ألقت الأحداث في غزة بظلالها على التطورات الأمنية والسياسية في العراق خلال الشهر الماضي، لتشكل عودة استهداف القواعد الأميركية وقوات التحالف الحدث الأبرز بعد هدنة غير معلنة أعقبت تشكيل الحكومة العراقية قبل أكثر من عام.
وعلى الصعيد الرسمي وفي السابع من أكتوبر، اعتبرت الحكومة العراقية، في بيان، أن العملية العسكرية لحركة حماس في مستوطنات إسرائيلية، "نتيجة طبيعية للقمع الممنهج" تجاه الفلسطينيين.
ونقل البيان عن المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي قوله، إن العراق يؤكد "وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني في تحقيق تطلعاته ونيل كامل حقوقه المشروعة، وأن الظلم واغتصاب هذه الحقوق لا يمكن أن ينتج سلاماً مستداماً".
وقال رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، إن سكان غزة "واجهوا سجناً كبيراً طيلة عقود أمام مرأى ومسمع العالم الصامت الذي لم يحرك ساكنا على الرغم من المواثيق الدولية. كما فشل المجتمع الدولي في الإيفاء بواجباته والتزاماته تجاه أهالي غزة".
وطالب في أكثر من مناسبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، والعمل على فتح الممرات الإنسانية وإرسال المساعدات للأهالي وجمع التبرعات لإغاثة الفلسطينيين.
قلق أميركي
منذ السابع من أكتوبر أصبح العراق ضمن الدول المحورية التي تقلق الولايات المتحدة من تداعيات الحرب على غزة فيها، لوجود قواعد لها في العراق تستضيف 2500 جندي أميركي، فيما يتمركز نحو 900 آخرين في سوريا التي تقع ضمن مرمى الفصائل العراقية المسلحة.
وتوجد القوات الأميركية في ثلاثة مواقع رئيسة: قاعدة "عين الأسد" في محافظة الأنبار، وقاعدة "حرير" في إقليم كردستان، ومعسكر "فيكتوريا" المجاور لمطار بغداد.
وتتمركز قوة صغيرة مكلفة بالحماية في سفارة الولايات المتحدة وسط العاصمة بغداد.
وكانت الفصائل المسلحة في العراق وامتداداتها في سوريا تستهدف مواقع القوات الأميركية وقوات التحالف بالطائرات المسيرة وصواريخ الكاتيوشا بصورة منهجية، تصاعدت بعد غارة أميركية قرب مطار بغداد الدولي أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس مطلع يناير 2020.
ومنذ تشكيل الإطار التنسيقي للحكومة الحالية برئاسة السوداني، توقف استهداف تلك القواعد في ظل اتفاق بين القوى السياسية على توفير الاستقرار اللازم لإنجاح الحكومة.
وفي العاشر من أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أيام من هجوم حماس، هددت "كتائب حزب الله" الفصيل الأكثر قوة في العراق، باستهداف القواعد الأميركية داخل البلد وخارجه، في حالة تدخلها في الحرب بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
لاحقاً، أكدت "كتائب سيد الشهداء" جاهزيتها للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، مهددة بأن أي تدخل أميريي في الحرب ستكون نتيجته استهداف للقواعد والمصالح الأميركية في العراق والمنطقة.
وفي الأول من نوفمبر الجاري، وجه أكرم الكعبي، زعيم "حركة حزب الله النجباء" المدعومة من إيران، تهديداً مباشراً للقوات الأميركية، عندما قال "المقاومة الإسلامية العراقية قررت تحرير العراق عسكرياً وحسم الأمر، والقادم أعظم".
انتهاء الهدنة
ما إن وصلت أخبار قصف مستشفى "المعمداني" في غزة (17 أكتوبر الماضي)، حتى عاد القصف ضد مقرات القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق، وأعلنت مجموعة أطلقت على نفسها اسم "المقاومة الإسلامية في العراق" مسؤوليتها عن الاستهداف.
تمثل هذه المجموعة بحسب معهد واشنطن للدراسات، "مجموعة من الفصائل المسلحة تنفذ عمليات وطنية وأخرى عابرة للحدود، ما يسمح لمليشيات المقاومة العراقية بشن هجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا تحت مظلة واحدة دون تحمل أي منها المسؤولية بشكل مباشر".
ووصل عدد الهجمات ضد القوات الأميركية في الفترة بين (17-24) أكتوبر، 23 استهدافاً موزعاً إلى 14 هجوماً في العراق وتسع هجمات في سوريا باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ، وفق وزارة الدفاع الأميركية التي صرّحت بأنه تم إحباط معظم تلك الهجمات.
وأعلنت القيادة المركزية الأميركية عن إصابة أكثر من 20 عسكرياً أميركياً في هجمات متكررة على قواعدهم في الشرق الأوسط، ولكن لم ترد القوات الأميركية على تلك الهجمات.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، إن الولايات المتحدة "سترد في الوقت الذي نختاره وبالطريقة التي نختارها".
على الرغم من موقف السوداني المؤيد للقضية الفلسطينية، إلا أن الحكومة العراقية أعلنت رفضها لـ"الهجمات التي تستهدف القواعد العراقية وتضم مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في العراق".
