يحتدم الصراع بين الخزعلي والصدر منذ العام 2005 وينحدر في أحيان كثيرة إلى مواجهات دموية- تعبيرية
يحتدم الصراع بين الخزعلي والصدر منذ العام 2005 وينحدر في أحيان كثيرة إلى مواجهات دموية- تعبيرية

في الفترة ما بين عامي 2005 و2006 تفكّكت مليشيا "جيش المهدي" التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وانشقت عنها جماعة أطلقت على نفسها اسم "عصائب أهل الحقّ" بزعامة قيس الخزعلي، المولود عام 1974 بمدينة الصدر في بغداد.

كان الخزعلي متحدثاً باسم الصدر قبل انشقاقه.

منذ ذلك الانشقاق، تشهد العلاقة بين "العصائب" والتيار الصدري توتراً يترجم في أحيان كثيرة إلى اشتباكات بالأسلحة النارية وتصفيات لعناصر وقيادات من الطرفين.

آخر هذه المواجهات كان ما شهدته محافظة البصرة، أقصى جنوبي العراق، من توتر أمني جراء اشتباكات مسلحة بين جماعة تتبع للخزعلي، وعناصر من "سرايا السلام" (جيش المهدي سابقاً)، الجناح العسكري لـ"التيار الصدري". أسفرت المواجهات عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى.

وقد أعادت الاشتباكات إلى الأذهان المواجهات التي شهدتها المدينة في سبتمبر من العام الماضي (2022) بعد "حرب غير معلنة" طويلة خاضها الطرفان خلال أكثر من عقد من الزمن عبر موجة اغتيالات متبادلة.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية هيثم الهيتي، فإن "الطرفين على عداء عميق منذ سنوات، وإن كان هذا العداء صامتا، لكنه اليوم بات علنيا".

الهيتي قال في مقابلة مع موقع "الحرة" على خلفية مواجهات العام الماضي، إن "الصراع بين الصدريين وعصائب أهل الحق ربما يتحول إلى حرب صامتة مجددا، لكنه لن ينتهي أبدا لصعوبة بناء صلة وتواصل بين الطرفين".

وبالفعل عادت الاشتباكات بعد قرابة العام لتندلع بين الطرفين في المدينة نفسها (البصرة).

الحساسية بين العصائب والصدريين يسندها الهيتي إلى أسباب عدة منها أن "زعيم العصائب (قيس الخزعلي) لا يمتلك تاريخاً دينياً أو سياسياً أو عائليا مثل الصدر وإنما هو كان أحد أتباع الصدر البسطاء، ومن ثم انشق من داخل التيار الصدري لتشكيل مجموعة مسلحة معادية لتوجهات الصدر".

ويضيف الهيتي أن هذه الخطوة كانت، بالنسبة لمقتدى الصدر، "أشبه بالخيانة للعائلة الصدرية والتيار بشكل عام".

ويقول الهيتي إن جماعة الخزعلي قبل انشقاقها عن الصدريين "نفذت عمليات قتل على أساس طائفي مما ساهم بتشويه صورة التيار الصدري وبث الخلاف بينه وبين المجموعات الأخرى".

من جانبها، ترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية، لهيب هيجل، في تغريدة نشرتها بعد اشتباكات سبتمبر 2022 أن "عمليات القتل الانتقامية والاشتباكات التي وقعت في مدينة البصرة الجنوبية..مؤشر على صراع شخصي بالمقام الأول"، في إشارة إلى الخلاف القديم بين الخزعلي والصدر.

ومنذ انشقاق الخزعلي، الذي كان دائم الظهور خلف الصدر، بدأ زعيم التيار الصدري بتوجيه نقد لاذع للفصائل الشيعية المسلّحة المقربة من إيران، وأطلق عليها مرارا وصف "الميليشيات الوقحة" في إشارة إلى ميليشيا "عصائب أهل الحق".

من جانبه، استهزأ الخزعلي بتوصيفات الصدر. وقال في تصريحات تلفزيونية في ديسمبر 2017: "نعم نحن المليشيات الوقحة، لكن وقاحتنا مع الحق ضد الباطل".

"فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني كان وراء تأسيس هذه الجماعة، بحسب ورقة أعدّها الباحث مايكل نايتس لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى".

وكان الهدف من تأسيسها بحسب نايتس "تنفيذ عمليات تستهدف الولايات المتحدة في العراق بقيادة كبير طلاب الحوزة الدينية للتيار الصدري قيس الخزعلي وشقيقه ليث الخزعلي".

وبحسب معهد واشنطن، فإن "عصائب أهل الحق" مسؤولة عن تنفيذ الهجوم الذي استهدف القاعدة الأميركية في مركز شرطة كربلاء في 20 يناير 2007، وأسفر عن اختطاف وقتل خمسة جنود أميركيين.

وقد اعتقَل التحالف بقيادة الولايات المتحدة قيس وليث الخزعلي في الفترة بين 2007 و2010، "إلى أن تم التوسط في إطلاق سراحهما مقابل إعادة رهينة غربية وجثث بريطانيين كانوا قد أُعدموا"، بحسب المعهد.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.