A damaged car is pictured at the site of a U.S. airstrike in al-Qaim
صورة من موقع تعرض للقصف الأميركي في مدينة القائم العراقية- رويترز

تهدد الضربة التي نفذتها الولايات المتحدة في العراق، والتي أسفرت عن مقتل، "أبو باقر الساعدي"، القيادي البارز في كتائب حزب الله العراقية المدعومة من إيران، بمزيد من التوتر في العلاقات بين واشنطن وبغداد، وفق تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وحسب ما ذكرته الصحيفة فإن الضربة الأميركية "تكثف الضغط الشعبي والسياسي على الحكومة العراقية لطرد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يساعد في القتال ضد تنظيم داعش في العراق".

والأربعاء، قالت القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، إن الضربة أدت إلى مقتل "قيادي في كتائب حزب الله كان مسؤولا عن التخطيط المباشر والمشاركة في الهجمات على القوات الأميركية في المنطقة".

وقالت الولايات المتحدة إنها تشتبه في أن الميليشيا كانت وراء هجوم بطائرة بدون طيار يوم 28 يناير في الأردن أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين.

وتصنف واشنطن كتائب حزب الله منظمة "إرهابية" وسبق أن استهدفت الفصيل بغارات في العراق في الأسابيع الأخيرة، كما فرضت عقوبات على ستة أشخاص منتمين لها، في 17 نوفمبر الماضي.

والخميس، قال يحيى رسول، المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن الضربات الأميركية "تهدد السلم الأهلي، وتخرق السيادة العراقية".

وأضاف أن "هذا المسار يدفع الحكومة العراقية أكثر من أي قت مضى إلى إنهاء مهمة هذا التحالف الذي تحول إلى عامل عدم استقرار للعراق ويهدد بجر العراق إلى دائرة الصراع الإقليمي"، وفق وكالة الأنباء العراقية "واع".

وأدت أشهر من الاشتباكات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والميليشيات المدعومة إيرانيا، إلى زيادة الضغط "الشعبي والسياسي" على رئيس الوزراء العراقي لتسريع الخروج الأميركي، وفق "وول ستريت جورنال".

وتنشر الولايات المتحدة نحو 2500 جندي في العراق و900 في سوريا المجاورة في إطار التحالف الدولي الذي أنشئ في العام 2014 لمكافحة تنظيم "داعش".

وتشارك عدة دول في هذا التحالف مهمتها حاليا تقديم المشورة والدعم للقوات العراقية ومنع ظهور التنظيم من جديد.

والخميس، أعلنت بغداد استئناف المحادثات مع الولايات المتحدة، الأحد، بهدف مناقشة مستقبل التحالف الدولي في البلاد، وفق وكالة "فرانس برس".

وعلّقت هذه المحادثات الهادفة بحسب بغداد إلى "إنهاء مهمة" التحالف في العراق، أواخر يناير بعد الهجوم الذي أودى بحياة ثلاثة جنود أميركيين في الأردن.

معضلة

إذا اضطرت الولايات المتحدة إلى المغادرة أو تقليص وجودها بشكل كبير، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل نفوذها المتضائل بالفعل في المنطقة، وتقويض النجاحات السابقة في هزيمة داعش، والمخاطرة بإخلال التوازن الإقليمي الهش، حسبما تشير "وول ستريت جورنال".

وبينما تواجه الولايات المتحدة الميليشيات المدعومة من طهران في الشرق الأوسط في محاولة لمنع المزيد من الهجمات على الجنود الأميركيين، فإن التحدي الذي يواجه واشنطن هو القيام بذلك دون إضفاء المزيد من الفوضى في منطقة مضطربة بالفعل. 

والميليشيات التي استهدفتها الولايات المتحدة في العراق لا تحظى بدعم طهران فحسب، بل هي أيضا جزء من المؤسسة الأمنية في العراق.

وأشارت الخبيرة في شؤون العراق وإيران لدى شركة كونترول ريسكس الاستشارية، أنيسة بصيري تبريزي، إلى أن الضربات الأخيرة يمكن أن تزيد من الضغوط السياسية على السوداني لوضع جدول زمني واضح للانسحاب.

وقالت: "ينظر اللاعبون السياسيون في الحكومة الفيدرالية العراقية، بما في ذلك السوداني، إلى الضربات كدليل على أن الوجود الأميركي يزعزع استقرار العراق، ويزيد من فرص جر البلاد إلى مواجهة إقليمية وجره إلى الحرب".

ومن جانبهم، قال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة أخطرت العراق بعد وقت قصير من الضربة على القائد.

والخميس، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، إن الولايات المتحدة، أبلغت الجانب العراقي بقيامها بالضربة في بغداد ضد هدف مسؤول عن اعتداءات ضد أميركيين.

وأكد المتحدث أن القوات الأميركية لديها كل الحق في الدفاع عن نفسها ضد أي هجوم يستهدفها، مشيرا إلى ذلك بالقول "ضربتنا في العراق (...) كانت ردا على الهجمات التي تستهدف القوات الأميركية في المنطقة".

وأضاف:" بعد الضربة في بغداد أبلغنا الجانب العراقي بها"، ثم كشف أن الشخص الذي تم استهدافه كان مسؤولا عن هجمات استهدفت أميركيين".

ونقلت "وول ستريت جورنال" عن مسؤول أمريكي قوله: "لن نقدم أي نوع من الإخطار الرسمي المسبق بتفاصيل محددة لأمن العمليات". 

