صورة تعبيرية لناخب عراقي خلال التصويت في الانتخابات النيابية عام 2021- ا ف ب
صورة تعبيرية من عملية التصويت في الانتخابات النيابية عام 2021- ا ف ب

في الوقت الذي يستعد فيه الناخبون العراقيون للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر المقبل، تشهد الساحة السياسية العراقية صراعاً بدأ يظهر إلى العلن بين "الإطار التنسيقي" الذي شكّل حكومة محمد شياع السوداني والتيار الصدري المنسحب من العملية السياسية.

وتدخل في هذا الصراع قِوى سياسية ناشئة، تدعو بعضها إلى مقاطعة الانتخابات بينما أعلنت أخرى عن مشاركتها وبدأت بحملاتها الانتخابية في وقت مبكر.

يكمن الصراع شبه الخفي في إبداء الصدر موقفاً محرجاً للقِوى السياسية العراقية من خلال إعلانه مقاطعة الانتخابات، ودعوة أنصاره إلى عدم الاشتراك بها، لا مرشحين، ولا ناخبين.

سلاح "المقاطعة" الذي تحدثت عنه القوى المناوئة لحكومة "الإطار التنسيقي" توسع مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات المحلية بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعتها، وهو الذي انسحب من العملية السياسية قبل أكثر من عام، ليفسح المجال أمام خصومه التقليديين لتشكيل حكومة برئاسة محمد السوداني.

سيتنافس في انتخابات مجالس المحافظات 280 حزباً اجتمعت في 50 تحالفاً سياسياً، يضم ما يقارب الستة آلاف مرشح في 15 محافظة (باستثناء إقليم كردستان العراق). ويتجاوز عدد المصوتين في الانتخابات العشرين مليون ناخبٍ.

 

مقاطعة الصدر

 

يعتبر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، أبرز الغائبين عن المشهد الانتخابي بشكل خاص، والحوارات السياسية بشكل عام، لكنه لم يغب عن المشهد السياسي وإبداء المواقف مما يحدث في العراق وخارجه.

قلق كبير يساور القِوى السياسية العراقية الساعية لإنجاح الانتخابات من غياب الصدر وتياره عن الانتخابات المحلية المقبلة، لكن هذا الغياب يفسح لها المجال أيضاً في الحصول على أكبر قدر من المقاعد في الانتخابات المحلية.

لم يتمكن فريق "ارفع صوتك" من الحديث إلى أعضاء التيار الصدري المقاطعين للعملية السياسية والانتخابات تحديداً، بسبب توقفهم عن الظهور الإعلامي، لكن مصادر قالت لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الاستناد على أي موقف في التيار الصدري غير موقف زعيمه مقتدى الصدر".

قبل أيام أجاب الصدر على استفتاء لأنصاره يتعلق بمشاركتهم في الانتخابات المحلية قائلا: "مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيرا، ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيض الأعداء، ويقلل من شرعية الانتخابات دوليا وداخليا، ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب".

وسرعان ما استجاب أبناء التيار لدعوة زعيمهم وباشر أعضاؤه من المرشحين للانتخابات المحلية بقوائم بعيدة عن الصدر، بإعلان الانسحاب من الترشح وإزالة دعاياتهم الانتخابية.

وخرج الصدريون في مظاهرات تأييد لقرار المقاطعة، وظهر وسم على مواقع التواصل حمل اسم "مقاطعون" روجت له منصات مقربة من التيار ودعمته قِوى سياسية ناشئة.

يقول عضو جماعة "رفض" سلام الحسيني لـ "ارفع صوتك" إن "مقاطعة الانتخابات في العراق لم تكن وليدة اللحظة وإنما بدأت منذ انتخابات عام 2005 وحتى انتخابات مجلس النواب عام 2021، وصولاً إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة".

و"جماعة رفض" كما تعرف نفسها هي مجموعة ضغط سياسي تتكون من وجهات نظر متقاربة لشخصيات اقتصادية وقانونية ومجموعة من الإعلاميين، أعلنت عن نفسها كجماعة تعارض منهاج إدارة الدولة (القوى التي شكلت الحكومة) الذي تشكل على "أساس المحاصصة وتقاسم السلطة".

