مسرح نجيب الريحاني في القاهرة- مصدر الصورة: خرائط غوغل
مسرح نجيب الريحاني في القاهرة- مصدر الصورة: خرائط غوغل

علاقات تاريخية ممتدة إلى زمن الخلافة الإسلامية التي حكمت كليهما، ربطت بين العراق ومصر، وتعددت أشكالها بين الحكم والتجارة والتبادل الثقافي والفني والأثر الاقتصادي للعمالة الوافدة بين كل منهما، خاصة المصريين في العراق فترة السبعينيات والثمانينيات، التي ما زال أثرها وتأثيرها كبيراً لدي الشعبين.

هذه العلاقات أفرزت عدة دلائل وبصمات، نختار منها للحديث عنه في هذا المقال، إطلاق أسماء شخصيات ومدن عراقية على شوارع داخل العاصمة المصرية القاهرة.

 

شارع عبد السلام عارف

يُعدّ أحد أشهر شوارع القاهرة، وأكثرها قدماً وعراقةً. وهو على اسم رئيس جمهورية العراق الأسبق عبد السلام عارف (فبراير 1963- أبريل 1966)، الذي عُرف بعلاقته القوية مع الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر.

يبدأ الشارع من سور قصر عابدين عند تلاقيه مع شارع عبد العزيز ويستمر إلى منطقة باب اللوق ثم يمتد ليصل إلى ميدان التحرير.

قديماً، عُرف الشارع باسم البستان لوجود قصر البستان الذي سكنه الأمير فؤاد قبل أن يصبح سلطاناً على مصر عام 1917، وعقب وصوله للحكم، قام الملك فاروق بتقديم القصر لجامعة الدول العربية عند تأسيسها ليصبح مقراً لها.

نقل مقر الجامعة لمكان آخر لاحقاً، ليبقى القصر أحد المعالم المهمة في شارع عبد السلام عارف، الذي حمل هذا الاسم في ستينيات القرن الماضي، بعد وفاة الرئيس العراقي، اعترافاً بدوره السياسي المهم على الساحتين العراقية والعربية.

رغم مرور السنين، ما يزال الشارع محافظاً على بهائه وأهميته في منطقة وسط البلد، ويتميز بالعديد من المعالم، مثل مكتبة كامل الكيلاني العريقة لكتب الأطفال، والمقهى الشهير  "زهرة البستان".

 

شارع نجيب الريحاني

يحمل اسم الممثل الكوميدي الشهير نجيب الريحاني، الذي يُعدّ أحد أبرز رواد المسرح والسينما في العالم العربي خلال القرن العشرين.

لا يعرف الكثيرون أن الريحاني عراقي الأصل. كان أبوه إلياس ريحانة، عراقي كلداني من مدينة الموصل الواقعة شمالي العراق. وكان يعمل بالتجارة والسفر لفترة طويلة من عمره، إلى أن استقر بالقاهرة وتزوج من فتاة مصرية قبطية.

ولد نجيب عام 1889 في حي باب الشعرية في القاهرة. ويُعتبر من الفنانين القلائل الذين أُطلقت أسماؤهم على شوارع القاهرة.

قديماً، كان هذا الشارع يُعرف باسم "وش البركة"، لأنه كان يطل على بركة الأزبكية، التي أمر الخديوي إسماعيل بردمها وتحويلها إلى حديقة تتناسب مع القاهرة الأوروبية الجديدة التي حلم بإنشائها.

بعد نجاح ثورة "الضباط الأحرار" عام 1952، أراد الثوار أن يمحوا جميع الأسماء المرتبطة بأسرة محمد علي، فتم تغيير الاسم، واختير نجيب الريحاني له.

يقع الشارع وسط القاهرة الخديوية القديمة، ويمتد من شارع كلوت بك حتى ينتهي عند شارع الجمهورية قبل ميدان رمسيس، ويربط بين شوارع القاهرة المبنية على الطراز المعماري الأوروبي من جهة، والشوارع التي تعود للفترة الخديوية من جهة أخرى.

في زمن مضى، كان الشارع يمتلئ بالعشرات من اللوكاندات (الفنادق البسيطة) ذات الطابع المعماري الأوروبي، والمقاهي التي اعتاد صناع السينما على ارتيادها، كما كان قبلة للفنانين الذين وصلوا القاهرة من داخل وخارج مصر بحثاً عن فرص عمل، ما جعله مركزاً للحياة الثقافية والفنية في مصر خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

في الوقت الحالي، ومع التطور الكبير الذي لحق بصناعة السينما والمسرح في مصر، فقد الشارع القدر الأكبر من أهميته، خصوصاً أن معظم الأبنية فيه، تحولت محال تجارية تبيع قطع غيار الأجهزة الكهربائية والمولدات والمحركات وماكينات رفع المياه.