وأضاف: "نحن نحترم سيادة العراق بالكامل وأوضحنا أنه في غياب الهجمات ضد الأفراد الأميركيين من هذه الجماعات المتمركزة في العراق، لن يكون هناك سبب لأي ضربات".

ومنذ منتصف أكتوبر، تعرضت القوات الأميركية والتحالف الدولي في العراق وسوريا، لأكثر من 165 هجوما في انعكاس مباشر للحرب الدائرة في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس المصنفة إرهابية لدى الولايات المتحدة ودول أخرى.

وتبنت معظم تلك الهجمات ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" التي تضم مسلحين في فصائل موالية لإيران أبرزها كتائب حزب الله.

وقال مسؤولون أميركيون إن الأهداف تم اختيارها بعناية لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، وأشاروا إلى أن الحكومة العراقية نفسها أدانت الجماعات المدعومة من إيران لهجماتها على القوات الأميركية في المنطقة.

وقال المسؤول: "نحث الحكومة العراقية بقوة على اتخاذ إجراءات ضد هذه الجماعات التي تقوض سيادة البلاد وتجر العراق إلى صراع عنيف".

هل تقيد الهجمات "المليشيات"؟

من خلال ضرب الميليشيات في العراق وسوريا، تسعى واشنطن إلى ردع المزيد من الهجمات على جنودها.

لكن من غير الواضح ما إذا كان من الممكن تقييد الميليشيات، وفق "وول ستريت جورنال".

ومن جانبها، قالت تبريزي: "من غير المرجح أن يتم ردع الميليشيات المدعومة من إيران في العراق من خلال الضربات الأميركية".

وكشفت الضربات الأمريكية على الأراضي العراقية، وخاصة بغداد، عن نقطة ضعف رئيسية للحكومة العراقية، وعلى رأس ذلك" اعتمادها الجزئي على الميليشيات التي تشكل جزءا من الجهاز الأمني في البلاد، والتي تتلقى الأموال لمحاربة تنظيم داعش، ولكنها تهاجم أيضا رعاة بغداد الأميركيين".

وفي أعقاب الضربات الأميركية الأخيرة، اختبأ العديد من قادة الميليشيات المدعومة من إيران في كردستان العراق، أو في فنادق راقية في بغداد، أو عبروا الحدود إلى إيران، وفقا لما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مسؤول عراقي ومستشار أمني أميركي.

وأعربوا عن قلقهم من أن تنظيم داعش قد يستغل الفوضى.

وتم إنشاء كتائب حزب الله بعد دخول الولايات المتحدة وحلفائها للعراق في عام 2003، كقوة موالية لإيران تقاتل القوات الأميركية. 

وعلى مر السنين، قتلت الميليشيات المدعومة من إيران في العراق أكثر من 600 جندي أميركي، وفقا لوزارة العدل الأميركية.

ولكن مع صعود تنظيم داعش والذي هدد المصالح الأميركية وكذلك الإيرانية، وجدت الولايات المتحدة نفسها تتقاسم عدوا مشتركا مع مختلف الجماعات المدعومة من طهران والمعروفة باسم قوات الحشد الشعبي، ومن بينها كتائب حزب الله.

ويضم العراق أكثر من 150 ألف مقاتل من الحشد الشعبي، وهي فصائل مسلحة موالية لإيران أدمجت بالقوات الأمنية الحكومية.

وفي البداية تم إنشاء الحشد الشعبي لمقاومة داعش بعد سيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا، قبل أن تتحول لقوى ضاربة لديها نفوذ داخل الحكومة والبرلمان، وفق تقرير سابق لموقع "الحرة".

ومع ذلك، بعد زوال تنظيم داعش، استأنفت الميليشيات هجماتها على المصالح الأميركية.

وأصبحت كتائب حزب الله العنصر الأبرز في مجموعة الميليشيات المدمجة في قوات الأمن العراقية، بينما تستهدف أيضا القوات الأميركية في العراق وسوريا، حسبما تشير "وول ستريت جورنال".

وأكد مدير مشروع مبادرة العراق في تشاتام هاوس، ريناد منصور، أن الضربات الجوية الأميركية "لديها قدرة محدودة" على التأثير على السياسة والأمن العراقيين.

وأشار إلى أن الميليشيات الموالية لإيران قد تستغل الضربات الأميركية الأخيرة لأغراض التعبئة.

وأضاف: "هذا يوفر لهم فرصة ليقولوا: نحن نقاتل الأميركيين، وندافع عن السيادة العراقية، ونفعل ذلك بما يتماشى مع القضية الفلسطينية".

وأوضح منصور، أن الميليشيات تعتمد على "شريحة متضائلة من المجتمع في تعبئتها".

ومن جانبه، أكد سجاد جياد، الباحث في مركز "سنتوري انترناشونال" للأبحاث، أن التوترات في الشرق الأوسط سوف تستمر لأسابيع أو أشهر، وأن الفصائل المرتبطة بإيران غير مستعدة للتراجع، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.

وأوضح جياد "تلك المجموعات تملك قدرات هامة وهي نشطة في عدة دول، الولايات المتحدة جاهزة للرد ولقتل عناصرهم واستهداف مواقعهم. لا تعطي الولايات المتحدة أي مؤشر على أنها مستعدة للتراجع في الشرق الأوسط". 

وأضاف أن "هناك احتمالا كبيرا  للتصعيد، ولا يعني ذلك بالضرورة حربا مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.