حفّز الهجوم الذي شنته حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، قِوى إسلامية عراقية ترتبط عقائدياً بحركة الإخوان المسلمين، في محاولة للعودة إلى الواجهة من جديد.
أبرز هذه القِوى، هو الحزب الإسلامي العراقي، الذي يعتبر ذراعا سياسيا للإخوان المسلمين في العراق، وكانت تتبعه حركة "حماس العراق" التي قاومت القوات الأميركية بعد عام 2003.
خلال مقابلة له على قناة السومرية الفضائية في 31 من أكتوبر الماضي، ظهر الأمين العام للحزب الإسلامي رشيد العزاوي للتعبير عن مواقفه تجاه حرب غزة، وأبدى استعداده للقتال في فلسطين. ومثل العزاوي، تحركت قِوى إسلامية في إقليم كردستان العراق، لها ارتباطات عقائدية مع الإخوان المسلمين، لاستثمار أحداث غزة وتعبئة جماهيرها.
يرى المفكر والباحث العراقي رحيم ابو رغيف أن "إخوان العراق يحاولون العودة إلى الواجهة من خلال ما يحدث في غزة، وأن الحزب الإسلامي العراقي إخوان مسلمين قولاً واحداً".
وقال لـ"ارفع صوتك" إن "جذور الإخوان المسلمين في العراق متشعبة، حتى حزب الدعوة ولد من رحم حزب التحرير المولود بدوره من رحم الإخوان، وبالتالي، فإنهم حاضرون في العراق، ولكن لكل بلد خصوصيته، وكل تنظيم تابع للإخوان يتخذ الشكل الذي يناسب البلد الموجود فيه".
يعتقد أبو رغيف، أن "ما يحدث في غزة ليس قادراً على إعادة إحياء الإخوان المسلمين، ولا ملئ الفراغ في الحضور السني في العراق، لكن رغبة الشيعية السياسية في العراق تصب في هذا السياق، بدعم من ولاية الفقيه".
وأشار إلى أن "من ينتشل الإخوان هي ولاية الفقيه الإيرانية، والولي الفقيه في إيران علي خامنئي يهتم بإدامة زخم وجود الإخوان. وكتب سيد قطب لا تزال تطبع حتى اليوم على نفقة المكتب الخاص للسيد خامنئي".
الجذور الأولى
ليس في العراق اليوم أي ظهور علني لأحزاب تتبع بشكل تنظيمي صريح لحركة الإخوان المسلمين. حتى الحزب الإسلامي العراقي ينكر في مواضع كثيرة ارتباطه التنظيمي بالحركة.
وبحسب دراسة أعدّها الباحث مهنّد سلوم لمعهد "كارنيغي" ونشرت في ديسمبر 201٨: "يُنظر إلى الحزب الإسلامي العراقي عموماً على أنه واجهة لتنظيم الإخوان المسلمين، على الرغم من أن المسؤولين في الحزب دأبوا على إنكار ذلك".
ويمكن، بحسب سلّوم، "رؤية تشابه الحزب الإسلامي مع الإخوان المسلمين من خلال المقاربة المشتركة بينهما في انموذج نظام الحكم الإسلامي".
شهد تاريخ العراق ولادة تجربة واضحة لهذا التنظيم في أربعينات القرن الماضي، مع الشيخ محمد محمود الصوّاف. في الثلاثينات، ظهر الصوّاف في الموصل داخل الوسط السني، وحصل على منحة من الأوقاف للدراسة في الأزهر، وهناك في مصر، كما يروي كتاب "دراسات في الحركات الإسلامية المعاصرة في العراق" الذي أعدته مجموعة من المؤلفين، التقى الصوّاف بالشيخ حسن البنا وتأثر به.
عاد الصواف إلى العراق عام 1946 بعد مرور حوالي عقدين على نشأة الإخوان المسلمين في مصر، ونقل التجربة إلى العراق، فأسّس فرع الإخوان في بغداد، وألحق به مجموعات وجمعيات دينية أخرى مثل جمعية الأمر بالمعروف، وفقاً كتاب دراسات في الحركات الإسلامية المعاصرة في العراق.
ويرى الباحثون المشاركون في الكتاب، أن "ظهور الإخوان المسلمين في فترة الأربعينات في العراق جاء كرد فعل على ظهور الأحزاب الشيوعية والابتعاد عن الدين". وقد استفاد النظام الملكي القائم في العراق آنذاك من ظهور الحركة التي "كان يعدّها قطباً مضاداً للشيوعية التي أصبحت حركة جماهيرية مقلقة".
كان الإخوان المسلمون يستثمرون المناسبات الدينية لتوجيه الرأي العام لمبادئهم ونشر أفكارهم واستفادوا من بعض الجرائد العلنية في محاولة لـ"أسلمة" المجتمع العراقي وتحقيق أهداف الإسلام بقيام الدولة الإسلامية وحكومتها "الصالحة التي تطبق وتلبي الحقوق المشروعة للأمة في تحرير الوطن من المستعمر والتخلص من أعوانه وأذنابه" بحسب آرائهم وعقائدهم.
