في الوقت الذي يستعد فيه الناخبون العراقيون للإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات في ديسمبر المقبل، تشهد الساحة السياسية العراقية صراعاً بدأ يظهر إلى العلن بين "الإطار التنسيقي" الذي شكّل حكومة محمد شياع السوداني والتيار الصدري المنسحب من العملية السياسية.
وتدخل في هذا الصراع قِوى سياسية ناشئة، تدعو بعضها إلى مقاطعة الانتخابات بينما أعلنت أخرى عن مشاركتها وبدأت بحملاتها الانتخابية في وقت مبكر.
يكمن الصراع شبه الخفي في إبداء الصدر موقفاً محرجاً للقِوى السياسية العراقية من خلال إعلانه مقاطعة الانتخابات، ودعوة أنصاره إلى عدم الاشتراك بها، لا مرشحين، ولا ناخبين.
سلاح "المقاطعة" الذي تحدثت عنه القوى المناوئة لحكومة "الإطار التنسيقي" توسع مع بدء العد التنازلي لإجراء الانتخابات المحلية بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر مقاطعتها، وهو الذي انسحب من العملية السياسية قبل أكثر من عام، ليفسح المجال أمام خصومه التقليديين لتشكيل حكومة برئاسة محمد السوداني.
سيتنافس في انتخابات مجالس المحافظات 280 حزباً اجتمعت في 50 تحالفاً سياسياً، يضم ما يقارب الستة آلاف مرشح في 15 محافظة (باستثناء إقليم كردستان العراق). ويتجاوز عدد المصوتين في الانتخابات العشرين مليون ناخبٍ.
مقاطعة الصدر
يعتبر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، أبرز الغائبين عن المشهد الانتخابي بشكل خاص، والحوارات السياسية بشكل عام، لكنه لم يغب عن المشهد السياسي وإبداء المواقف مما يحدث في العراق وخارجه.
قلق كبير يساور القِوى السياسية العراقية الساعية لإنجاح الانتخابات من غياب الصدر وتياره عن الانتخابات المحلية المقبلة، لكن هذا الغياب يفسح لها المجال أيضاً في الحصول على أكبر قدر من المقاعد في الانتخابات المحلية.
لم يتمكن فريق "ارفع صوتك" من الحديث إلى أعضاء التيار الصدري المقاطعين للعملية السياسية والانتخابات تحديداً، بسبب توقفهم عن الظهور الإعلامي، لكن مصادر قالت لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الاستناد على أي موقف في التيار الصدري غير موقف زعيمه مقتدى الصدر".
قبل أيام أجاب الصدر على استفتاء لأنصاره يتعلق بمشاركتهم في الانتخابات المحلية قائلا: "مشاركتكم للفاسدين تحزنني كثيرا، ومقاطعتكم للانتخابات أمر يفرحني ويغيض الأعداء، ويقلل من شرعية الانتخابات دوليا وداخليا، ويقلص من هيمنة الفاسدين والتبعيين على عراقنا الحبيب".
وسرعان ما استجاب أبناء التيار لدعوة زعيمهم وباشر أعضاؤه من المرشحين للانتخابات المحلية بقوائم بعيدة عن الصدر، بإعلان الانسحاب من الترشح وإزالة دعاياتهم الانتخابية.
وخرج الصدريون في مظاهرات تأييد لقرار المقاطعة، وظهر وسم على مواقع التواصل حمل اسم "مقاطعون" روجت له منصات مقربة من التيار ودعمته قِوى سياسية ناشئة.
يقول عضو جماعة "رفض" سلام الحسيني لـ "ارفع صوتك" إن "مقاطعة الانتخابات في العراق لم تكن وليدة اللحظة وإنما بدأت منذ انتخابات عام 2005 وحتى انتخابات مجلس النواب عام 2021، وصولاً إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات المقبلة".
و"جماعة رفض" كما تعرف نفسها هي مجموعة ضغط سياسي تتكون من وجهات نظر متقاربة لشخصيات اقتصادية وقانونية ومجموعة من الإعلاميين، أعلنت عن نفسها كجماعة تعارض منهاج إدارة الدولة (القوى التي شكلت الحكومة) الذي تشكل على "أساس المحاصصة وتقاسم السلطة".