وقالت في بيان، إن السوداني وجّه الأجهزة الأمنية كافة للقيام بواجباتها وتنفيذ القانون وتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات، ما أدى إلى توجيه نقد حاد ضده، عبر بيان غاضب لحركة النجباء (فصيل مسلح منشق عن عصائب أهل الحق ومقرب من إيران).
واتهمت الحركة الحكومة، بـ"تبرير وشرعنة وجود الاحتلال إعلامياً، وإبراز صورة تخالف الواقع المرير، وعدم وجود الجدية في إخراج القوات المحتلة، وإنهاء وجودهم بالعراق كما تعهدت الحكومة بذلك قبل تشكيلها".
موقف التيار الصدري
تعددت مواقف التيار الصدري خلال شهر من أحداث غزة، ففي الأسبوع الأول دعا زعيم التيار، مقتدى الصدر، أتباعه من جميع المحافظات إلى الخروج بتظاهرة مليونية في ساحة التحرير وسط بغداد في أول جمعة بعد أحداث السابع من أكتوبر.
تلتها دعوة في خطاب متلفز للشعوب العربية والإسلامية، إلى القيام باعتصام على الحدود مع إسرائيل "من جانب مصر وسوريا ولبنان والأردن من دون أي سلاح، غير الأكفان، احتجاجاً على ما يجري في قطاع غزة ومناصرة الشعب الفلسطيني"، بحسب تعبير الصدر.
وطالب أتباعه بـ"البقاء لحين فك الحصار، وإيصال بعض المعونات الطبية والغذائية شمال غزة وجنوبها".
نتيجة لتلك الدعوة، لبّى أتباع التيار النداء وتوجه المئات منهم إلى الحدود العراقية الأردنية، ونصبوا الخيام عند "معبر طريبيل"، ما أدى إلى قلق الحكومة الأردنية، خصوصاً بعد منع صهاريج النفط من عبور الحدود إلى الأردن.
وبالتزامن مع إعلان الحكومة العراقية عن زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، دعا الصدر من جديد للتوجه "فوراً" إلى ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية والتنديد بتلك الزيارة.
كما طالب الصدر بغلق سفارة الولايات المتحدة الأميركية في العراق "نصرة للفلسطينيين". جاء ذلك في منشور على صفحة الصدر في موقع إكس، مؤكداً في الوقت نفسه أنه في حالة التصويت على القرار فمن الضرورة "حماية أفرادها الدبلوماسيين، وعدم التعرض لهم من قبل الميليشيات الوقحة، التي تريد النيل من أمن العراق وسلامته"، على حدّ قوله.
وهدد "إن لم تستجب الحكومة والبرلمان، فلنا موقف آخر سنعلنه لاحقاً".
استجابة لدعوة الصدر، أعلن عضو مجلس النواب العراقي برهان المعموري عن الشروع بحملة لجمع التواقيع من أجل التصويت على غلق السفارة الأميركية، ونجح في جمع تواقيع 32 برلمانياً من أصل 329.
هذا الأمر قوبل بمعارضه القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، الذي صرّح للصحافة المحلية، بأن "الإطار التنسيقي لديه تحفظات وتقاطعات مع الولايات المتحدة الأميركية كقوات احتلال عسكرية، وليس ضد أي بعثة دبلوماسية سواء كانت أميركية أو غيرها من كافة دول العالم الأوروبي والعربي وغيرها، خصوصاً أن العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها مطلوبة مع كل دول العالم".
"منظمة بدر"
لفت موقف زعيم منظمة "بدر"، هادي العامري، الانتباه خلال الشهر الماضي، عندما حذر عقب السابع من أكتوبر قائلا: "إذا تدخل الأميركيون في المعركة مع حماس، فسوف نهاجم جميع الأهداف الأميركية".
وتأسست منظمة "بدر" في ثمانينيات القرن الماضي في إيران، وتركز نشاطها في أعقاب الحرب على الإرهاب في المقام الأول على الأنشطة السياسية والاقتصادية، ولعبت دورا مهما بالإضافة إلى "عصائب أهل الحق" و"دولة القانون" في تشكيل حكومة الإطار التنسيقي التي تقود العراق منذ أكثر من عام شهد هدنة غير معلنة بين الفصائل المسلحة والقوات الأميريكية في العراق.
وصعّد العامري من خطابه أواخر أكتوبر حين أصدر بيانا قال فيه: "حان الوقت لخروج قوات التحالف الدولي من العراق".
وطالب الحكومة العراقية بـ "تحديد جدول زمني جدي ومحدد وقصير الأمد لخروج هذه القوات". مردفاً "ما دامت قوات التحالف الدولي موجودة، فلا يتوقع أحد بناء القدرات العسكرية للجيش العراقي وباقي المؤسسات الأمنية الأخرى".
وأشار العامري في البيان، إلى أنه "بعد فترة زمنية من الهدوء، عاد استهداف تواجد القوات الأميركية في قاعدتي عين الأسد وحرير من قبل فصائل المقاومة الإسلامية في العراق"، معتبراً أنها "ردة فعل طبيعية تجاه انحياز أميركا وبعض الدول الأوروبية إلى جانب الكيان الصهيوني الغاصب"، على حدّ تعبيره.