منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة "حماس" في قطاع غزة، يجري تداول سيناريوهات عن احتمال "تدخّل عراقي" عبر مجموعات تابعة للحشد الشعبي وميليشيات أخرى مقرّبة من إيران، في الحرب ضد إسرائيل في حال توسّعها.
وشهد العراق بالفعل عمليات استهداف للقوات الأميركية، وقوات التحالف، في سوريا والعراق على يد مجموعة تطلق على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"، على خلفية حرب غزة. وقال البنتاغون إن هذه المجموعات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
فهل يمكن للفصائل العراقية أن تتورط في حرب إقليمية ضد إسرائيل ضمن مفهوم "وحدة الساحات" الذي تتحدث عنه إيران ويشمل فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن؟ وماذا يقول تاريخ العلاقات بين العراق وإسرائيل عن المواجهات العسكرية بين البلدين؟
مواجهات ساخنة
منذ إعلان قيام دولة إسرائيل في العام 1948، سارع العراق إلى القطيعة معها وشارك الجيش العراقي في معارك ضد اسرائيل، وخاض جنوده اشتباكات شرسة في مدينة جنين.
في العقود اللاحقة، تعرَّض اليهود العراقيون لضغوط من قِبَل حكومتهم وذلك عبر صدور قانون في العام 1950 هدفه الدفع بهم إلى "أن يتخلوا عن جنسيتهم شريطة أن يغادروا إلى الأبد". وبالفعل، لجأ غالبية الكثير من اليهود العراقيين إلى إسرائيل فيما تشتّت الباقون في مختلف أرجاء العالم.
ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات العراقية الإسرائيلية محطات من المواجهات الساخنة، أبرزها حرب عام 1967 وحرب 1973 التي اندلعت على الجبهتين المصرية والسورية. عن المشاركة في الحرب الأخيرة، يقول الرئيس العراقي السابق صدّام حسين، في مقابلة أجراها معه فؤاد مطر ونشرها في كتاب "صدام حسين: هكذا حالي وأحوال العراق"، إن "الدولة العربية الوحيدة التي قاتلت على جبهتين في حرب تشرين ١٩٧٣ هي العراق".
ويتابع صدّام: "في الوقت الذي كانت الأسراب العراقية تضرب مرابض الصواريخ الاسرائيلية في أول معركة طيران على الجبهة المصرية، تحركت الأسراب العراقية أيضاً عندما قامت الحرب على الجبهة السورية".
وما بين هاتين الحربين، وقع حدث فارق آخر في العلاقات بين العراق وإسرائيل. ففي الرابع من ديسمبر 1968، شنّت الطائرات الإسرائيلية غارة على مواقع عسكرية في الأردن أسفرت عن مصرع 16 جنديا عراقياً، ليقوم النظام البعثي بعهدها، بزعامة الرئيس أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين بالإعلان عن "مؤامرة إمبريالية" في مطلع العام 1969 يقودها 14 "جاسوساً" بينهم تسعة يهود عراقيين. وقام النظام بإعدامهم في ساحة عامة في بغداد.
بحسب حازم صاعية في كتابه "بعث العراق: سلطة صدّام قياماً وحطاماً"، فإن "هذه الضربات الجوية الإسرائيلية ضد المدفعية العراقية في عامي 1968 و1969 ضاعفت من رغبة العراق بالانسحاب من الصراع".
أعمال "كلامية وفارغة"؟
المؤرخ كمال ديب يقول في كتابه "موجز تاريخ العراق" إن "مشاركة العراق في ظلّ البعث في النضال ضد اسرائيل كانت متواضعة مقارنة ببطولات الجيش العراقي السابقة في حروب فلسطين عامي 1948 و1967 عندما كانت الطائرات العراقية هي الوحيدة التي اخترقت الدفاعات الجوية الاسرائيلية".
ويتابع ديب إن الأمور انقلبت رأساً على عقب بعد العام 1970، عندما "ساعد صدّام الملك حسين- حليفه الدائم حتى وفاة الملك- ضد الفلسطينيين في الأردن".
ويلاحظ ديب أن العراق شارك "بشكل جانبي في الجولان في حرب 1973 ثم انسحب". وبعد معاهدة كامب ديفيد بين مصر واسرائيل، "شارك العراق مبدئياً في "جبهة الصمود والتصدي" ثم تركها. ووقّع "ميثاق العمل القومي" مع سوريا عام 1979 ثم أبطله صدام لأنه قد يهدد موقعه في السلطة".
وفي السابع من يونيو 1981، قامت طائرات إسرائيلية بتدمير مفاعلي "تموز" النووين في العراق، بعد أن سعت إسرائيل مراراً إلى "إفشال البرامج العراقية".
ويخلص ديب إلى ان "الكثير من أعمال العراق من أجل العرب والفلسطينيين منذ السبعينات وحتى سقوط البعث"، كانت "كلامية وفارغة وأغلبها للمزايدة بأن العراق أكثر عروبة ووطنية من غيره".
ويتابع ديب: "أصبح الخطاب القومي خشبياً يستعمل كل فترة لمصلحة النظام. فبعد احتلال العراق للكويت أصبح صدام فجأة مهتماً بفلسطين فأطلق بضعة صواريخ سكود باتجاه إسرائيل". وكان هدف هذه الصواريخ بحسب ديب هو "صرف الأنظار عن احتلال صدّام للكويت".
محاولات تطبيع
بعد سقوط نظام صدّام حسين في العام 2003، خرجت من حين إلى آخر أصوات تدعو إلى التطبيع بين العراق وإسرائيل. وجرى تداول أخبار عن زيارة وفود سرية عراقية إلى تل أبيب لهذه الغاية.
وفي العام 2019 أعلن وزير المالية الإسرائيلي موشيه كحلون عن شطب العراق من قائمة "دول العدو" (التي تشمل لبنان وسوريا والسعودية واليمن وإيران)، حيث وقع مرسوماً يجيز التبادل التجاري مع بغداد.
وارتفعت أصوات التطبيع أكثر خصوصاً بعد اتفاقيات "أبراهام" التي أبرمتها إسرائيل مع عدد من الدول العربية. فعقد في العام 2021 مؤتمر في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، دعت خلاله شخصيات عراقية إلى السلام مع إسرائيل، وتعرضت هذه الشخصيات لحملة انتقادات لاذعة من قبل بقية العراقيين الرافضين لهذه الخطوة، فضلاً عن تهديدات بالقتل وصلتها من مجموعات عراقية مسلحّة.
وبدوره، رد العراق الرسمي على هذه الخطوة، من داخل البرلمان مع إصدار قانون بعد أقل من عام بـ"تجريم التطبيع مع إسرائيل".
ورأت وزارة الخارجية الاميركية أن هذا القانون "يعرّض حرية التعبير للخطر ويعزز بيئة معادية للسامية، كما أنه يتناقض بشكل صارخ مع التقدم الذي أحرزه جيران العراق من خلال بناء الجسور مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها".
قبل شهور، في منتصف العام الحالي، أثيرت ضجة عن اختطاف فصيل عراقي لباحثة إسرائيلية روسية في العراق، وأعادت هذه الحادثة النقاش حول العلاقات العراقية الإسرائيلية إلى الواجهة، واتهم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو فصيل "حزب الله العراقي" باحتجاز الباحثة، محملاً بغداد مسؤولية سلامتها.