انضمت جماعة رفض بحسب الحسيني إلى المقاطعة "بسبب الأسس التي بنيت عليها الدورات الانتخابية التي تسببت بمشاكل وأزمات، أفرزت المشكلات الأساسية التي تصيب العملية السياسية اليوم، كقانون الأحزاب والمحاصصة وأزمات التوافق، وبقية العناوين التي تتحجج بها الأحزاب السياسية التي تدير سلطة القرار العراقي ".
وأشار الحسيني إلى أن "المقاطعة أشبه ما تكون بحالة رفض واحتجاج سياسية شعبية مجتمعية ونخبوية للتوعية بأن هناك أسس خاطئة مبنية من قبل السلطة، والتي تديرها عبر أحزابها ومكاتبها الاقتصادية".
مقاطعة القِوى الناشئة
عُلق العمل بمجالس المحافظات العراقية عام 2019 على إثر احتجاجات تشرين، عندما طالب المحتجون بإلغائها واعتبروها "حلقة زائدة". ومع قرب موعد الانتخابات المحلية، انخرطت بعض القوى التشرينية في المشاركة بها على الرغم من مطالبتها بإلغائها آنذاك.
ذهبت حركة "وعي" وهي إحدى القِوى الناشئة التي تشكلت بعد احتجاجات "تشرين" 2019، إلى مقاطعة انتخابات مجالس المحافظات في مارس الماضي كما يقول عضو المكتب السياسي للحركة ميسر الشمري.
ويوضح لـ "ارفع صوتك" أن "قرار المقاطعة جاء بعد قناعتنا أن السلطة المهيمنة على معادلة صنع القرار، عملت على ضرب قانون الانتخابات الذي حدد التصويت ضمن دوائر صغيرة، وذهبت إلى قانون سانت ليغو سيئ الصيت، الذي يُعمق نفوذ السلطة الحالية".
وأضاف: "في البداية كنا نأمل أن يتم تكوين جبهة رافضة تنظم نفسها سياسياً، وحاولنا السعي لتأسيسها بهدف العمل على إزاحة السلطة، لكن هذه الخطوات لم تتكلل بالنجاح وبناء على ذلك، ذهبنا إلى خيار المقاطعة، فالمشاركة في ظل الوضع الحالي غير مجدية".
ويعتقد عضو حركة "وعي" أن "الخطوات التي قد تظهر قبيل الانتخابات، تكمن في نزول الجمهور المدني الناقم على الطبقة السياسية الحالية إلى الشارع باحتجاجات تشبه ما حصل في تشرين (أكتوبر 2019)، أو إذا ما قرر جمهور التيار الصدري الذهاب إلى خطوات أعمق من المقاطعة".
"حِراك يسبق الانتخابات"
يتفق المحلل السياسي رحيم الشمري مع ما ذهب إليه عضو المكتب السياسي لحركة "وعي" فهو يتوقع "مفاجأة من التيار الصدري قبيل موعد الانتخابات تعقب الهدوء الحالي".
فمن المتوقع كما يقول الشمري لـ"ارفع صوتك": "خروج أبناء التيار في مظاهرات رافضة لإجراء انتخابات مجالس المحافظات، ستكسب عطف الشارع الرافض للعملية السياسية، نتيجة التجربة السيئة خلال الانتخابات التشريعية عام 2021".
من جهته يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأنبار محمد دحام إن "المواطن العراقي وبعد عقدين من الزمن على العملية السياسية في العراق، وصل إلى نتيجة تشير إلى عدم القناعة بمخرجات العملية الانتخابية، كونه لم يلمس أي إشارات إيجابية لمشاركته في العمل السياسي".
ويشير دحام في حديثه لـ "ارفع صوتك" إلى أن "هذه النتيجة التي وصل إليها المواطن، ليست عشوائية، وإنما مرتبطة بالبيئة الانتخابية المتمثلة بقانوني الانتخابات والمفوضية، وإصرار الأحزاب المتنفذة بضرورة بقائها في السلطة لأطول وقت ممكن".