جانب من انتخابات المجالس المحلية في العراق
تعزيزات أمنية مشددة حول مراكز الاقتراع

للمرة الأولى منذ 10 أعوام، اقترع العراقيون، الاثنين، لاختيار مجالس المحافظات وسط مقاطعة رجل الدين مقتدى الصدر، في وقت رجحت تقارير أن تعزز هذه الانتخابات سلطة الأحزاب والتيارات الشيعية المتحالفة مع إيران.

ونظمت الانتخابات من دون مشاركة التيار الصدري، أحد أبرز التيارات السياسية في العراق، الذي أعلن مقاطعة الانتخابات التي تعقد في 15 محافظة. 

وقالت أسوشيتد برس إن شوارع بغداد بدت شبه خاوية، صباح الاثنين، في اليوم الأول للانتخابات التي ينظر إلى باعتبارها مؤشرا للانتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها عام 2025.

وفي الوقت نفسه، تخيّم حالة من الإحباط على الرأي العام إزاء الانتخابات، في بلد ثري بالنفط، يقطنه 43 مليون نسمة، لكن مؤسساته تعاني من فساد مزمن. 

وتعدّ الانتخابات المحلية استحقاقاً سياسياً مهماً لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يعد بإصلاحات خدمية وتطوير للبنى التحتية المدمرة بعد عقود من النزاعات، وذلك منذ تسلّم الحكم بدعم من غالبية برلمانية لأحزاب وتيارات موالية لإيران، قبل نحو عام.

وأوضح الباحث في مركز أبحاث "شاتام هاوس"، ريناد منصور ، أن "نسبة المشاركة هي المقياس النهائي بشأن مدى الرضى، وإذا ما كانت سياسة السوداني الشعبوية الاقتصادية، وسياسته في منح فرص العمل، ناجحة وقادرة على جذب الجيل الجديد أو لا". 

وتتمتع مجالس المحافظات التي أنشئت عام 2003، بصلاحيات واسعة، وعلى رأسها انتخاب المحافظ ووضع ميزانيات في الصحة والنقل والتعليم، من خلال تمويلات مخصصة لها في الموازنة العامة، التي تعتمد بنسبة 90 في المئة من إيراداتها على النفط.

لكن معارضي مجالس المحافظات يرون أنها "أوكار للفساد" و"تعزز الزبائنية". 

"منافسة كبيرة"

من شأن هذه الانتخابات، كما يرى خبراء، أن تعزز موقع الأحزاب والتيارات الحليفة لإيران، التي تملك الأغلبية البرلمانية وتمثل الأحزاب الشيعية التقليدية وبعض فصائل الحشد الشعبي، حسب فرانس برس. 

ورأى الباحث منصور، أن الانتخابات المحلية "فرصة لتلك الأحزاب لتعود وتثبت أن لديها قاعدة اجتماعية وشعبية". 

كما تحدّث عن "منافسة كبيرة داخل (البيت الشيعي)"، إذ تسعى مكوّناته المختلفة إلى "وضع اليد على مناصب المحافظين". 

وجرى حلّ مجالس المحافظات عام 2019 تحت ضغط شعبي، في أعقاب تظاهرات غير مسبوقة شهدتها البلاد. 

لكن حكومة السوداني تعهدت بإعادتها لتكون هذه الانتخابات الأولى منذ عام 2013، لكن تستثنى منها 3 محافظات منضوية في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، الواقع شمالي البلاد. 

ويتساءل أبو علي، وهو سائق سيارة أجرة، جاء من محافظة المثنى في جنوب العراق إلى بغداد: "لماذا أصوت؟ وبماذا تفيدنا الانتخابات؟". 

ويضيف الرجل البالغ من العمر 45 عاما: "حالنا هو نفسه، مرت سنوات، وتكررت الانتخابات، وجاء مرشحون وتبدلوا بغيرهم، وحالنا نفس الحال". 

