يرتبط العراق حدودياً مع أربع دول عربية، سوريا والسعودية والكويت والأردن، ودولتين غير عربيتين، هما تركيا وإيران.
تشكّلت حدوده بعد انهيار الدولة العثمانية وهزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، إذ سعت بريطانيا إلى دمج ولايات الموصل وبغداد والبصرة في دولة واحدة، لتتشكل حدود العراق.
اتُفِق على ترسيم حدود البلاد خلال مؤتمر القاهرة في مارس عام 1921، أي قبل ثلاثة أشهر من وصول الملك فيصل الأول إلى العراق، ولم يُتفق عليها نهائياً إلا مع إقرار اتفاق بروكسل عام 1926، حيث ضُمت ولاية الموصل.
يعيد المؤرخ كمال ديب في كتابه "موجز تاريخ العراق"، بدايات العراق الحديث إلى القرن التاسع عشر حيث "توضّحت جغرافيته من جراء ارتباطه بالاقتصاد العالمي والتغلغل في مناطق الإمبراطورية العثمانية".
لكن ريفا سبكتر سيمون وهي مؤلفة كتاب "العراق بين الحربين العالميتين: الجذور العسكرية للطغيان"، تشير إلى أن "العراق أُنشأ بشكل مصطنع في نهاية الحرب العالمية الأولى بناء على طلب من البريطانيين الذين رسّموا الحدود الجديدة في مؤتمر القاهرة، مشكّلين دولة العراق من الأقاليم العثمانية الثلاثة السابقة، بغداد والبصرة والموصل".
ومنذ ذلك الحين، بقيت حدود العراق حتى يومنا هذا مصدراً للصراعات والإشكالات و"المطامع".
تحدّيات للسيادة العراقية
شكّلت طبيعة العراق الجغرافية تحديات أساسية لسيادته، فهو "بسبب طبيعة أرضه، لا يتمتّع في أيّ جهة من جهاته الأربع بحدود تشكّل حواجز طبيعية يمكن الدفاع عنها في وجه الاعتداءات الخارجية، هو في لغة الاستراتيجية العسكرية أشبه ببلد مكشوف"، وفقاً لوصف رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي في كتابه "مسألة العراق: المصالحة بين الماضي والمستقبل".
يرى الكاظمي أن الحدود سيف ذو حدّين، ويقول إن "طبيعة الجوار الإيراني - العراقي، التركي - العراقي من جهة، والجوار العربي- العراقي من جهة ثانية، ساعدت كثيراً على توحيد العراق في بعض الأوقات، وعملت في أوقات أخرى على تشتّت الجهود لتوحيد العراقيين".
وتعاني الحدود العراقية من مشكلات عدة، فمن الشمال تتجاوزها القوات العسكرية التركية وتتوغل فيها، ومن الغرب تسيطر على أجزاء منها ميليشيات قاتلت إلى جانب القوات العراقية في حربها على الإرهاب، ومن الشرق، توغلت فيها إيران أيضاً، ومن الجنوب، فنزاع مع الكويت لم ينته بعد.
بحسب الدكتور أحمد باور، الأستاذ المساعد في قسم التاريخ في جامعة "كارميان"، فإن "حدود العراق مع الدول العربية استقرت إلى حد كبير بعد استقلاله، باستثناء الحدود مع الكويت، حيث خرجت بعض الأصوات في العهدين الملكي والجمهوري تطالب بإلحاق إمارة الكويت بالعراق. بقيت هذه الأصوات تتكرر حتى اجتاح صدّام حسين الكويت عام 1990، وما تزال هناك الكثير من القضايا العالقة بين البلدين، بينها قضية ترسيم الحدود البرية والبحرية".
رسّمت الأمم المتحدة الحدود بين البلدين عام 1993، لكنه ترسيماً لم يغط الحدود البحرية، التي ما تزال حتى اليوم موضع خلاف بينهما.
وفي سبتمبر ٢٠٢٣ تدخل مجلس التعاون الخليجي في النزاع العراقي الكويتي، ودعا العراق إلى "احترام سيادة" الكويت وعدم انتهاك القرارات الدولية.
وركز المجلس في دعوته، على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 في عام 1993، حول ترسيم الحدود بين البلدين واتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، حيث تودع نسخة منها لدى الأمم المتحدة.
