تغيرت حياة جاسم حميد بشكل جذري، بعد الحادث المروري الذي أصابه على الطريق الدولي بين بغداد والنجف.
وعدا عن إصابته برضوض شديدة في اليدين والرجلين والقفص الصدري، فقدَ جاسم أخاه البكر وهو أب لخمسة أطفال، كما تهشم وجه شقيقه الآخر، لتتحول حياتهم إلى جحيم ممتد منذ الحادث الذي وقع عام 2020.
يقول لـ"ارفع صوتك": "لم يتطلب الحادث سوى قراراً مفاجئاً من سائق الشاحنة التي أمامنا بتغيير طريقه لتجاوز شاحنة أخرى، وبضع ثوانٍ هي الفترة التي حصل فيها الاصطدام لتتغير بعدها حياتنا بالكامل".
تبعات الحادث كما شرحها جاسم كانت "كثيرة ومتعددة بين المستشفيات ومراكز الشرطة والمحاكم والأعراف العشائرية والروتين والفساد الإداري الذي بسببه ما زالت القضية تراوح مكانها. ناهيك عن مراجعة الأطباء وتكاليف العمليات الجراحية لشقيقي الذي تحطمت عظام وجهه وفقد قدراً كبيراً من نظره وفقد حاسة التذوق أيضاً".
ويشير إلى أن "وفاة الأخ الأكبر تركت أثرها الأكثر قسوة في حياة الأسرة. ثُكلت أمي وترملت زوجته ويُتم أبناؤه الذين فقدوا معيلهم وسندهم في وقت مبكر".
أنواع الحوادث وأسبابها
بين عامي (2018- 2021) شهدت الطرق في العراق أكثر من 50 ألف حادث مروري، توفي بسببها 14,404 شخصاً، ترك أكثر من نصفهم آلاف الأرامل والأيتام والثكالى. أما الجرحى، فتجاوز عددهم 54 ألفاً، تكبدوا أموالا طائلة للعلاج وأصيب الكثير منهم بالعوق.
بالمجمل، فإن هذه الأرقام تعني أن العراق كان يفقد سبعة من مواطنيه يومياً، ويصاب 30 آخرين جراء الحوادث المرورية في طرق توصف الكثير منها بـ "طرق الموت"، هذا كله دون أن يكون إقليم كردستان ضمن الإحصائية.
في تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن حوادث المرور على الطرق أحد الأسباب الرئيسية للوفيات في العراق، حيث أزهقت حياة 75000 إنساناً في الفترة (1979- 2005).
التقرير ذاته كشف أن عبء الإصابات الناجمة عن الحوادث المرورية على الطرق تبلغ أربعة أضعاف تلك التي تنجم عن العمليات الإرهابية.
في حديثه مع "ارفع صوتك"، يقول مدير العلاقات والإعلام في مديرية المرور العامة، العميد زياد القيسي، إن "عام 2023 سجل أكثر من سبعة آلاف حادث مروري، تتنوع بين أربعة أقسام، هي: الدهس والاصطدام والانقلاب والحوادث المركبة، فيما توزعت أسبابها بين السائق والمركبة والطريق".
ويوضح: "يتحمل السائق 65% من أسباب الحوادث، ومعظمها نتيجة السرعة الشديدة واستخدام الهاتف النقال والسير عكس الاتجاه والتهور خلال القيادة واستخدام الشاشة. كما سجلنا حوادث نتيجة الظهور في البث المباشر على مواقع التواصل خلال القيادة، ورصدنا حالات أخرى تتعلق بالسياقة تحت تأثير المسكرات والمخدرات، أو النعاس، خاصة على الطرق الخارجية بين المناطق الشمالية والجنوبية".
يبين القيسي: "هناك طرق تعاني تموجات وتخسفات، تتسبب بحوادث، بالتالي، يتطلب الأمر من السائق أن يقود مركبته بسرعة مناسبة والالتزام بالقانون والنظام المروري، بينما تتسبب المركبات ذاتها في الحوادث، إذا ما كانت غير خاضعة لشروط المتانة والأمان".
ويشير إلى أن "أكبر الحوادث التي حصلت في عام 2023، كانت خلال موسم الزيارة الأربيعينة، وأغلبها بسبب النعاس، ما أدى لمقتل وجرح العشرات من العراقيين وجنسيات أخرى".
وفي وقت سابق أشارت مديرية المرور العامة إلى وقوع 90 حادث سير خلال أيام الزيارة الأربعينية، وكشفت عن تعاطي سائقي المركبات حبوباً تزيل النعاس، نتج عنه وفاة 44 شخصاً وإصابة أكثر من 163 بجروح.