خالد الجبوري، وهو سياسي عراقي انتمى سابقاً إلى الحزب الإسلامي العراقي واستقال منه وتحوّل "إلى الفكر العلماني والليبرالي"، كما يقول لـ"ارفع صوتك"، فإن "الإخوان المسلمين اضطروا مع سقوط النظام البعثي في العراق وظهور الديمقراطية والفكر الليبرالي في البلاد، إلى الظهور العلني".
وأضاف أن "حضورهم محظوراً في فترة حكم البعث، فقدموا أنفسهم في البدء كنموذج مسلح مقاوم للاحتلال الأميركي، ثم تحولوا إلى العمل السياسي تحت راية الحزب الإسلامي العراقي".
ويعتبر الحزب الإسلامي العراقي أول الأحزاب العراقية السنية التي وافقت على المشاركة في العملية السياسية في فترة ما بعد سقوط النظام البعثي. كما يعتبر من الأحزاب ذات النفوذ في الساحة السنية العراقية.
في كردستان أيضاً
يؤكد الكاتب والمحلل السياسي سامان نوح لـ"ارفع صوتك" أن "الإتحاد الإسلامي الكردستاني هو ذراع يمثل الإخوان المسلمين بشكل أو بآخر، وتوجهاته وأفكاره تصب في هذا السياق".
ويشير نوح إلى أن "الإتحاد من أشدّ المؤيدين لحماس في حرب غزة، ودعا إلى تظاهرات في أكثر من مناسبة، وجمهوره متعاطف جداً مع الحركة".
أفرزت حرب غزة نوعاً من الاستقطاب في الشارع الكردي، وخصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي، كما يقول نوح، بين أحزاب سلفية مقربة من السعودية من جهة والاتحاد الإسلامي والأحزاب المقربة من الفكر الإخواني من جهة أخرى.
فالسلفيون، ويشكّلون أقلية، كان موقفهم الصمت أو انتقاد ما فعلته حماس في غزة، على عكس الإخوان المسلمين الذين يعتبرون أن ما قامت به حماس عمل بطولي يؤيدونه ويدعمونه.
يرى الصحافي والباحث العراقي ياسين طه، أن "حضور فكر وثقافة الإخوان المسلمين في العراق وفي إقليم كردستان أيضاً، أصبح قوياً بعد حرب غزة، وأن الفروع المتأثرة بالإخوان في العراق وكردستان لم تكن تتبنى سابقاً الخيارات المسلحة والعسكرية والجهادية، وكانت تعارضها".
لكن حرب غزة، كما يلاحظ طه، غيّرت من خطاب هذه الأحزاب، التي بدأت تتبنى العمليات الجهادية وتدعمها بكل ما أوتيت من قوة، عبر المنابر والخطب والحملات المنظمة في مواقع التواصل الاجتماعي".
واليوم، يبدو الحزب الإسلامي العراقي منغمساً في التحشيد لدعم حركة "حماس" في غزة انطلاقاً من "طبيعته الفكرية والفلسفية والدينية والأيديولوجية" المستمدة من حركة الإخوان المسلمين، كما يؤكد خالد الجبّوري.
ويشير إلى أن "هناك تحديات ستواجه الحزب الإسلامي العراقي، خصوصاً أن الشارع السنّي يتعاطف مع الضحايا المدنيين في غزة، وقد يتعاطف مع حماس كحركة مقاومة".
ويشكّك الجبّوري بحسب تقديره، في تعاطف الشارع السني العراقي مع حركة الإخوان المسلمين، ويرى عكس ذلك، لأن الحرب في غزّة تكشف يوماً بعد يوم أن حماس ترتبط بإيران أكثر من ارتباطها بالقضايا السنية، على حد تعبيره.
وفي ذلك يتفق الجبّوري مع رحيم أبو رغيف الذي يرى أن العراق "ليس أرضية صالحة لا فكرياً ولا ثقافياً للتيارات الدينية، ولم تقدم التيارات الإسلامية مشروع دولة في العراق". وبرأيه فإن "الإخواني يبقى يحاول الوصول إلى السلطة. تحصل هذه الحركة على قوتها في العراق من السياسيين الشيعة".
ويعتقد أبو رغيف أن "أدبيات المفاهيم العامة للإخوان ولولاية الفقيه متشابهة، مثل موقع المرشد غير الموجود إلا في هاتين الحركتين، ومفهوم الشورى مشترك بينهما، والإخوان المسلمون في العراق لا يحيدون عن هذه القاعدة، لكن يتوارون، ويمارسون التقية بشتّى أنواعها".