عراقيون يؤدون صلاة الجمعة وفي الخلفية موقع تفجير الكرادة سنة 2016/ وكالة الصحافة الفرنسية
عراقيون يؤدون صلاة الجمعة وفي الخلفية موقع تفجير الكرادة سنة 2016/ وكالة الصحافة الفرنسية

بات مألوفا في العراق غياب نتائج غالبية اللجان التحقيقية الحكومية والبرلمانية المُشكلة عقب كل حادث أو قضية تشهدها البلاد.

ومهما كان ملف الحادث شائكا ومؤثرا، بات كثير من العراقيين يعتبرونه منتهيا حال إسناده للجنة تحقيق رسمية.

في هذا الشأن، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية، عصام كاظم الفيلي، أن اللجان أحياناً تكاد تكون "مخرجاً" لكثير من الجهات المتهمة.

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن طبيعة وشكل النظام السياسي "القائم على أساس التوافقية والمصلحية وتحقيق مصالح الإقطاعيات السياسية الكبيرة، يمنع من توجه اللجان التحقيقية نحو إحقاق الحق، كما هو الهدف من تشكيلها في العالم".

ويضيف: "يتدخل كبار الشخصيات لتزكية بعض الوزراء، وهناك من يحصلون على الحصانة من قبل رئيس الكتلة البرلمانية أو الزعيم السياسي الفلاني... لذلك، فإن كل نتائج التحقيقات التي نتحدث عنها لا تجد لها صدى واسعاً"، يتابع الفيلي.

ومن أبرز اللجان التي تم تشكيلها في العراق منذ عام 2003، ولم تُعلن لها نتائج أو تُنفذ قراراتها وتوصياتها:

1- عام 2006: لجنة التحقيق في صفقة أجهزة كشف المتفجرات المغشوشة التي لم تسفر التحقيقات الخاصة بها عن اعتقال أي من المسؤولين المتورطين.

2- عام 2012: لجنة التحقيق في صفقة الأسلحة الروسية الفاسدة التي أعلنت الحكومة العراقية إلغاءها في البداية، لوجود شبهات فساد، لكنها عادت وشكلت لجنة جديدة وصفتها بأنها "الأكثر تخصصا" لاستكمال الصفقة، التي أُبرمت في ما بعد بين الجانبين.

3- عام 2015: لجنة التحقيق في سقوط الموصل التي ظلت نتائجها طي الكتمان.

4- عام 2018: لجنة التحقيق في تفجيرات الكرادة التي أسفرت عن مقتل 324 شخصاً. ولجنة التحقيق في عمليات الاغتيال والاختطاف التي طالت ناشطين ومثقفين وفنانين ومشاهير عراقيين.

في العام نفسه أيضاً، تم تشكيل لجنة التحقيق في حرق أكبر مخازن صناديق الاقتراع بعد الانتخابات التشريعية.

5- عام 2019: لجنة التحقيق في قتل مئات المتظاهرين في احتجاجات تشرين. ولجنة التحقيق في الحريق الذي نشب في دار تأهيل المشردات في بغداد.

6- عام 2023: لجنة التحقيق في حريق قاعة الهيثم في مدينة الحمدانية شرق الموصل، واللجان التحقيقية الخاصة حول الهجمات التي طالت السفارة الأميركية وإقليم كردستان.

7- يناير 2024: أحدث هذه اللجان هي التي شكلها رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في 27 يناير الماضي، للتحقيق في الهجوم الصاروخي الذي تعرض له حقل خورمور الغازي في إقليم كردستان.

 

صلاحيات محدودة

 

طبيعة النظام القانوني في العراق، بحسب  أستاذ القانون الدستوري المساعد في الجامعة المستنصرية، وائل البياتي، لا يعطي اللجان التحقيقية صلاحية إصدار قرارات، إنما التوصية ورفع توصياتها للجهة الأعلى التي أمرت بتشكيلها، وتملك صلاحية قرار الأخذ بالتوصيات والعمل بموجبها، بالتالي يواجه عملها التسويف في كل المراحل.

من الأسباب الأخرى للمماطلة في عمل هذه اللجان، حسب البياتي، كون أغلبها في الأساس يمثل "طريقة لامتصاص غضب الجماهير وتهدئة الرأي العام، بانتظار صدور النتائج حتى ينسى أو يتناسى الأمر".

ويوضح البياتي لـ"ارفع صوتك": "الديمقراطية التوافقية وأسلوب تطبيقها في العراق يقتضي أن يكون هناك توافق بين الكتل السياسية الكبيرة على ما يتم إعلام الجمهور به من حقائق وما يخفى عنه. وبالتالي نجد الكثير من نتائج التحقيق منذ عام 2003 ولغاية الآن لم يعلن عنها للجمهور، وإذا أعلن سيكون الجزء اليسير الذي يتلاءم مع تطلعات الكتل السياسية".

في الوقت نفسه، يرى خبراء قانونيون أن عدم وجود قانون خاص بحق الحصول على المعلومات بالنسبة للمواطنين، يمثل "عائقا" أمام الوصول إلى حقيقة ما تنجزه اللجان، التي يفترض أن تكون توصياتها وإجراءاتها وما توصلت إليه من حقائق محل إعلان للجمهور.

يؤكد الباحث السياسي والأكاديمي، فراس النجماوي، أن أغلب اللجان المشكلة في العراق "غير مبنية على الخبرة والكفاءة المطلوبة"، ما أدى إلى الشعور العام بين العراقيين، بأن عمل اللجان بلا جدوى، خصوصاً بوجود أمثلة من التجارب السابقة الشاهدة على ذلك.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.