ينتظر عشرات العراقيين من ضحايا القصف الهولندي على الحي الصناعي في الحويجة عام 2015 الحكم النهائي في القضية المرفوعة ضد الحكومة الهولندية أمام محكمة العدل الدولية، وهي المرة الأولى التي تقام فيها قضية ضد التحالف الدولي لمحاربة داعش في العراق.
وكانت القوات الهولندية شاركت ضمن التحالف بالقصف الجوي المكثف في العراق وسوريا على أهداف يستخدمها التنظيم الإرهابي، أحدها كان موقعاً يستخدم لتفخيخ السيارات وصناعة العبوات الناسفة في الحي الصناعي بالحويجة، ما أدى إلى خلق سلسلة من الانفجارات الثانوية الهائلة.
وهو قصف اعترفت به وزارة الدفاع الهولندية في نوفمبر 2019، في بيان، حين تحدثت عن الانفجارات الثانوية التي رافقت قصف الموقع وأدت إلى ارتفاع عدد القتلى بشكل يفوق التوقعات وسقوط ضحايا من المدنيين.
وقالت وزيرة الدفاع الهولندية، كايسي أولونغرين، إن المعلومات المخابراتية تشير قبل الغارة إلى "عدم وجود مدنيين في المحيط المباشر للهدف".
وتابعت: "كانت أقرب منطقة سكنية للهدف خارج نطاق التدمير. لكن، بعد تنفيذ الهجوم وقعت عدة انفجارات ثانوية فاقت التوقعات المبنية على خبرات سابقة بضرب هذا النوع من الأهداف، مما أدى إلى اتساع نطاق التدمير".
مئات الضحايا دون تعويض
يقول المدير القطري لمنظمة الغد الإنسانية، طوفان الحربي، إن المنظمة "تبنت قضية الضربة الجوية الهولندية وتعمل منذ ثلاث سنوات على جمع المعلومات وبيانات الضحايا. كما قامت بالتعاون مع مكتب محاماة هولندي برفع القضية أمام محكمة العدل الدولية لإنصاف الضحايا وعوائلهم".
ويؤكد الحربي لـ"ارفع صوتك"، إن أياً من الضحايا "لم يستلم تعويضاً مالياً، كما لم يحصل أي منهم على اعتذار من الحكومة الهولندية، التي اعترفت خلال انعقاد المحكمة بأنها كانت قد جربت سلاحاً جديداً يستخدم للمرة الأولى في الميدان خلال عملية القصف تلك".
وعدد المتضررين، وفق المنظمة بلغ 110 قتلى و560 جريحاً، "يعاني بعضهم من عاهات جسدية دائمة كقطع أحد الأطراف أو إصابات أدت إلى فقء العيون والحروق. وبينهم نساء وأطفال وكبار سن من المدنيين"، كما يقول الحربي.
ويشير إلى أن "القتلى من تنظيم داعش لا يتجاوز عدد أصابع اليد".
ويتابع: "أثر الضربة كان كارثياً على المنطقة، إذ تم تدمير الحي الصناعي بالكامل ومساواته بالأرض، بعد أن كان يحتوي على العديد من معامل الطحين والثلج والمطاحن ومحال تصليح السيارات وغيرها. وامتدت مساحة الدمار لأربعة كيلومترات مربعة".
تفاصيل الليلة "المرعبة"
يصف صباح السعدي، وهو أحد سكان الحويجة، تلك الليلة بـ"المرعبة"، ويقول لـ "ارفع صوتك" أن: "الوضع في ذلك اليوم كان هادئاً نسبياً والليلة كانت مظلمة تماماً لانقطاع التيار الكهربائي".
ويضيف: "عندما اقترب الوقت من منتصف الليل سمعنا صوت طائرة، وبعد لحظات ارتجت الأرض بنا ثم اخترق السماء وميض ضوء أضاء عتمة الليل، تلاه عصف شديد تخلعت له أبواب البيوت وتكسر زجاج المنازل بالكامل".
ويقول ميعاد البزوني الذي يسكن على بعد كيلومتر واحد عن موقع الضربة الجوية: "خلال الحروب الكثيرة التي خاضها العراق لم نسمع مثل صوت ذلك الانفجار ولن ننساه ما حيينا".
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "الانفجار صعد له في السماء دخان رمادي على هيئة فطر، انتشر لاحقاً وغطى المنطقة بالكامل، حتى تصورنا أنها ضربة نووية في البداية، أما العصف فكانت نتيجته خلعاً كاملاً لأبواب المنزل وتكسير الزجاج، وحتى أجهزة التكييف المعلقة خارجاً وجدناها وقد اندفعت إلى داخل المنزل".
"اتصل بي أقاربي للاطمئنان علينا بعد الهزة الأرضية التي قيل لهم إنها حصلت في الحويجة، ولم يصدق أي منهم أنها كانت ضربة جوية وليس زلزالاً"، يتابع البزوني.
