طغى الشأن الاقتصادي على أحداث العراق خلال عام 2023، الذي شهد الإعلان عن مشاريع "كبيرة" أحيت الأمل في تنويع الاقتصاد الأحادي المعتمد على البترول، فيما شغلت الرأي العام تقلبات أسعار الصرف والعقوبات الأميركية على طيف واسع من المصارف.
وفي ديسمبر الحالي، التقى فريق من خبراء صندوق النقد الدولي، بممثلي السلطات العراقية، بهدف مناقشة أحدث التطورات والمستجدات وآفاق التوقّعات الاقتصادية، إلى جانب مناقشة الخطط المتعلقة بالسياسات في الفترة القادمة.
أسفر عن هذه النقاشات، بيان لصندوق النقد، توقع فيه الخبراء نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بنسبة 5% في 2023، على ضوء التوسع الكبير في المالية العامة في إطار قانون موازنة الثلاث سنوات النافذ.
وقال إنه ينبغي للاستمرار في تطبيق الموازنة، أن تتم المساعدة باستمرار النمو غير النفطي القوي في عام 2024.
ورغم تفاؤل الخبراء، إلا أنهم توقعوا أيضاً خفض نمو الناتج المحلي الكلي في عامي 2023 و2024، نتيجة لهبوط الإنتاج النفطي بعد إغلاق خط أنابيب النفط الواصل بين العراق وتركيا، وخفض الإنتاج بناء على طلب مجموعة "أوبيك بلس".
كما تراجعت نسبة التضخم عن الذروة التي بلغتها بمقدار 7% في يناير 2023، بحسب البيان، وتوقع الخبراء استقرار التضخم خلال الأشهر القادمة بفضل اتباع البنك المركزي العراقي سياسة نقدية أكثر تشدداً، إضافة إلى الأثر المتأتي من رفع سعر صرف الدينار العراقي، وانخفاض الأسعار العالمية للأغذية، وعودة عمليات تمويل التجارة لطبيعتها مع تحسن الامتثال لإطار مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
الموازنة الأضخم
أقر العراق منتصف 2023 الموازنة الأضخم في تاريخ البلاد بحوالي 153 مليار دولار (2023-2025)، وعجز مالي وصل إلى 48 مليار دولار سنوياً يعد الأعلى ويزيد بأكثر من الضعف عن العجز المسجل في موازنة 2021 الذي بلغ 19.7 مليار دولار.
وشهدت الموازنة تضخماً كبيراً في النفقات التشغيلية بنحو 75%، جزء منه جاء نتيجة لزيادة أعداد موظفي الدولة وزيادة عدد المستحقين لرواتب الرعاية الاجتماعية ومدفوعات شركات التمويل الذاتي، وعدد غير معروف من المتعاقدين.
ثبتت أسعار برميل النفط عند 70 دولاراً للبرميل الواحد، كما اعتمدت الموازنة تصدير 3.5 ملايين برميل نفط يومياً من ضمنها نحو 400 ألف برميل من حقول كردستان، بينما تم تثبيت سعر صرف العملة الأميركية رسمياً عند 1300 دينار للدولار الواحد وللسنوات الثلاث القادمة.
وسُجلت للموازنة الثلاثية إيجابيات، منها إطلاق الصرف الحكومي وهو الممول الرئيسي للاقتصاد، الذي يسبب غيابه ركوداً في القطاع الخاص؛ فعشرات المشاريع الاستثمارية يرتبط تنفيذها بإقرار الموازنة التي خصصت فيها العديد من الصناديق التنموية للمحافظات الفقيرة والمحررة من داعش.
كما سُجلت سلبيات، على رأسها حجم العجز الكبير المتوقع تمويله من الاقتراض الداخلي والخارجي، ما يعني زيادة المديونية والاعتماد الكبير على النفط في تمويل الموازنة، بالتالي مواجهة خطر تقلبات أسعار النفط وتراجع الإيرادات، مع عدم القدرة على تمويل التزامات الموازنة في ظل عدم القدرة على زيادة الإنتاج وفق الاتفاقيات المبرمة مع "أوبك بلس".
