في عام 2019، اندلعت في العراق مظاهرات قوية يقودها الشباب مطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي تصدت لها القوات الأمنية بعنف شديد.

تشير إحصائيات وزارة التخطيط العراقية إلى أن نسبة الزيادة السكانية السنوية في البلاد تصل إلى 2.5%، بواقع 850 ألفاً إلى مليون ولادة جديدة كل عام.

وعلى الرغم من أن العراق مجتمع فتي، إلا أن غالبية الشباب ما زالوا يتطلعون إلى الحصول على فرص عمل لتوفير الدخل اليومي لهم ولعائلاتهم. وينتظر معظمهم التعيينات الحكومية في ظل ضعف القطاع الخاص وتضاؤل الفرص.

ترى المهندسة المدنية من بغداد، خلود ظاهر، أن على الحكومة العراقية الاهتمام بتوفير فرص العمل للطاقات الشبابية المحلية في القطاعين الخاص والعام، وتفضلّها على الأيدي العاملة الأجنبية. فحينها "من الممكن القول إن العراق نجح في استثمار ثرواته البشرية".

رغم مرور خمس سنوات على تخرجها، ما تزال خلود تبحث مع بعض زميلاتها عن فرص عمل، لكن دون جدوى. تقول لـ"ارفع صوتك": "قدمنا طلبات الحصول على العمل للعديد من الوزارات. وبالنسبة لشركات القطاع الخاص، فإن رواتبها قليلة وتطلب من المتقدم خبرة عدة سنوات، في حين لم يُفسح المجال لنا لتحصيل هذه الخبرة بعد. بالتالي لا تشملنا الشروط".

"لذلك ننتظر الوظائف الحكومية ونعلم أننا لن ندركها قريباً"، تؤكد خلود.

وتتجاوز البطالة في العراق ١٥ في المئة، حسب إحصائيات البنك الدولي.

وكان كلاوديو كوردوني، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق للشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، صرّح في كلمته خلال مؤتمر "الرافدين"  في فبراير 2023، الذي أقيم في محافظة النجف، أن "العديد من الشباب في العراق يشعرون بالقلق الحقيقي بشأن فرص عملهم. ويتعين على الحكومة تبني سياسات توظيف توفر فرصاً اقتصادية مستدامة، وليس فقط الاعتماد على عائدات النفط وتوسيع القطاع العام".

وحسب البنك الدولي، فإن العراق "يُعد واحداً من أكثر البلدان اعتماداً على النفط في العالم. فعلى مدار العِقد الماضي شكلت عائدات النفط أكثر من 99% من صادراته، و85% من موازنته الحكومية، و42% من إجمالي ناتجه المحلي". في المقابل، تبقى باقي القطاعات الاقتصادية ضعيفة جدا.

ما الحل؟

"هناك عدم جديّة من قبل الحكومة العراقية في التعامل مع قضايا الشباب"، يقول الصحافي  المختص بقضايا التنمية البشرية، حيدر عدنان.

ويرى عدنان أن هذا التعامل دفع الشباب إلى التوجه للوظائف الحكومية التي تثقل الموازنة المالية للبلد أساساً.

في حديثه مع "ارفع صوتك"، يقترح عدنان بأن تقوم الحكومة بـ"إجراءات فعالة لتشجيع الاستثمارات وتوفير فرص العمل، وتوفير بيئة آمنة وملائمة للمستثمرين من أجل تنشيط القطاع الخاص وتطوير الاقتصاد الوطني".

ويتعين على الحكومة أيضا تبني إستراتيجيات شاملة لتنمية الشباب في جميع المجالات، بما في ذلك توفير برامج تنموية وتطويرية. وهذا يتطلب أيضا دعم الابتكار والإبداع، وتمكين العقول الشابة للمساهمة في قيادة البلاد نحو التقدم والتنمية، بحسب عدنان.

في عام 2022، كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)،  أن 59.2% من الشباب العراقيين، في الفئة (15- 24) عاما، يفتقرون إلى المهارات الرقمية التي تمكنهم من أداء الأنشطة الأساسية المرتبطة بالكمبيوتر.

ويوضح عدنان: "يفتقرون إلى فرص الحصول على التعليم القائم على المهارات الحياتية، والقابلية للتوظيف، والمهارات الريادية التي ستمكنهم من الانتقال السلس إلى سوق العمل".

 

خطط الحكومة

يؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، أن التقرير الخاص بالتقديرات السكانية للعراق عام 2023، أظهر أن 40% من السكان تقريباً بعمر 15 سنة فما دون، و57% أعمارهم بين 15 سنة و64 سنة. وبالتالي فإن العراق "مجتمع شاب وفتيّ"، كما يقول.

ويضيف عبد الزهرة لـ"ارفع صوتك": "هذه الثروة البشرية ورأس المال البشري المهم، يحتاج إلى استثمار بشكل أمثل، لذلك وضعنا في وزارة التخطيط الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في العراق، التي تضمنت 11 محورا. كل محور غطى جانباً من جوانب حياة الإنسان من الطفولة إلى الكهولة".

المحاور، بحسب الهنداوي، هي: الصحة والتعليم والطفولة والشباب وتمكين الشباب ومحور خاص بالتغييرات المناخية ومواجهة هذه التغييرات وتقليل آثارها على المجتمع، ومحور عن السكن ودعم الفئات الهشة من المجتمع ككبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، ومحور يتعلق بالهجرة ومعالجة أسبابها، وآخر يتعلق بالتنمية والتنمية الريفية، ومحور مرتبط بتبني ومناصرة هذه السياسات السكانية.

ويشير إلى أن وزارة التخطيط "معنيّة برسم السياسات ووضع الخطط ضمن الوثيقة الوطنية أو السياسات السكانية"، بينما لا يقع التنفيذ على عاتق الحكومة فقط، حيث يوجد شركاء من القطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان سير هذه السياسات وفق ما خُطط له، بشكل سليم.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.