رغم ذلك، لا تزال هناك بعض المعالم المعمارية المميزة التي تشهد على الماضي العريق لشارع نجيب الريحاني، منها مسجد "الشاذلي الخواص"، ويعود تاريخ بنائه لأكثر من سبعة قرون، بالإضافة للمبنى القديم لجريدة "الجمهورية"، الذي تحول إلى مخزن للورق وقطع الغيار بعد نقل مقر الجريدة لشارع رمسيس.

أيضاً، بالقرب من الشارع، يقع مسرح نجيب الريحاني، الذي شيده الفنان نفسه، ولا تزال تُقدم عليه بعض العروض المسرحية من وقت إلى آخر.

 

شارع العراق

أنشئ هذا الشارع منذ أكثر من 60 عاماً في منطقة جامعة الدول العربية بحي المهندسين، في عهد الرئيس عبد الناصر. كان الهدف من إطلاق اسم العراق إظهار الترابط القوي الذي يجمع بين مصر وبلاد الرافدين، وتزامن ذلك مع المد القومي الناصري الذي جمع بين العديد من الدول العربية بعد تحقيقها للاستقلال.

اشتهر الشارع بشكل كبير في السنوات السابقة لوقوعه في واحدة من أكثر المناطق الحيوية في العاصمة المصرية. من جهة أخرى، يمثل أهمية خاصة للجالية العراقية في القاهرة، خصوصاً أن العديد من العراقيين المقيمين داخل مصر يعيشون فيه، كما يحوي الكثير من المطاعم العراقية.

وما يزيد الطابع العراقي لهذا الشارع، أنه يتقاطع مع شارع آخر عراقي الصبغة، هو شارع دجلة، وأيضاً تقع القنصلية العراقية بالقرب منه.

 

شارع بغداد

يقع في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، ويتفرع من ميدان الكوربة الشهير الذي يُعدّ واحداً من أهم الميادين في العاصمة المصرية، الذي تعود تسميته للكلمة الإيطالية "لا كوربيه" وتعني الانحناءة أو القوس، بسبب تصميم الحي على شكل مثلث.

عموماً، يعتبر شارع بغداد أحد الشوارع التي تمتاز بطابع معماري متميز، إذ يجمع بين العمارة الإسلامية والعمارة القبطية، كما أن الكثير من العقارات المتواجدة فيه مبنية على الطراز الأوروبي.

من جهة أخرى، تقع العديد من المعالم المعمارية التاريخية بقربه، مثل كنيسة "البازيليك"، وهي صورة مصغرة لكاتدرائية "آيا صوفيا" في إسطنبول، وفندق "هليوبوليس بالاس" الذي تم تحويله في عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك إلى قصر رئاسي، ليُعرف باسم قصر الاتحادية أو قصر العروبة.

جانب من شارع الرشيد في العاصمة العراقية بغداد- ارفع صوتك
"الرشيد".. شارع يروي تاريخ بغداد الاجتماعي والسياسي والفني
متوازياً مع نهر دجلة، وبخط متعرج يمتد شارع الرشيد التراثي، ليحكي تاريخ العاصمة العراقية بغداد منذ أوج ازدهارها في العهد العباسي، وصولاً إلى آخر الولاة العثمانيين الذي شق الطريق لأهداف حربية، ليتحول إلى أيقونة الثورات وواحداً من أهم شوارع المدينة.

 

شارع الخليفة المأمون

يُنسب للخليفة العباسي الشهير عبد الله المأمون بن هارون الرشيد، الذي حكم الدولة العباسية من بغداد لعشرين سنة، وكانت مصر في تلك الفترة إحدى الولايات التابعة لنفوذه.

يعد الشارع من أهم شوارع القاهرة. وهو أحد الشوارع الرئيسة التي تربط بين منطقة العباسية وضاحية مصر الجديدة. 

يضم العديد من المباني التاريخية العريقة، منها مبنى وزارة الدفاع المصرية، والمجمع الطبي للقوات المسلحة المصرية، الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى عهد محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر. 

كما تقع في الشارع جامعة عين شمس، وهي أقدم ثالث جامعة مصرية على الإطلاق، وأيضاً ضريح جمال عبد الناصر.

يعبر إطلاق اسم المأمون على ذلك الشارع المحوري عن قوة العلاقات الثقافية المصرية العراقية، واشتراك الدولتين في الكثير من المحطات التاريخية المهمة.

الجدير ذكره، أن المأمون ليس الخليفة العباسي الوحيد الذي أطلق اسمه على شارع في القاهرة، حيث حملت شوارع أخرى أسماء خلفاء عباسيين آخرين، مثل هارون الرشيد وأبو جعفر المنصور وأبو عبدالله محمد المهدي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.