تقلبات أسعار الصرف
شهدت أسعار صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي خلال 2023 تقلبات كبيرة أثرت سلباً على الأسواق المحلية.
وعلى الرغم من أن تقلبات أسعار الصرف بدأت منذ قرار الحكومة العراقية رفعها من 1250 ديناراً لكل دولار إلى 1450 أواخر 2022 ، إلا أن العام الحالي شهد التقلبات الأكثر درامية في تأثيرها، حيث دفع المواطن ثمنها من محفظته بعد ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وعلى أثر الغضب الشعبي وبعد عدة احتجاجات أمام البنك المركزي، قررت الحكومة تخفيض سعر صرف الدولار من جديد ليكون 1300 دينار عراقي مقابل كل دولار أميركي.
هذا القرار لم يلق أذناً مصغية في السوق الموازي حيث ارتفعت أسعار الصرف، لتزامن القرار مع بدء العمل بالمنصة الإلكترونية لتمويل التجارة الخارجية، بغية السيطرة على تهريب العملة الأجنبية، بالإضافة لفرض عقوبات أميركية على 18 مصرفاً عراقياً، بينها أربعة مصارف تستحوذ على نسبة تتجاوز 40% من مبيعات البنك المركزي العراقي لأغراض التحويلات لتمويل التجارة الخارجية.
بالنتيجة، توجه التجار في تمويل تجارتهم إلى السوق المحلية وتسببوا بارتفاع جنوني بأسعار الصرف حتى تجاوز عتبة الـ1600 دينار مقابل كل دولار، وما زال تذبذب أسعار الصرف مستمراً.
طريق التنمية وميناء الفاو
كشف العراق خلال عام 2023 عن خطة طموحة لتطوير بنيته التحتية للسكك الحديدية والطرق ليصبح مركز نقل إقليمي يربط بين أوروبا والخليج.
جاء ذلك على لسان رئيس الوزراء محمد السوداني، الذي أعلن خلال كلمته في افتتاح مؤتمر "طريق التنمية"، بحضور ممثلين عن إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا وسوريا والأردن والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان.
يربط طريق التنمية ميناء الفاو الكبير بتركيا وصولاً إلى أوروبا، ويبلغ طوله 1200 كيلومتر، ممتداً من الحدود مع تركيا في الشمال إلى الخليج العربي جنوباً. من المؤمل أن يكون الطريق حجر الزاوية لاقتصاد مستدام يقلل من الاعتماد المفرط على النفط ويسهم في التكامل الإقليمي.
وفق المشروع، تخطط الحكومة العراقية لإنشاء قطارات عالية السرعة لنقل البضائع بسرعة تبلغ 140 كيلومترا في الساعة. وتقدر التكلفة الأولية للمشروع بـ17 مليار دولار.
ويعتبر طريق التنمية مكملاً لمشروع ميناء الفاو الكبير المؤمل الانتهاء من مرحلته الأولى وتشغيلها في 2025، لذلك عملت الحكومة العراقية على تسريع العمل به خلال 2023، بعد تعثره منذ عام 2010 حين وضع حجر أساسه، بسبب خلافات سياسية داخلية وإقليمية.
وشُيد الميناء الجديد في شبه جزيرة الفاو بمساحة 54 كلم مربع بتكلفة تتجاوز 5 مليارات دولار، وله القدرة على استقبال سفن بغاطس 19 متراً، ويمكن أن يزيد معدل تصدير النفط بواقع 20% وتنشيط التجارة البحرية للعراق.
من المتوقع أيضاً، أن يجني العراق بحلول عام 2038، أربعة مليارات دولار عن نشاط الميناء الجديد، تضاف لها الإيرادات غير المباشرة كخدمات العبور في طريق التنمية، الذي ينافس خطوطاً تجارية عالمية عدة بفضل اختزال الوقت.