انضمت جماعة رفض بحسب الحسيني إلى المقاطعة "بسبب الأسس التي بنيت عليها الدورات الانتخابية التي تسببت بمشاكل وأزمات، أفرزت المشكلات الأساسية التي تصيب العملية السياسية اليوم، كقانون الأحزاب والمحاصصة وأزمات التوافق، وبقية العناوين التي تتحجج بها الأحزاب السياسية التي تدير سلطة القرار العراقي ".

وأشار الحسيني إلى أن "المقاطعة أشبه ما تكون بحالة رفض واحتجاج سياسية شعبية مجتمعية ونخبوية للتوعية بأن هناك أسس خاطئة مبنية من قبل السلطة، والتي تديرها عبر أحزابها ومكاتبها الاقتصادية".

 

مقاطعة القِوى الناشئة

 

عُلق العمل بمجالس المحافظات العراقية عام 2019 على إثر احتجاجات تشرين، عندما طالب المحتجون بإلغائها واعتبروها "حلقة زائدة". ومع قرب موعد الانتخابات المحلية، انخرطت بعض القوى التشرينية في المشاركة بها على الرغم من مطالبتها بإلغائها آنذاك.

ذهبت حركة "وعي" وهي إحدى القِوى الناشئة التي تشكلت بعد احتجاجات "تشرين" 2019، إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات في مارس الماضي كما يقول عضو المكتب السياسي للحركة ميسر الشمري.

في انتخابات مجالس المحافظات العراقية.. ما حظوظ قوى التغيير الديمقراطي؟
لا تعوّل قوى التغيير الديمقراطي المنبثقة عن حراك تشرين والأحزاب المدنية المتحالفة معها كثيرا على جمهور التيار الصدري في خوض انتخابات المجالس المحلية في العراق، فيما إذا استمر التيار بمقاطعته للعملية السياسية، لكنها تسعى لتكون بديلا للأحزاب التقليدية في الانتخابات المقبلة.

ويوضح لـ "ارفع صوتك" أن "قرار المقاطعة جاء بعد قناعتنا أن السلطة المهيمنة على معادلة صنع القرار، عملت على ضرب قانون الانتخابات الذي حدد التصويت ضمن دوائر صغيرة، وذهبت إلى قانون سانت ليغو سيئ الصيت، الذي يُعمق نفوذ السلطة الحالية".

وأضاف: "في البداية كنا نأمل أن يتم تكوين جبهة رافضة تنظم نفسها سياسياً، وحاولنا السعي لتأسيسها بهدف العمل على إزاحة السلطة، لكن هذه الخطوات لم تتكلل بالنجاح وبناء على ذلك، ذهبنا إلى خيار المقاطعة، فالمشاركة في ظل الوضع الحالي غير مجدية".

ويعتقد عضو حركة "وعي" أن "الخطوات التي قد تظهر قبيل الانتخابات، تكمن في نزول الجمهور المدني الناقم على الطبقة السياسية الحالية إلى الشارع باحتجاجات تشبه ما حصل في تشرين (أكتوبر 2019)، أو إذا ما قرر جمهور التيار الصدري الذهاب إلى خطوات أعمق من المقاطعة".

 

"حِراك يسبق الانتخابات"

 

يتفق المحلل السياسي رحيم الشمري مع ما ذهب إليه عضو المكتب السياسي لحركة "وعي" فهو يتوقع "مفاجأة من التيار الصدري قبيل موعد الانتخابات تعقب الهدوء الحالي".

فمن المتوقع كما يقول الشمري لـ"ارفع صوتك": "خروج أبناء التيار في مظاهرات رافضة لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، ستكسب عطف الشارع الرافض للعملية السياسية، نتيجة التجربة السيئة خلال الانتخابات التشريعية عام 2021".

من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأنبار محمد دحام إن "المواطن العراقي وبعد عقدين من الزمن على العملية السياسية في العراق، وصل إلى نتيجة تشير إلى عدم القناعة بمخرجات العملية الانتخابية، كونه لم يلمس أي إشارات إيجابية لمشاركته في العمل السياسي".

ويشير دحام في حديثه لـ "ارفع صوتك" إلى أن "هذه النتيجة التي وصل إليها المواطن، ليست عشوائية، وإنما مرتبطة بالبيئة الانتخابية المتمثلة بقانوني الانتخابات والمفوضية، وإصرار الأحزاب المتنفذة بضرورة بقائها في السلطة لأطول وقت ممكن".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.