فريدة عباس خلال تواجدها عند النصب التذكاري للإبادة الجماعية للأيزيديين في سنجار شمال العراق
فريدة عباس خلال تواجدها عند النصب التذكاري للإبادة الجماعية للأيزيديين في سنجار شمال العراق

في أغسطس عام 2014 اجتاح تنظيم "داعش" قضاء سنجار شمالي العراق،  واختطف النساء وقتل الأطفال والرجال، وسيطر على معقل أتباع الديانة الإيزيدية.

كانت فريدة عباس خلف، واحدة من اللاتي اختطفهن التنظيم الإرهابي، لكنها تمكنت من النجاة.

منذ 9 سنوات تسعى خلف إلى محاكمة عناصر "داعش" على المستوى الدولي، وتحضر نشاطات وفعاليات دولية، للتعريف بالإبادة الإيزيدية التي حلّت بأبناء جلدتها.

بحسب إحصائيات رسمية صادرة عن مكتب إنقاذ المختطفين الإيزيديين التابع لإقليم كردستان، اختطف التنظيم 6417 إيزيدياً، غالبيتهم من النساء والأطفال، كما تسبب بتشريد  أكثر من 350 ألف آخرين، نزحوا إلى مدن الإقليم، وما يزال أغلبهم في مخيمات النزوح.

وأُنقِذ 3576 مختطفا إيزيدياً حتى الآن، معظمهم من النساء، أما البقية فبين مختطف ومفقود.

 

قصّتها

اختطفها التنظيم عندما اجتاح سنجار، وبقيت بقبضته نحو ٤ أشهر تعرضت خلالها إلى تعذيب جنسي وجسدي، قبل أن تتمكن من الفرار.

نجحت خلف في الاستفادة من معاناتها وبدأت بالدفاع عن حقوق الإيزديين وضحايا الإرهاب الآخرين، وتعريف العالم بالإبادة التي تعرضوا لها على يد "داعش".

"المعاناة التي تعرضنا لها جعلتنا أقوياء أكثر، قضيتنا ليست قضية شخص واحد بل هي قضية دين كامل"، تقول خلف لـ"ارفع صوتك".

وتضيف: "هذا ما دفعني للمواظبة على المشاركة في فعاليات دولية، لسرد تجربتي، على الرغم من أنه ليس بالأمر السهل".

وتتابع: "من المهم أن ندافع عن مجتمعنا وعن حقوق النساء والأطفال في العراق والعالم. الناجيات والناجون الإيزيديون وغيرهم ممن شهدوا الإبادة، لم يتعافوا كلياً من آثار الصدمة، لكنهم تعافوا بشكل جزئي للدفاع عن قضيتهم".

الشفاء الكلّي، بحسب خلف، "أمر صعب طالما هنالك عدالة غائبة".

عاشت خلف في مخيمات النزوح، برفقة أخيها الذي تمكن هو الآخر من النجاة، ولاحقاً تمكنّا، من الهجرة إلى ألمانيا، برفقة أكثر من ألف ناجية وناجٍ آخرين، ضمن برنامج للحكومة الألمانية وولاية بادن فورتمبيرغ.

يقدم البرنامج دعماً نفسياً وصحياً وتعليمياً للناجين من الإبادة.

استكملت تعليمها عبر البرنامج بالتزامن مع نشاطاتها في المناصرة. تعمل حالياً مساعد طبيب أسنان في ألمانيا إلى جانب عملها ونشاطاتها المدنية.

ألفت خلف بعد وصولها إلى ألمانيا، كتاباً بعنوان "الفتاة التي هزمت داعش"، تحدثت فيه عن حياتها قبل اجتياح التنظيم منطقتها وما بعده، ومعاناتها وما تعرضت له من تعذيب على يد الإرهابيين، وأيضاً ما تعرض له غيرها من الإيزيديين.

ترجم الكتاب لعدة لغات ونشر في الكثير من الدول.

في عام ٢٠١٩ قررت مع مجموعة من الناجيات والناشطين الإيزديين، تأسيس منظمة مجتمع مدني باسم "منظمة فريدة العالمية"، ومقرها ألمانيا، للعمل بشكل أكثر تنظيما من أجل دعم الناجيات والناجين.

لا يقتصر الدعم الذي تقدمه المنظمة على الإيزديين فقط، بل يشمل ضحايا "داعش" من المكونات الأخرى في العراق.

تركز المنظمة التي تترأسها فريدة، على عدد من المحاور الرئيسية في تقديم الدعم للناجيات والناجين، وتتمثل في دعم قانون الناجيات الإيزيديات.

كما تقود المنظمة الناجيات من خلال تقديم طلباتهن وتوعيتهن بشكل شامل حول القانون، عبر فريق المنظمة في العراق، الذي تُشكل الناجيات جزءاً رئيسياً منه.

تقوم المنظمة بتقديم مشاريع لدعم التعليم الرسمي والمنهجي، من خلال دورات تقوية لطلاب المرحلتين المتوسطة والإعدادية، بالإضافة إلى برنامج لتطوير مهاراتهم في استخدام الكمبيوتر وتعليمهم اللغتين الإنجليزية والألمانية ومحو الأمية، وتقديم ورشات حول القيادة والتواصل والحماية، والديمقراطية والمناصرة.

تعتقد خلف أن الناجيات والناجين نجحوا في إيصال أصوات الإيزيديين وقضيتهم على المستويين المحلي والدولي، وتشير إلى أن الاعتراف الرسمي من دول عديدة بالإبادة الجماعية التي تعرضنا لها، دليل على ذلك.

وبعد مرور 10 سنوات على الإبادة، ما زالت غالبية الإيزديين نازحة في المخيمات، بالتالي يجب توفير الأمن والاستقرار، وتسليمهم إدارة مناطقهم، وتعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم، وإيجاد فرص عمل، وأن يكون قرار الإيزيديين بيدهم، واحترامهم كجزء أساسي من العراق وإقليم كردستان،  على حد قولها.

تواصل منظمة فريدة العالمية العمل لتقديم عناصر "داعش" داخل العراق وخارجه إلى العدالة ومحاكمتهم على الجرائم التي ارتكبوها.

تتابع خلف: "كان هدفنا الأسمى وحلمنا الكبير أن يحاكم ويحاسب عناصر داعش ليس في العراق فحسب، إنما على مستوى دولي. لكن ذلك لم يتحقق بشكل مُرضٍ حتى الآن".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.