خلّف قرار المحكمة الاتحادية العراقية إقالة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية، ففي حين يرى محللون أن القرار استهداف سياسي بحت، حث آخرون على تطبيقه واحتواء الأزمة لتقليل خسائر حزب "تقدم" الذي يرأسه الحلبوسي.
وكانت المحكمة الاتحادية قررت إنهاء عضوية الحلبوسي وكذلك عضوية النائب ليث الدليمي، اعتبارا من تاريخ صدور الحكم (14 نوفمبر)، واعتبرته "قراراً باتاً وملزماً لكافة السلطات"، وذلك على خلفية رفع الدليمي دعوى قضائية متهماً الحلبوسي "بالتزوير والتلاعب بموضوع استبعاده من البرلمان".
تبعات قرار المحكمة بدأت في نفس يوم إصدار الحكم حين قدم ثلاثة وزراء يحظون بدعم الحلبوسي الاستقالة من مناصبهم، وقال الحزب في بيان إنه سيقاطع أيضاً اجتماعات الائتلاف الحاكم وسيستقيل نوابه من اللجان البرلمانية وسيشارك في "مقاطعة سياسية" للبرلمان.
ويعد منصب رئيس البرلمان هو المنصب الأعلى الذي يمكن أن يتقلده سياسي مسلم سني في العراق بموجب نظام المحاصصة، وكان الحلبوسي تولى المنصب لأول مرة عام 2018 قبل أن يتم انتخابه لولاية ثانية بعد انتخابات العام 2021.
استهداف سياسي
يرى الخبير السياسي أحمد الشريفي، أن قرار إقالة الحلبوسي "سياسي بحت أكثر مما هو قضائي. وهو أشبه بتصفية حسابات".
ويعلل لـ"ارفع صوتك" وجهة نظره قائلاً: "طول الفترة الزمنية والتوقيت الذي تم اختياره لإصدار القرار، رغم أن القضية يتم النظر بها أمام القضاء منذ فترة طويلة، أمر يدلل على أن الموضوع يتعلق بتصفية حسابات سياسية بين الأحزاب".
"وهناك رغبة باتباع سياسة المحاور، ما يعني بشكل أو بآخر رغبة بجعل العراق سياسياً يتبع جهة محددة، دون أن يكون هناك شركاء في الوطن لهم علاقات مع جهات أخرى وهي قضية واضحة"، يضيف الشريفي.
ويبين أن "الحرب المشتعلة في غزة حركت الكثير من الأمور، وأدت إلى تقسيم المحاور بين والصين وروسيا وإيران تتبعها قطر وتركيا من جهة، مقابل المحور الأميركي الفرنسي والأوروبي من جهة أخرى، وهو صراع واضح المعالم اليوم".
ويعتبر الشريفي أن أحد اتجاهات المحاور هي "الاتهامات التي وجهت للحلبوسي بالتعاون مع شركة أميركية، في حين أن الأميركان هم عرابّو مشروع التغيير السياسي في العراق"، على حدّ قوله.
ويتساءل "ما الضير أن تكون لديه علاقة بشركة أميركية"، مردفاً "من الواضح أنها تصفية سياسية أكثر ما هي إنصاف للحق".
ويتوقع الشريفي أن يتعرض تحالف "إدارة الدولة" إلى "عزلة جماهيرية وسياسية من قبل الشركاء، بالإضافة لعزلة دولية".
كما أن ابتعاد التحالف عن الولايات المتحدة "قطعاً سيكون له ثمن"، بحسب الشريفي.
ويؤكد أن إقالة الحلبوسي، من شأنها "التأثير سلبياً على العملية السياسية وقد يصل الأمر إلى تأجيل انتخابات مجالس المحافظات المقرر عقدها الشهر المقبل".
"إدارة الدولة": ائتلاف برلماني تشكل في سبتمبر 2022 بعد انسحاب الكتلة الصدرية من مجلس النواب. يضم الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة والاتحاد الوطني الكردستاني وتحالف عزم وبابليون، وهو التحالف الذي تشكلت بموجبه الحكومة الحالية.