وتمثل ذكرى الأربعين أحد أكبر التجمعات الدينية في العالم، يحيي خلالها المسلمون الشيعة، ذكرى اليوم الأربعين لمقتل الإمام الحسين في واقعة الطف عام 680 ميلادي.
"حرب الشوارع"
يطلق علي الركابي وهو مواطن عراقي، مصطلح "حرب الشوارع" على الحوادث المرورية، نظراً لعددها الكبير وحجم الضحايا اليومي، ويحلم بـ"يوم يمر على العراق دون دماء على أسفلت شوارعه المتهالكة".
ولكثرة الضحايا وقصصهم المؤلمة، قرر الركابي المساهمة في نشر التوعية المرورية عبر إطلاق محتوى رقمي على مواقع التواصل الاجتماعي، بدأه عام 2017.
يقول لـ"ارفع صوتك": إن "سببين رئيسين وراء كثرة حوادث السير في العراق، الأول، قلة وعي سائقي المركبات بخطورة عدم الالتزام بقواعد القيادة، خاصة ما يتعلق بالسرعة المسموح القيادة بها في الطرق المختلفة وصولاً إلى تحديات السرعة بين المركبات. والثاني، الشوارع الرديئة التي تفتقر إلى التأثيث الصحيح وبشكل خاص الطرق الخارجية والسريعة".
ويعتقد الركابي "أهمية تأهيل الطرق وإدامتها ووضع العلامات المرورية والعلامات الأرضية والتخطيط في المنعطفات وإقامة السياج الأمني، ونشر الوعي وتثقيف المجتمع حول القيادة الصحيحة والالتزام بقواعد المرور".
وعن تجربته في نشر الوعي، يقول "حاولت تثقيف سائقي السيارات ممن يقودون مركباتهم دون الالتزام بالقوانين، وكانت النتيجة أنني تعرضت للاعتداء من سائقين مخمورين أو متهورين في القيادة، لذلك قررت الانسحاب إلى التوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت استجابة جيدة من المتابعين".

معالجات
يؤكد العميد زياد القيسي، أن "وزارة الداخلية بدأت في عام ٢٠٢٣ باتخاذ إجراءات للحد من الحوادث، منها استحداث قواطع المرور على الطرق السريعة والدولية، كقواطع البصرة والناصرية والسماوة، وبناء مفارز ثابتة لكل 50 كيلو متر، ونصب نقاط مرورية مشتركة، فيها سيارة للنجدة وشرطة المرور وسيارة للدفاع المدني وأخرى للإسعاف الفوري".
"كما دخلت المديرية في مشروع جديد، وبدأنا بنصب الكاميرات في مرحلة تجريبية على الخطوط السريعة، مثل شارع محمد القاسم والدورة واليوسفية والحلة وأبو غريب، وسنباشر في محافظة الأنبار بنصب رادارات السرعة التي ستسهم في تقليل الحوادث المرورية، لأن السرعة من أسباب الحوادث المرورية"، يشرح القيسي.
يتابع: "بالإضافة إلى استخدام نظام فحص شروط المتانة والأمان الذي يسمى في العراق بنظام (الهزة)، كما صدر قرار مجلس الوزراء بعدم استيراد المركبات المصنعة في الصين وإيران وهو أحد إجراءات السلامة المرورية".
ويضيف أن "الحملة للحد من الحوادث المرورية، تسير عبر توعية السائق من جهة وفرض الغرامات المرورية وتطبيق القانون لردع سائقي المركبات الذين يسيرون بسرعة ولا يلتزمون بقانون المرور".

ويقتني أغلب أصحاب الدخل المحدود السيارات الإيرانية للعمل بها كسيارة أجرة لرخص ثمنها وأسعار صيانتها مقارنة بالأنواع الأخرى من السيارات، رغم افتقارها لشروط المتانة والأمان.
وفي رده على سؤال يتعلق بوجود آلاف السيارات المتدنية المواصفات في الشارع، يقول القيسي، إن "الاستيراد سابقاً كان عشوائياً والفحص في المرور يتم بالعين المجردة، لكننا بدأنا العمل وفق التكنولوجيا الحديثة لفحص متانة المركبات وواجهنا في البداية رفضاً ومعارضة من أصحابها، لذللك قررنا التدرج في العمل من السيارات الحديثة التي تدخل العراق لأول مرة، ثم شمول عمليات البيع والشراء بفحص المتانة والأمان"، يوضح القيسي.