سفيان السلطان، من سكان الحويجة أيضاً كان شاهداً على الواقعة، يقول: "اعتقد الجميع أن المنطقة تم قصفها بالنووي أو السلاح الكيمياوي، وبدأنا نأخذ المناشف ونبللها بالماء ونضعها على وجوهنا، بسبب الدخان الرمادي الكثيف ذي الرائحة النفاذة الذي ملأ المنطقة، كما أصبح التنفس والرؤية صعباً للغاية".
تلك الليلة كما يؤكد "لن ننساها أبداً، فقد ظننا أننا هالكون لا محالة". وفي اليوم التالي "زرنا منطقة سقوط الصاروخ وكانت مدمرة بالكامل مع حفرة على شكل تلة صغيرة في الموقع"، يتابع السلطان لـ"ارفع صوتك".
محكمة العدل الدولية
سعياً منه للهروب من العمليات العسكرية انتقل عبد الله رشيد برفقة أبنائه الثمانية وزوجته إلى الحويجة من محافظة صلاح الدين، "لكن، لم نتمكن من الوصول إلى نقطة أبعد لمنع داعش العوائل من الفرار باتجاه الحكومة المركزية فاضطررنا إلى البقاء في الحويجة"، كما يقول.
ويبين لـ "ارفع صوتك": "في ليلة 2-3 يونيو 2015، تسببت ضربة جوية في مقتل زوجتي وستة من أطفالي ولم يبق لدي سوى طفلين كلاهما أصيب بجروح متفاوتة خلال الانفجار".
اضطر رشيد إلى تحمل كافة نفقات العلاج الخاصة بالطفلين، دون الحصول على أي مساعدات مباشرة تتعلق بضحايا الضربة الجوية، مضيفا "لم يتم الاعتراف بنا كضحايا سوء تقدير لمدى تأثير الضربة الجوية على حياة المدنيين".
"لهذه الأسباب، رفعت أنا وعشرات آخرين من الضحايا دعوة أمام محكمة العدل الدولية بهدف الاعتراف بالخطأ، وتعويض جميع المتضررين"، يؤكد رشيد.
ومحكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، يقع مقرها في لاهاي بهولندا. وتتولى المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
تفاصيل القضية
يقول المدير القطري لمنظمة الغد، طوفان الحربي، إن المنظمة "تسعى إلى حشد الرأي العام خلف القضية في محكمة العدل الدولية، من خلال عقد المؤتمرات داخل وخارج العراق ودعوة الإعلام والسفراء وأعضاء في البرلمان العراقي، بهدف الضغط على الحكومة الهولندية للجلوس على طاولة المفاوضات بعد تقديم شكوى لدى المحكمة الدولية وعقد أولى الجلسات في 24 أكتوبر الماضي".
ورغم عدم تقديم أي تعويضات للمتضررين إلا أن الحكومة الهولندية، كما يقول الحربي "قدمت منحة مالية لإعادة إعمار المنطقة المنكوبة بمبلغ أربعة ملايين يورو بإشراف منظمة الهجرة الدولية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
وقامت المنظمتان بـ"إنفاق تلك المبالغ على إعادة إعمار المحال التجارية وتبليط الشوارع ومشاريع للطاقة الكهربائية ورفع الأنقاض، بالإضافة إلى مشاريع تشغيل الأيدي العاملة"، وفق الحربي.
ويكمل: "أي أنه لم يتم منح عوائل الضحايا تعويضات مالية مباشرة عن الضرر الذي أصابهم سواء من فقد أفراد من عائلته، أو من تعرض لإصابة بالغة. وأكثر المتضررين هم من أصيبوا وكان من الصعب حصولهم على الرعاية الطبية حينها، ما أدى لتفاقم حالتهم الصحية، أو ممن كان يحتاج إلى علاج خارج العراق ولم يتم تسفيره".
تلك المبالغ التي تم منحها إلى وكالات الأمم المتحدة "لم يتم استغلالها بشكل صحيح" بحسب الحربي، مردفاً "تم عبرها إقامة خدمات كانت أصلا من واجب الدولة ".
لذلك، تسعة منظمة الغد اليوم إلى تعويض أصحاب القضايا في حال تم كسب القضية.
أما عدد القضايا التي تم تقديمها أمام محكمة العدل الدولية، فوصلت حتى الآن 46 قضية من مجموع المتضررين من عوائل القتلى والجرحى الذين يتجاوز عددهم 700 شخص.
وفي معرض رده على سؤال يتعلق بالسقف الأعلى الذي تأمل المنظمة الحصول عليه من خلال رفع القضية، يشرح الحربي: "الخطوة الأولى هي الاعتراف الرسمي بالخطأ الذي تم ارتكابه وتقديم اعتذار رسمي، وتقديم التعويض المالي، ومعالجة الجرحى ممن لديهم إصابات لم يتمكن الطب العراقي من علاجها ولم يكن لديهم الإمكانية المالية للعلاج خارج البلد".
ويشير إلى وجود جانب آخر للقضية "يتعلق بتنبيه وإنذار لكل الدول التي ستشارك مستقبلا في أي تحالف دولي، بأن تأخذ الحيطة والحذر من استهداف المدنيين في كل بقعة من العالم لأنه لن يمر دون محاسبة"، على حدّ تعبيره.