تشير إحصائيات وزارة التخطيط العراقية إلى أن نسبة الزيادة السكانية السنوية في البلاد تصل إلى 2.5%، بواقع 850 ألفاً إلى مليون ولادة جديدة كل عام.
وعلى الرغم من أن العراق مجتمع فتي، إلا أن غالبية الشباب ما زالوا يتطلعون إلى الحصول على فرص عمل لتوفير الدخل اليومي لهم ولعائلاتهم. وينتظر معظمهم التعيينات الحكومية في ظل ضعف القطاع الخاص وتضاؤل الفرص.
ترى المهندسة المدنية من بغداد، خلود ظاهر، أن على الحكومة العراقية الاهتمام بتوفير فرص العمل للطاقات الشبابية المحلية في القطاعين الخاص والعام، وتفضلّها على الأيدي العاملة الأجنبية. فحينها "من الممكن القول إن العراق نجح في استثمار ثرواته البشرية".
رغم مرور خمس سنوات على تخرجها، ما تزال خلود تبحث مع بعض زميلاتها عن فرص عمل، لكن دون جدوى. تقول لـ"ارفع صوتك": "قدمنا طلبات الحصول على العمل للعديد من الوزارات. وبالنسبة لشركات القطاع الخاص، فإن رواتبها قليلة وتطلب من المتقدم خبرة عدة سنوات، في حين لم يُفسح المجال لنا لتحصيل هذه الخبرة بعد. بالتالي لا تشملنا الشروط".
"لذلك ننتظر الوظائف الحكومية ونعلم أننا لن ندركها قريباً"، تؤكد خلود.
وتتجاوز البطالة في العراق ١٥ في المئة، حسب إحصائيات البنك الدولي.
وكان كلاوديو كوردوني، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق للشؤون السياسية والمساعدة الانتخابية، صرّح في كلمته خلال مؤتمر "الرافدين" في فبراير 2023، الذي أقيم في محافظة النجف، أن "العديد من الشباب في العراق يشعرون بالقلق الحقيقي بشأن فرص عملهم. ويتعين على الحكومة تبني سياسات توظيف توفر فرصاً اقتصادية مستدامة، وليس فقط الاعتماد على عائدات النفط وتوسيع القطاع العام".
وحسب البنك الدولي، فإن العراق "يُعد واحداً من أكثر البلدان اعتماداً على النفط في العالم. فعلى مدار العِقد الماضي شكلت عائدات النفط أكثر من 99% من صادراته، و85% من موازنته الحكومية، و42% من إجمالي ناتجه المحلي". في المقابل، تبقى باقي القطاعات الاقتصادية ضعيفة جدا.
ما الحل؟
"هناك عدم جديّة من قبل الحكومة العراقية في التعامل مع قضايا الشباب"، يقول الصحافي المختص بقضايا التنمية البشرية، حيدر عدنان.
ويرى عدنان أن هذا التعامل دفع الشباب إلى التوجه للوظائف الحكومية التي تثقل الموازنة المالية للبلد أساساً.
في حديثه مع "ارفع صوتك"، يقترح عدنان بأن تقوم الحكومة بـ"إجراءات فعالة لتشجيع الاستثمارات وتوفير فرص العمل، وتوفير بيئة آمنة وملائمة للمستثمرين من أجل تنشيط القطاع الخاص وتطوير الاقتصاد الوطني".
ويتعين على الحكومة أيضا تبني إستراتيجيات شاملة لتنمية الشباب في جميع المجالات، بما في ذلك توفير برامج تنموية وتطويرية. وهذا يتطلب أيضا دعم الابتكار والإبداع، وتمكين العقول الشابة للمساهمة في قيادة البلاد نحو التقدم والتنمية، بحسب عدنان.
في عام 2022، كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف)، أن 59.2% من الشباب العراقيين، في الفئة (15- 24) عاما، يفتقرون إلى المهارات الرقمية التي تمكنهم من أداء الأنشطة الأساسية المرتبطة بالكمبيوتر.
ويوضح عدنان: "يفتقرون إلى فرص الحصول على التعليم القائم على المهارات الحياتية، والقابلية للتوظيف، والمهارات الريادية التي ستمكنهم من الانتقال السلس إلى سوق العمل".
خطط الحكومة
يؤكد المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبدالزهرة الهنداوي، أن التقرير الخاص بالتقديرات السكانية للعراق عام 2023، أظهر أن 40% من السكان تقريباً بعمر 15 سنة فما دون، و57% أعمارهم بين 15 سنة و64 سنة. وبالتالي فإن العراق "مجتمع شاب وفتيّ"، كما يقول.
ويضيف عبد الزهرة لـ"ارفع صوتك": "هذه الثروة البشرية ورأس المال البشري المهم، يحتاج إلى استثمار بشكل أمثل، لذلك وضعنا في وزارة التخطيط الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية في العراق، التي تضمنت 11 محورا. كل محور غطى جانباً من جوانب حياة الإنسان من الطفولة إلى الكهولة".
المحاور، بحسب الهنداوي، هي: الصحة والتعليم والطفولة والشباب وتمكين الشباب ومحور خاص بالتغييرات المناخية ومواجهة هذه التغييرات وتقليل آثارها على المجتمع، ومحور عن السكن ودعم الفئات الهشة من المجتمع ككبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، ومحور يتعلق بالهجرة ومعالجة أسبابها، وآخر يتعلق بالتنمية والتنمية الريفية، ومحور مرتبط بتبني ومناصرة هذه السياسات السكانية.
ويشير إلى أن وزارة التخطيط "معنيّة برسم السياسات ووضع الخطط ضمن الوثيقة الوطنية أو السياسات السكانية"، بينما لا يقع التنفيذ على عاتق الحكومة فقط، حيث يوجد شركاء من القطاع الخاص والمجتمع المدني لضمان سير هذه السياسات وفق ما خُطط له، بشكل سليم.