"جريء جداً"
من جهته، يصف أستاذ العلوم السياسية الدكتور صالح الشذر، قرار المحقة الاتحادية بأنه "جريء جداً ويحصل لأول مرة في تاريخ الدولة العراقية، كونه يحدد المسار القانوني لعمل السياسة بصورة عامة ويحدد مواطن الخلل فيها".
ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن القرار "بات وغير قابل للطعن"، مبيناً: "في بعض الدول إذا تم إثبات التهمة في مثل هذه الحالات يحاسب السياسي بالخيانة العظمى، ولكن المحكمة اكتفت بقرار الإقالة فقط".
ويرى الشذر أن "على الحلبوسي تقبّل الموضوع والامتثال للقانون، باعتباره رجلا يمثل السلطة التشريعية".
"بالتالي إذا كانت هناك إمكانية أخذ مسارات قانونية على الحلبوسي التوجه لها، كما يمكن أن يرشح بديلا عنه لقيادة الحزب في المرحلة القادمة لخوض انتخابات مجالس المحافظات، كونه يعتبر مستبعداً لثبوت تهمة التزوير"، يتابع الشذر.
ويؤكد أن "الخاسر الوحيد هو من يقدم استقالته ويسحب نوابه من البرلمان".
وفي رده على سؤال "ارفع صوتك" حول مدى تأثر عمل الحكومة العراقية خلال الفترة المقبلة بعد انسحاب وزراء وبرلمانيين، يقول الشذر: "عمل الحكومة لن يتأثر بانسحاب الوزراء فمن الناحية القانونية يتم تكليف الوكيل الأقدم بقيادة الوزارة لحين تكليف وزير بديل من قبل رئيس الوزراء".
أما عمل البرلمان "فيتم تسييره مؤقتا عبر النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وهو يمكن أن يمدد عمل المفوضية العليا للانتخابات حتى تسير الأمور بشكل طبيعي فيما يتعلق بانتخابات مجالس المحافظات"، بحسب الشذر، متسدركاً أن هذا يحتاج إلى "إجماع وطني داخل البرلمان، وفيما عدا ذلك سنذهب باتجاه انتخابات برلمانية مبكرة لإعادة الحياة للنظام السياسي بصورة عامة مستقبلاً".
مستقبل "تقدم"
يقول الخبير الأمني والسياسي العميد المتقاعد عدنان الكناني، إن "المكون السني العراقي ظهرت فيه بوادر لتأييد إقالة الحلبوسي منذ فترة ليست بالقليلة، خصوصاً بعد أن بدأ يتصرف بشكل فردي بعيداً عن أخذ رأي شركائه من المكون في الفترة الأخيرة".
يُذكر أن خمسة من أعضاء البرلمان أعلنوا انسحابهم عن تحالف "تقدم" الذي يقوده الحلبوسي، هذا العام، نتيجة "لملاحظات عدة على طريقة عمل الحزب وعدم وجود شراكة حقيقية في اتخاذ القرار".
في حينها، أعلن عضو حزب "تقدم" ورئيس لجنة النفط في البرلمان العراقي هيبت الحلبوسي، عن قرب انتهاء تحالف "السيادة" النيابي بعد عام على تشكيله كنتيجة لـ"عدم التزام الشركاء في التحالف بالمواثيق والثوابت الوطنية".
يشرح الكناني لـ" ارفع صوتك ": "يمكن تعويض الوزراء المستقيلين من الأحزاب السنية التي ستتقدم لملء الفراغ وتحمل المسؤولية وهناك إشارات لتغييرات مرتقبة للزعامات السياسية السنية في الفترة المقبلة".
أما من الناحية الأمنية "فالسنة في المناطق التي شهدت توترات أمنية سابقا أصبحوا اليوم أكثر تعقلاً وقدرة على قيادة المشهد السياسي، وهم مهتمون جداً بتحقيق الاستقرار الأمني في مناطقهم، فالموضوع لا يتعلق بأمنهم فقط بل بالاستقرار في العراق بشكل عام"، بحسب الكناني.
ويضيف: "يتحتم على الحلبوسي وقياديي حزبه عدم الدخول في أخطاء يمكن أن تؤدي إلى إضعاف الحزب أو حلّه، فالحزب يجب ألا يتوقف كونه يمتلك قيادات جيدة ومنافذ وقنوات تمويل ويمكنه الاستمرار بالعمل السياسي".