بات مألوفا في العراق غياب نتائج غالبية اللجان التحقيقية الحكومية والبرلمانية المُشكلة عقب كل حادث أو قضية تشهدها البلاد.
ومهما كان ملف الحادث شائكا ومؤثرا، بات كثير من العراقيين يعتبرونه منتهيا حال إسناده للجنة تحقيق رسمية.
في هذا الشأن، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية، عصام كاظم الفيلي، أن اللجان أحياناً تكاد تكون "مخرجاً" لكثير من الجهات المتهمة.
ويقول لـ"ارفع صوتك" إن طبيعة وشكل النظام السياسي "القائم على أساس التوافقية والمصلحية وتحقيق مصالح الإقطاعيات السياسية الكبيرة، يمنع من توجه اللجان التحقيقية نحو إحقاق الحق، كما هو الهدف من تشكيلها في العالم".
ويضيف: "يتدخل كبار الشخصيات لتزكية بعض الوزراء، وهناك من يحصلون على الحصانة من قبل رئيس الكتلة البرلمانية أو الزعيم السياسي الفلاني... لذلك، فإن كل نتائج التحقيقات التي نتحدث عنها لا تجد لها صدى واسعاً"، يتابع الفيلي.
ومن أبرز اللجان التي تم تشكيلها في العراق منذ عام 2003، ولم تُعلن لها نتائج أو تُنفذ قراراتها وتوصياتها:
1- عام 2006: لجنة التحقيق في صفقة أجهزة كشف المتفجرات المغشوشة التي لم تسفر التحقيقات الخاصة بها عن اعتقال أي من المسؤولين المتورطين.
2- عام 2012: لجنة التحقيق في صفقة الأسلحة الروسية الفاسدة التي أعلنت الحكومة العراقية إلغاءها في البداية، لوجود شبهات فساد، لكنها عادت وشكلت لجنة جديدة وصفتها بأنها "الأكثر تخصصا" لاستكمال الصفقة، التي أُبرمت في ما بعد بين الجانبين.
3- عام 2015: لجنة التحقيق في سقوط الموصل التي ظلت نتائجها طي الكتمان.
4- عام 2018: لجنة التحقيق في تفجيرات الكرادة التي أسفرت عن مقتل 324 شخصاً. ولجنة التحقيق في عمليات الاغتيال والاختطاف التي طالت ناشطين ومثقفين وفنانين ومشاهير عراقيين.
في العام نفسه أيضاً، تم تشكيل لجنة التحقيق في حرق أكبر مخازن صناديق الاقتراع بعد الانتخابات التشريعية.
5- عام 2019: لجنة التحقيق في قتل مئات المتظاهرين في احتجاجات تشرين. ولجنة التحقيق في الحريق الذي نشب في دار تأهيل المشردات في بغداد.
6- عام 2023: لجنة التحقيق في حريق قاعة الهيثم في مدينة الحمدانية شرق الموصل، واللجان التحقيقية الخاصة حول الهجمات التي طالت السفارة الأميركية وإقليم كردستان.
7- يناير 2024: أحدث هذه اللجان هي التي شكلها رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في 27 يناير الماضي، للتحقيق في الهجوم الصاروخي الذي تعرض له حقل خورمور الغازي في إقليم كردستان.
صلاحيات محدودة
طبيعة النظام القانوني في العراق، بحسب أستاذ القانون الدستوري المساعد في الجامعة المستنصرية، وائل البياتي، لا يعطي اللجان التحقيقية صلاحية إصدار قرارات، إنما التوصية ورفع توصياتها للجهة الأعلى التي أمرت بتشكيلها، وتملك صلاحية قرار الأخذ بالتوصيات والعمل بموجبها، بالتالي يواجه عملها التسويف في كل المراحل.
من الأسباب الأخرى للمماطلة في عمل هذه اللجان، حسب البياتي، كون أغلبها في الأساس يمثل "طريقة لامتصاص غضب الجماهير وتهدئة الرأي العام، بانتظار صدور النتائج حتى ينسى أو يتناسى الأمر".
ويوضح البياتي لـ"ارفع صوتك": "الديمقراطية التوافقية وأسلوب تطبيقها في العراق يقتضي أن يكون هناك توافق بين الكتل السياسية الكبيرة على ما يتم إعلام الجمهور به من حقائق وما يخفى عنه. وبالتالي نجد الكثير من نتائج التحقيق منذ عام 2003 ولغاية الآن لم يعلن عنها للجمهور، وإذا أعلن سيكون الجزء اليسير الذي يتلاءم مع تطلعات الكتل السياسية".
في الوقت نفسه، يرى خبراء قانونيون أن عدم وجود قانون خاص بحق الحصول على المعلومات بالنسبة للمواطنين، يمثل "عائقا" أمام الوصول إلى حقيقة ما تنجزه اللجان، التي يفترض أن تكون توصياتها وإجراءاتها وما توصلت إليه من حقائق محل إعلان للجمهور.
يؤكد الباحث السياسي والأكاديمي، فراس النجماوي، أن أغلب اللجان المشكلة في العراق "غير مبنية على الخبرة والكفاءة المطلوبة"، ما أدى إلى الشعور العام بين العراقيين، بأن عمل اللجان بلا جدوى، خصوصاً بوجود أمثلة من التجارب السابقة الشاهدة على ذلك.