الراحلة طيبة العلي قتلت على يد والدها خنقا في الديوانية.
الراحلة طيبة العلي قتلت على يد والدها خنقا في الديوانية.

بعد عام من مقتلها، "ظهرت" طيبة العلي في فيديو معدّ باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحكي قصتها.

تظهر المدونة العراقية، التي قتلت على يد والدها في جريمة عنف أسري، وهي تتحدث باللغة الإنجليزية عن تفاصيل ما حدث معها وكيف استدرجت للعودة من تركيا، وتعرضت للتخدير قبل أن تقتل.

الفيديو نشرته منصة "حقوق المرأة العراقية" على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأثار نقاشا قانونياً وأخلاقياً حول مدى أحقية أي كان في جعل الأموات يتحدثون، عبر الذكاء الاصطناعي، بكلام ينسب إليهم من دون أن يكون قد قيل على لسانهم في حياتهم.

فيديو طيبة العلي المنتج بهذه التقنية لم يكن الأول في المنطقة، إذ سبق أن نشرت وسيلة إعلامية لبنانية فيديو بتقنية الهولوغرام لعدد من قتلى انفجار مرفأ بيروت وهم يطالبون بالعدالة في قضيتهم في الذكرى السنوية الأولى للانفجار الذي وقع في الرابع من أغسطس 2020، وتسبب في مقتل 200 شخص على الأقل.

وقد أثار الفيديو موجة من الانتقادات والاعتراضات، التي اعتبرته "فعلاً غير أخلاقي"، دفعت الوسيلة الإعلامية إلى حذفه عن منصاتها والتوقف عن عرضه على الهواء.

في الواقع، تحولت مسألة جعل الموتى يتحدثون عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى سلعة تقدمها شركات متخصصة، من بينها شركة صينية تدعى DeepBrain تقدّم خدمة "تذكّر الموتى"، وهي تتطلب موافقة هؤلاء الأشخاص (الموتى) القانونية قبل موتهم.

يقوم الراغبون بتسجيل مقاطع فيديو تجمعها الشركة لتقوم بخلق شخصيتهم بتقنية الذكاء الاصطناعي. وتستطيع هذه الشخصية أن تتواصل افتراضياً مع عائلتها بعد مماتها.

شركة أخرى تدعى Storyfile تقدم بدورها خدمة مماثلة، "تسمح لك بالحفاظ على حضورك، وبإجراء اتصالات حقيقية والتأثير على حياتك، حتى بعد رحيلك"، كما جاء في الإعلان عن الخدمة على موقعها الإلكتروني.

هذه الخدمة "تحيي إرثك من خلال المحادثة"، بحسب شعار الخدمة. وكل هذه التقنيات تواجهها تحديات أخلاقية وحقوقية، ومخاوف من انتهاك الخصوصية، خصوصاً لدى استخدامها من ناشطين أو جمعيات أو وسائل إعلامية.

أستاذة الإعلام في جامعة بيروت العربية إيمان عليوان تجد صعوبة في إعطاء إجابة قاطعة حول "أخلاقية" استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لاستحضار الموتى ووضع كلام على ألسنتهم بالصوت والصورة.

"في زمن غيّرت فيه التكنولوجيا كل شيء في أسلوب جمع المعلومات وإعطائها وحيث ضاع الخط الفاصل بين الصحافي والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، جاء الذكاء الاصطناعي ليزيد الأمر صعوبة ويضع بين أيدي التكنولوجيين قدرة هائلة على خلق واقع افتراضي جديد وعلى إحياء الموتى"، تقول أستاذة الإعلام.

ولهذا فإن عليوان ترى أن الأمر مرتبط بالهدف والفائدة المرجوة من هذا الفعل في حالة طيبة العلي أو النساء من ضحايا العنف الأسري. تسأل: "هل المقصود رفع الوعي عند الجمهور حول هذه القضايا؟ هنا سيكون الجواب: نعم الفيديو أخلاقي!  هل الغاية هي إبراز المقدرة على استخدام تكنولوجيا حديثة في تناول سير نساء لم يعد لهن وجود وتحميل كلام على ألسنتهن وقد أصبحن في دنيا الحق؟ هنا يصبح الجواب: لا أخلاقي".

من جهتها، تؤكد الناشطة الحقوقية العراقية رؤى خلف إيمانها بـ"أهمية الحفاظ على خصوصية الأشخاص، سواء أكانوا على قيد الحياة أو متوفين". لكنها تستدرك أن "هناك قضايا مهمة مرتبطة بقضايا الرأي العام، كقضية طيبة العلي في العراق، خرجت من كونها قضية شخصية وتحولت إلى قضية رأي عام".

ومن هنا تحاجج خلف في أن "استخدام الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة، يخدم القضية. وقد حاولت طيبة نفسها أن تثير القضية قبل مقتلها وحاولت الوصول إلى الرأي العالم حتى ينقذها ويحميها من القتل، لكنها مُنعت من إيصال صوتها".

"بصراحة أنا لستُ ضد هذا الموضوع"، تقول خلف لـ"ارفع صوتك"، وتعلل وجهة نظرها: "لعل استخدام الذكاء الاصطناعي في حالة الضحايا المغدورات في قضايا القتل بداعي الشرف، قد ينقذ أخريات وقد يساهم في التوعية ويساعد النضال النسوي والحقوقي في العراق للعمل على إلغاء المواد التي تشجّع على قتل النساء في القوانين العراقية".

فلسطينيات يعتصمن ضد ما يسمى بـ "جرائم الشرف" (أرشيف)
موقف القرآن الكريم من جرائم الشرف
دفعت جريمة المروعة التي راحت ضحيتها شهد العيساوي، البالغة من العمر 15 عاما، بالناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق هاشتاغ بعنوان "حق_شهد_العيساوي"، مطالبين بإنزال أشد العقوبات على الجاني، معبرين عن خوفهم من التعامل مع الجريمة على أنها قتل بدعوى الدفاع عن الشرف.

عليوان في المقابل تبدو غير واثقة من مدى الفائدة التي قد تنتج عن هذا الاستخدام للذكاء الاصطناعي في حالة قضايا العنف ضد النساء، وتخشى أن تكون "الفائدة ضئيلة جدا أمام نسبة انتهاك خصوصية النساء وتقويلهن كلاماً لم ينطقن به والتصرف بصورهن كما يحلو لمعديّ مقاطع الفيديو".  

وتشدّد عليوان، التي تحاضر في الجامعة حول "الأخلاقيات المهنية في الإعلام الجديد"، على ضرورة أن تكون هناك ضوابط أخلاقية تحكم هذا النوع من الرسائل الإعلامية، "وإلا سادت الفوضى والتعدي على حقوق الآخرين ومنها خصوصياتهم".

وفي حالة استخدام الذكاء الاصطناعي مع أشخاص رحلوا عن الدنيا، تقول عليوان إنه يمكنه تفهم ذلك في حالة التوعية والدفاع عن قضايا حقوقية، وان كانت تعتبر أن الفائدة تبقى "ضئيلة جداً". أما إذا كان لأهداف أخرى، فإن ذلك "ليس فقط أمام خرق للأخلاقيات الإعلامية وإنما أيضا للأخلاق وحرمة الموتى".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.