تحاول أم علي الاختيار بين عدة أشكال من تمائم الحسد التي تشتهر في العراق باسم "السبع عيون" من على طاولة عرض في بازار المنتجات اليدوية بشارع المتنبي، لتضعها على باب دارها الذي انتقلت إليه حديثا مع عائلتها لـ "طرد العيون الحاسدة، وحفظ أهل البيت".
توارثت هذه المرأة العراقية تعليق التميمة من والدتها التي توارثتها هي الأخرى من أمها.
تقول أم علي لـ"ارفع صوتك" إن "السبع عيون تراث قديم تعودنا على اقتنائه، لدرء خطر العين الحاسدة، وهي موجودة في كثير من البيوت بأشكال وأنواع مختلفة".
وتضيف: "لا تتعلق التميمة بوقت أو أشخاص. توضع على ثياب الطفل حديث الولادة، أو ترسم على الأقداح والأكواب والملابس، كما تستخدمها النساء كحلية ترتديها سواء قلائد أو أساور أو خواتم".
ويؤمن العراقيون بوجود العين الحاسدة، ولاتقاء شرها، ورثت البيوتات العديد من طقوس درء العين كما تعتقد رنا رياض وهي شابة عراقية تستعين بـ"السبع عيون".
تقول لـ"ارفع صوتك" إن "حرق بخور الحرمل، وقراءة المعوذات عند غروب الشمس، عادات أخرى لدرء الحسد، بالإضافة إلى اقتناء نباتات معينة كالصباريات وعصا موسى، التي يشير ذبولها وتحول لونها من الأخضر إلى الأصفر، بأنها تلقت الصدمة وأنقذت البيت من عين حاسدة كان يمكن أن تسبب الضرر للعائلة ".
ومع ذلك فإن تميمة السبع عيون: "تبقى الأقوى والأكثر تنوعاً من بينها جميعاً، وتعلق في جميع المناسبات والأماكن".
تراث بابلي
تعمل رغد قحطان في صناعة الأعمال اليدوية وإعادة تدوير المواد القديمة، خاصة الفلكلورية منها، وتهوى إعادة تشكيلها وإضافة لمسات حديثة لها، أهمها على الإطلاق تميمة السبع عيون"، كما تقول لـ "ارفع صوتك".
وتضيف: "تعتبر تميمة السبع عيون واحدة من أهم التمائم الفلكلورية في العراق، ويتزايد الطلب عليها مع مرور الوقت، على عكس الكثير من الأشكال الحديثة التي تبرز مثل الموضة وتنتهي سريعا".
سر استمرار التميمة يكمن في ألوانها الجميلة وشكلها القابل للتجديد بمرور الزمن وارتباطها بإرث بابلي قديم. كل هذه الميزات تجعل "السبع عيون" المادة الأكثر طلباً ضمن مبيعات قحطان، التي تضيف لها لمسات من أقمشة حديثة أو مواد بغدادية أخرى قديمة تراثية أو تحيطها بنقوش أو تضعها على الكف.
كما يمكن بيعها بشكلها التقليدي ودون أية إضافات، بعيونها السبعة وبلونها الأزرق الجذاب القادر على تشتيت النظرة الحاسدة إلى عدة أجزاء، فتفقد قدرتها على الأذى كما تقول المعتقدات البابلية.
وتُصنع تميمة "السبع عيون" في العراق بطرق متنوعة وبأحجام مختلفة، كما تصنع من مواد متعددة، فبعضها مصنوع من الجص والبعض الآخر من السيراميك أو الخشب والبلاستيك.
سر الرقم سبعة
تقول دراسة للباحث عصام نوري حملت عنوان "تمثيل الأساطير في تصميم المنتجات الصناعية تميمة السبع عيون أنموذجاً": إن "للرقم سبعة في تاريخ الإنسانية معان رمزية عميقة وواسعة تطال سائر حضارات العالم القديم والحديث".
تقول الدراسة إن "البابليين والكلدانيين نادوا بقدسية هذا الرقم قبل حوالي خمسة آلاف سنة، لأنه الرقم السحري الأكثر تداولاً والأوسع تمثيلاً في تاريخ بلاد الرافدين".
