (أرشيف)

يشارك كبار المسؤولين في حكومة إقليم كردستان العراق، الذين يتعاملون مع أزمة مالية حادة في الداخل، بمؤتمر المناخ "كوب28" التابع للأمم المتحدة، والمنعقد في دبي، على أمل الحصول على دعم دولي كافٍ لمكافحة تغير المناخ في منطقتهم، بسبب "الجفاف الشديد"، وفقا لما ذكر موقع "صوت أميركا" الإخباري.

وسافر رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، ورئيس الوزراء مسرور بارزاني، الخميس، إلى دبي للمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "كوب 28". 

وفي حديثه إلى إذاعة صوت أميركا، قال رئيس قسم تغير المناخ في مجلس البيئة الإقليمي الكردستاني، هفال أحمد، إن حكومته "ترغب في مناقشة خططها لمكافحة تغير المناخ"، موضحا أن "التكيف مع المناخ مهم للغاية بالنسبة لإقليم كردستان".

وفي أوائل الشهر الماضي، حذر العلماء في منظمة "المجموعة العالمية لنسب الطقس" (World Weather Attribution Group) من أن الجفاف الذي دام 3 سنوات في العراق، والذي ضرب أيضا مناطق بإيران وسوريا، أصبح أكثر "حدة" بسبب تغير المناخ وتفاقم ظروف الجفاف الطبيعي، مما ينذر بأوضاع إنسانية صعبة.

ووجد العلماء في دراستهم التي صدرت في 8 نوفمبر، أن حالات الجفاف الشديدة ستكون "أكثر شيوعا" في المستقبل بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

وقالت فريدريك أوتو، عالمة المناخ في معهد غرانثام في الكلية الإمبراطورية في لندن، وأحد مؤلفي الدراسة: "إن هذا يلامس بالفعل حدود ما يستطيع بعض الناس التكيف معه".

وبالنسبة للمسؤولين في كردستان العراق، فإن التكيف مع التغيرات "سيتطلب موارد مادية تفوق طاقة الإقليم". 

ولم تتمكن الحكومة الكردية من دفع رواتب موظفيها منذ 3 أشهر، بسبب خلافاتها المالية مع الحكومة المركزية العراقية.

وفي يونيو، عقد نائب رئيس وزراء الإقليم، قباد طالباني، اجتماعاً مع 16 مبعوثاً قنصلياً ودبلوماسياً في إقليم كردستان، لطلب مساعدتهم "قبل فوات الأوان".

وتقول المنظمات البيئية المحلية إن ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في هطول الأمطار، أدت إلى جفاف إمدادات المياه وزيادة الفيضانات القاتلة، وهي قضية تتحدى خطة الحكومة الكردية لتحويل تركيزها من الطاقة إلى الزراعة.

وقال معروف مجيد، رئيس منظمة أيندا (المستقبل) لحماية البيئة في إقليم كردستان، إن تهديدات التغير المناخي على بيئة الإقليم "خطيرة ويجب أن تؤخذ على محمل الجد".

وأضاف مجيد لإذاعة صوت أميركا خلال مكالمة هاتفية، أن "إقليم كردستان يبلغ عدد سكانه حوالي 6 ملايين نسمة، لكن هناك أكثر من 2,150,000 مركبة خاصة، ووسائل النقل العام سيئة للغاية"، في إشارة إلى تأثير مخلفات تلك الآليات على زيادة نسب التلوث.

وتابع: "حسب بياناتنا، فمن أصل 2.5 مليون فدان من أراضي الغابات، تم تدمير 50 بالمئة منها في السنوات القليلة الماضية".

العراق.. الجفاف يلتهم مهد الحضارات والعمل البيئي يأتي بثمن
بعد 10 سنوات قضاها في المملكة المتحدة عند فراره بسبب الحرب الأهلية في إقليم كردستان، عاد نبيل موسى إلى موطنه العراق ليبقى بالقرب من عائلته. لكن بعد عودته إلى موطنه السليمانية، وجد موسى مدينته مختلفة تماما عن تلك التي تركها قبل الغربة.

واعتبر مجيد أن انخفاض الموارد المائية هو الأكثر إثارة للقلق، مشيراً إلى عاصمة المنطقة أربيل، كمثال.

وزاد: "في معظم أنحاء أربيل، لم يعد الناس يجدون المياه الجوفية، حتى بعد حفر 700 متر تحت الأرض. ومما يثير القلق أيضًا، انخفاض منسوب المياه في نهري الزاب الصغير والزاب الكبير (رافدان لنهر دجلة)، ونهر سيروان، بسبب الجفاف أو احتجازها من قبل البلدان المجاورة"، على حد تعبيره.

ويلقي المسؤولون العراقيون باللوم في تضاؤل تدفق المياه من شمالي البلاد، على العديد من السدود التي بنتها تركيا وإيران. 

ويتدفق مصدرا المياه الرئيسيان في العراق (نهرا دجلة والفرات) من تركيا، مما يضع المياه في قلب العلاقات التركية مع العراق.