يوضح باور لـ"ارفع صوتك" أن "المشاكل الحدودية مع المملكتين الأردنية والسعودية لم تكن مستعصية كما هي الحال مع الكويت، وأنّ معظم المسائل المطروحة حينذاك كانت تتعلق بالعشائر".
ويضيف: "كانت السعودية في حينها تتطلع إلى الأخذ بترسيم الحدود على أساس عشائري، بمعنى أن تنضم المناطق العشائرية إلى البلد الذي تواليه العشيرة، لكن المندوب البريطاني بيرسي كوكس لم يوافق، ورُسِمت الحدود بينهما برعاية بريطانية عبر التوقيع على معاهدة العقير في ديسمبر عام 1922".
حدود متوترة وأخرى ثابتة
لم يوقّع العراق بعد استقلاله رسمياً على أي ترسيم نهائي للحدود، باستثناء تركيا عام 1989، حين شكلا وفدين سارا على الأقدام ووضعا الدعّامات، واليوم تغير الوضع كثيراً، وفقاً للخبير الأمني العراقي أعياد طوفان.
يقول طوفان لـ "ارفع صوتك" إن "حدود العراق مع إيران وتركيا والكويت، متوترة وغير مضبوطة، وتشّكل عقبات كبيرة. أخذت إيران خمسة حقول نفطية مهمة عبر توغلها لسبعة كيلومترات داخل الحدود العراقية، فضلاً عن تجاوزات أخرى كثيرة".
الحدود البحرية مع الكويت، تعرضت أيضاً لتجاوزات، وفقا لطوفان، الذي أشار أيضاً إلى تركيا وقال إنها "تنتهك السيادة العراقية وتتوغل برياً داخل الحدود العراقية إلى مسافة تصل إلى خمسة عشر كيلومتراً".
ويضيف: "أما إيران، فقطعت عنا أكثر من أربعين نهراً ورافداً، وغيرت مجاريهم باتجاه أراضيها، وحولت الأملاح والنفايات الزائدة من أنهرها وروافدها إلى شط العرب في البصرة وتسببت بكثير من الملوحة والتلوث".
استاذ التاريخ أحمد باور يتحدث عن "أطماع إيرانية" تاريخية في العراق منذ ما قبل الثورة الإسلامية، ويقول إن "الخميني حاول تصدير الثورة الإيرانية إلى العراق، وبعد نشوب الحرب الإيرانية العراقية بفترة بسيطة، ألغى صدام حسين اتفاقية الجزائر".
واتفاقية الجزائر، هي معاهدة لترسيم الحدود بين العراق وإيران وقعها الرئيس العراقي صدام حسين مع شاه إيران محمد رضا بهلوي برعاية الرئيس الجزائري هواري بومدين في مارس عام 1975.
الأوضاع الحدودية الأكثر استقراراً مع الأردن والسعودية، كما يشرح طوفان، حيث "الحدود واضحة وثابتة والمخافر موجودة من الجانبين، ولم تحدث فيها أية تجاوزات تذكر".
أما مع سوريا، فسيطر عليها تنظيم "داعش" عام ٢٠١٤، قبل أن تحررها القوات العراقية والتحالف الدولي وتمسك بها قوات حرس الحدود العراقية.
ما تزال قوات التحالف الدولي تلعب دوراً أساسياً في ضبط الحدود بين العراق وسوريا، ومنع تسرّب المقاتلين، خاصة بقايا مقاتلي تنظيم "داعش".
وبحسب ورقة بحثية لمركز "كارنيغي" فإن "الفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران تنتشر على جانبي الحدود العراقية السورية، وبعض هذه الفصائل كان يعبر الحدود بصورة منتظمة لدعم القوات المتحالفة مع النظام السوري، حتى أنها كانت تسيطر على خطوط التهريب، مستفيدة من إغلاق المعابر الحدودية النظامية".
يؤكد طوفان أن "الدولة العراقية تعمل على ضبط حدودها مع سوريا عبر حفر خنادق ووضع أسلاك شائكة وكاميرات مراقبة والتخطيط لبناء أسوار خراسانية، بالإضافة إلى تسيير دوريات مستمرة على الحدود".
ويرى أن "التجاوزات على الحدود السورية العراقية تقتصر اليوم على منفذين حدوديين يسيطر عليهما حزب الله اللبناني، أحدهما، منفذ شمال القائم والآخر منفذ السكك".