وتأتي قدسية الرقم من عدة أسباب، بينها أنه عدد تام لا يتجزأ، وهو حاصل جمع عددين ساميين (3 + 4) وهي من الأرقام المقدسة والمكرمة لدى الساميين. كما أن السبعة ناتجة من جمع المثلث والمربع وهو رقم الكمال الأرضي.
فالسماء يشار لها بالمثلث كما كان سائداً في الفكرين السومري والبابلي وهو رمز الألوهية المتكون من الآلهات الثلاث (أنو وأنليل وإنكي)، آلهات الأرض والسماء والمياه.
أما الشكل الرباعي فمرتبط بالعناصر الأساسية للأرض كما يراها السومريون وهي (السماء والأرض والبحر والهواء)، وكل الظواهر لا يمكن أن تكون إلا ضمن تلك العناصر. كذلك ارتبط الرقم بالأجرام السماوية التي تدخل ضمن حساب الاتجاهات.
لهذا، ارتبط الرقم ٧ بشكل كبير ومهم بشعب ما بين النهرين بحسب الدراسة التي تتحدث عن صعوبة معرفة أصل هذه الأهمية، فمجموعة الآلهة السبعة كانت مرتبطة بالثريا في السحر وطرد الشياطين السبع أو استدعاء الآلهة السبع، وتنفيذ الأعمال الطقسية سبع مرات وتعليق سبعة أختام أسطوانية حول عنق الطفل، والبوابات السبع للعالم السفلي.
العين الزرقاء
ارتبطت العين الزرقاء بحسب الدراسة بالحضارات الرافدينية القديمة، فهي مرتبطة بالآلهة "أنانا" أو "عشتار" آلهة الحب والحرب بعد أن نزلت من السماء الزرقاء إلى الأرض، فكان حزنها سبباً في خراب الأرض.
وهنا، كان الاعتقاد بالاستعانة بآلهة مضادة وجدت آثارها في تل البراك بمعبد العين، والتي وجدت فيها العديد من التماثيل بزوج من الأعين الكبيرة المحدقة، ومنها جاء تمثيل الإنسان لآلهة طرد العيون أو الحسد بوضع العين بواجهة المنزل.
ويعتقد بأن سبب استخدام "السبع عيون" مرتبط بالآلهة "سبيت" التي تمثل الآلهات السبع أبناء الآلهة عشتار، ويرمز له بالنجوم السبعة.
إن الفكرة من التمائم كما تقول الدراسة إنما هو لأجل محاربة قوى الشر للاعتقاد السائد بوجود نوعين من القوى الأولى منها هي قوى الخير التي تنسجم مع الإنسان، فتقام النذور لأجلها والطقوس والرموز لأجل التقرب.
أما الثانية فهي قوى الشر التي عدّوها شاذة لا يمكن الانسجام معها ومثلوها بالشياطين والأرواح الشريرة ومكانها العالم السفلي، ولأجل تحاشي شرها ظهرت الممارسات والطقوس التي ما تزال تمارس حتى وقتنا الحالي ومن بينها تميمة "السبع عيون".
وكانت السبع عيون كما تشرح الدراسة واحدة من التمائم المرافقة لطقوس الكهنة البابليين لإبعاد الحسد. فالشيطان حسب تلك المعتقدات له قوة على البشر كونهم (الشياطين) أولاد الآلهة فتستخدمهم لأجل معاقبة الإنسان حال خطئه أو عصيانه، فإذا ما حصل ذلك يرسل إليهم الإله (أنو شبع) وهو من الجن.
هذا الأمر دقع كهنة بابل للاستعانة بتميمة "السبع عيون" فهي بسبع فتحات كي لا يستطيع الجن المكوث فيها، ففي حال دخوله الفتحات سرعان ما يخرج من الجانب الآخر.
أما اللون الأزرق كما تشير الدراسة فاستخدم لما له من قدسية لدى البابليين وهو ما جعلهم يستخدمونها عند مداخل المنازل، أو عمل قلادات لحماية الإنسان أو تثبيتها في فراش الأطفال للحماية. ولا تزل الشعوب تلجأ إلى تلك التمائم لكونها جزءا من ثقافتهم حتى يومنا هذا.