في مثل هذا اليوم (17 نوفمبر) عام 2019، بينما كانت بغداد وباقي المدن العراقية تزدحم بالمحتجين في الشوارع في ما عرف بـ"حراك تشرين"، توفي السياسي والدبلوماسي العراقي المخضرم عدنان الباجه جي، في مكان إقامته بإمارة أبو ظبي، عن عمر 96 عاماً، عاش خلالها مراحل حساسة ومهمة من تاريخ العراق الحديث.
وُلد الباجه جي في 14 مايو 1923 في العاصمة العراقية بغداد، لعائلة سياسية عريقة تعود جذورها إلى مدينة الموصل. ولادته، كما يقول في مذكراته المنشورة "لم تكن طبيعية" بسبب تعرض والدته لحادث أدى إلى إصابتها بكسور خطرة، "استوجبت إجراء عملية قيصرية كانت يومذاك الأولى في العراق".
شغل والده مزاحم الباجه جي، منصب رئيس الوزراء عام 1947، وكان سياسياً بارزاً في العهد الملكي، وهو ما نقل إلى عدنان الشاب حبّ السياسة، فناضل منذ شبابه مشتركاً في حركة "كتائب الشباب" التي دعمت ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941، وهو ما حال لاحقاً دون قبول طلبه الانضمام إلى وزارة الخارجية بسبب ملفه الأمني.
في عام 1950، جرى تعيين الباجه جي مديراً مساعداً في وزارة الخارجية، لتبدأ رحلته الدبلوماسية الطويلة، فشغل بين 1965 و1969 منصب مندوب العراق في الأمم المتحدة، تخللها لفترة قصيرة تعيينه وزيراً لخارجية العراق في عهد الرئيس عبد الكريم عارف.
وحين تولّى حزب البعث السلطة في العراق عام 1969، كان باجه جي خارج البلاد، وارتأى عدم العودة معلناً معارضته لحزب البعث.
بقي خارج العراق، تحديداً في دولة الإمارات، حيث عاش وعمل مستشاراً لحكومتها، وكان حاضراً في اجتماع التوقيع على دستور إقامة دولة الإمارات العربية المتحدة وإعلان استقلالها عام 1971.
بقي الباجه جي خارج العراق طوال سنوات حكم حزب البعث، ولم يعد إلى بلاده إلّا بعد سقوط نظام صدّام حسين عام 2003، حيث شارك في مجلس الحكم، السلطة الإدارية الأولى التي شكلت في العراق لإدارة البلاد برئاسة السفير الأميركي بول بريمر. كما رشّح لمنصب رئيس مجلس وزراء في العام 2004، لكنه رفض بسبب خلافات مع الإدارة الأميركية آنذاك.
عرف عن الباجه جي نبذه للطائفية والنعرات العرقية، ومناداته بعراق مدني خال من الطائفية. وقد شرح في مذكراته التي نشرها عام 2013، المعتقدات الأساسية التي كان لها الأثر الأكبر في مسيرته السياسية، والمستندة بشكل أساسي على "تحكيم العقل والمنطق والاعتماد على العلم والمعرفة ورفض الخرافات التي ورثناها عن عصور الجهل والظلام".
كما يعبرّ باجه جي في مذكراته عن إيمانه العميق بالديمقراطية بمفهومها الواسع "كضامن للحريات والحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد، ذكراً كان أو أنثى، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو المذهبي أو العرقي وذلك في ظل سيادة القانون والقضاء النزيه المستقل والحماية التي توفرها الدولة ذات المؤسسات الراسخة المتينة".
يقول للشباب العراقي في ما يشبه الوصية "على الشباب أن يقفوا بقوة وحزم أمام دعاة التفرقة والمحاصصة الطائفية والتصدي لمحاولات طمس الهوية الوطنية العراقية وتقسيم الشعب العراقي الواحد الموحد إلى طوائف وأعراق وأديان ومذاهب، وليكن هدف الجميع الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً".
كما يلخّص الباجه جي في مقدمة مذكراته مراحل سيرته ويقسمها إلى أربع "واضحة المعالم" كما يقول، "الأولى بدأت مع ولادتي عام 1923 وانتهت بنيلي الشهادة الجامعية عام 1943"، أما المرحلة الثانية، التي بدأت في 1944 وانتهت في 1969، "عملتُ خلالها دبلوماسياً وسفيراً ووزيراً للخارجية في العراق"، والمرحلة الثالثة بدأت في 1971 وانتهت في 1993، "كنتُ خلالها وزيراً في حكومة إمارة أبو ظبي وممثلاً شخصياً لرئيس دولة الإمارات العربي المتحدة".
أما المرحلة الرابعة والأخيرة، التي امتدت من عام 1991، حتى 2010، يقول باجه جي "كنتُ خلالها ناشطاً في المعارضة العراقية ثم عضواً ورئيساً لمجلس الحكم عام 2003-2004، وعضواً في المجلس الوطني المؤقت وفي مجلس النواب حتى عام 2010"، وهو العام الذي قرر فيه اعتزال العمل السياسي والتفرغ للكتابة وتمضية الوقت مع عائلته، حتى وفاته.