العراقيون يصوتون لاختيار مجالس المحافظات للمرة الأولى منذ عقد
انتخابات مجالس المحافظات.. تقرير يتحدث عن "استياء عام" بالشارع العراقي
يتوجه العراقيون في 18 ديسمبر إلى صناديق الاقتراع لاختيار مجالس المحافظات للمرة الأولى منذ عقد، لكن في بلد غني بالنفط ويعاني من الفساد، يرى محللون أن الاقتراع سيكون وسيلة لأحزاب السلطة والفصائل المتحالفة مع إيران لتعزيز حضورها. 

وزاد: "لا يبنون ولا يعمرون، يبحثون عن منافع لأحزابهم فقط.. لا أنتخب ولا أذهب إلى الانتخابات".

ويضم مجلس محافظة بغداد 49 مقعداً، فيما يضمّ مجلس محافظة البصرة على سبيل المثال 22 مقعداً. 

قوة متنامية

وحسب تقرير لرويترز، من المرجح أن يسيطر خصوم الصدر من الشيعة، الذين عرقلوا محاولته لتشكيل حكومة بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية عام 2021، على معظم مجالس المحافظات لا سيما في المحافظات الجنوبية التي تقطنها أغلبية شيعية.

ومن شأن هذا أن يعزز قوة الائتلاف الشيعي الحاكم، المعروف باسم الإطار التنسيقي المقرب من إيران، ويعمق قوته من خلال الوصول إلى ثروات البلاد النفطية التي يمكن إنفاقها على المشروعات والخدمات المحلية.

ويشكل التحالف بالفعل أكبر كتلة في البرلمان بعد انسحاب أعضاء حزب الصدر الذي كان قد قال  إن الانتخابات ستعزز هيمنة الطبقة السياسية الفاسدة.

ويتنافس أعضاء الائتلاف الشيعي على قوائم عدة، إذ شكل رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي قائمته الخاصة بينما تخوض جماعات مدعومة من إيران ذات أجنحة مسلحة قائمة أخرى، لكنهم قالوا إنهم سيحكمون معا بعد الانتخابات.

ويخوض أقوى زعيمين من المسلمين السنة في البلاد، وهما رئيس البرلمان المخلوع محمد الحلبوسي وقطب الأعمال خميس خنجر، المنافسة معا.

ومن بين المرشحين 1600 امرأة، يمثلن نسبة 25 في المئة المحددة لهن، في حين خصصت 10 مقاعد للأقليات المسيحية والإيزيدية والصابئة، في بلد متعدد الإثنيات والطوائف.

وفي المحافظات السنية، يُتوقّع أن يتراجع تحالف "تقدّم"، عقب قرار  المحكمة الاتحادية العليا في نوفمبر، بإقالة زعيمه محمد الحلبوسي من منصبه، رئيسا لمجلس النواب.

أما في محافظة كركوك الغنية بالنفط، شمالي العراق، فيتوقع أن تكون المنافسة أكثر احتداماً، إذ قد تعود إلى الواجهة التوترات بين مختلف المجتمعات المكونة لها من عرب وأكراد وتركمان. 

ومن غير المتوقع أن تؤثر التوترات الإقليمية على خلفية الحرب بين حركة حماس وإسرائيل، التي تطال أيضاً العراق، على هذه الانتخابات. 

وتعرضت القوات الأميركية المنتشرة في العراق في إطار التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة، تبنت معظمها فصائل مسلحة حليفة لإيران. 

وعقد، السبت، تصويت "خاص" لنحو 50 ألف نازح ولنحو مليون شخص من القوات الأمنية. 

وفي كلمة له قبل الانتخابات، مساء الجمعة، حث السوداني العراقيين على التصويت، و"بالخصوص الذين يتلمسون ويستشعرون عمل الحكومة واتجاهها نحو مشاريع الإعمار والتنمية"، وذلك من أجل "اختيار وانتخاب مجالس محافظات قوية ومساندة للعمل التنفيذي".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.