ينظر عز الدين عصام بقلق إلى التغيير الذي بدأ يأخذ طريقه إلى نظام العمل في "السوبر ماركت" الكبير الذي يعمل به، بعد قرار صاحبه باستبدال العديد من العمال العراقيين بآخرين أجانب.
ويعمل عز الدين في هذا المتجر منذ أربعة أعوام، وكذلك العمال الذين استبدلوا، ولا يعرف ماذا يفعل إذا تم تسريحه وسط الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العراق، على إثر تقلبات أسعار الصرف والبطالة، إضافة لضعف فرصه في الحصول على وظيفة جديدة، كونه لا يملك شهادة جامعية أو مهارات أخرى.
يتمثل عمله الحالي، كما يقول لـ"ارفع صوتك"، بـ"ترتيب السلع في العارضات والثلاجات خلال ثماني ساعات هي وجبة العمل الواحدة، براتب 600 ألف دينار شهريا (نحو 400 دولار)".
في الوقت نفسه، يعتقد عز الدين أنه كعامل "لا يملك القدرة على التنافس مع الأجنبي الذي يعمل طوال فترة فتح السوبر ماركت منذ الصباح حتى المساء، بالأجر نفسه".
زميله إبراهيم البرزنجي خسر الوظيفة. يقول بانزعاج لـ"ارفع صوتك": "العامل الأجنبي يعمل بنصف راتب العامل العراقي، ويمكنه العمل بأي أجر، لأنه لا يمتلك مصاريف ابن البلد وليس لديه عائلة ليعيلها هنا".
حوالي مليون عامل
تنشط غالبية العمالة الأجنبية الوافدة في قطاعات الخدمات والتنظيف والمحال التجارية والمطاعم والمقاهي، بحسب المتحدث باسم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، نجم العقابي.
وويقول العقابي إن هذه العمالة "غير قانونية، كونها غير ماهرة ويُمنع استقدامها إلى البلد بموجب القانون"، مبيناً لـ"ارفع صوتك" أن "عدد العمال الأجانب المرخص لهم بالعمل لا يتجاوز 100 ألف شخص فقط".
أما العاملون بطرق غير قانونية، فيتراوح عددهم ما بين 800 ألف ومليون عامل أجنبي، وفق تصريح إعلامي سابق لوزير العمل أحمد الأسدي.
هذه الأعداد الكبيرة من العمال، يضيف العقابي، "دخلت العراق بفيزا سياحة دينية، ثم تسربت إلى سوق العمل وأصبح لها تأثير سلبي على العمال العراقييين، كونها ساهمت بارتفاع نسب البطالة بين الشباب".
وتعمل وزارة العمل على تطبيق قانون العمل الذي ينص على "تشغيل نسبة 50% من العمالة العراقية تقابلها النسبة ذاتها من العمالة الأجنبية، على أن تكون ضمن التخصصات غير المتوفرة في العراق والمدرجة ضمن قاعدة بيانات الوزارة المسجل فيها مليون و700 ألف عراقي يبحث عن فرصة عمل".
وتسعى وزارة العمل إلى رفع نسبة العمالة العراقية إلى 70%.
يتابع العقابي: "تسعى الوزارة حاليا إلى إحصاء أعداد العمال الأجانب، خصوصاً في الشركات الاستثمارية والنفطية التي تستقدم العمالة الأجنبية للعمل في مشاريعها، كما يجري التعاون مع وزارة الداخلية لإلقاء القبض على العمال الأجانب المخالفين ومحاسبة أرباب العمل".
بدوره، يبيّن المتحدث باسم وزارة الداخلية، مقداد ميري، أن وزارته "أجرت عدة حملات للتأكد من الوضع القانوني للعمال الأجانب، وفي حال ثبوت دخول العامل إلى العراق بعنوان آخر نأخذ الإجراءات القانونية بحقه ونسفره إلى بلده".
وتحفظ ميري، عند سؤاله، على ذكر عدد العمال الأجانب الذين اعتقلوا خلال عام 2023 وهم يعملون بشكل غير قانوني.
"أرقام غير صحيحة"
ينتقد أستاذ مساق "اقتصاديات النفط" في جامعة المعقل بالبصرة، نبيل المرسومي "عدم وجود قاعدة بيانات متكاملة عن العمالة الأجنبية، التي تكتسح سوق العمل في العراق"، قائلا إن "جميع الأرقام التي يتم طرحها إعلامياً غير صحيحة ولا أحد يعرف بالضبط كمْ يبلغ عدد العمال الأجانب في البلد ".
ويركز على العمالة الأجنبية في فقرات عقود جولات التراخيص النفطية، التي لم "تقيّد الشركات الأجنبية أو تُلزمها بتشغيل نسبة محددة من العمالة الأجنبية"، ضاربا المثل بعقد حقل نفط الرميلة، حيث تضمنت "الفقرة 20 المادة 9" منه، أن على المشغل الأجنبي توفير جميع الموظفين المطلوبين للعمليات النفطية، مع إعطاء الأولوية الأولى للمواطنين العراقيين شريطة أن يكون لديهم المؤهلات والخبرة المطلوبة".
هذا النص كما يشرح المرسومي لـ"ارفع صوتك"، أعطى "صلاحية مطلقة" للشركة في تشغيل أي نسبة من العمالة العراقية تحددها الشركة ذاتها، "ما أسهم في رفع نسبة العمالة الأجنبية في الحقول النفطية إلى 50% رغم أن الجهات المختصة كثيراً ما أشارت إلى أنها ألزمت تلك الشركات بتشغيل 15% من الأجانب فقط".
وتصل متوسطات أجور العمال الأجانب الشهرية في حقول شركة نفط البصرة، بحسب المرسومي، إلى نحو ٢٧ مليون دينار، في حين ينخفض متوسط رواتب ومخصصات موظفي الشركة على الملاك الدائم إلى 2.1 مليون دينار شهريا، وينخفض إلى ٦١٨ ألف دينار شهرياً للعراقيين المتعاقدين مع المقاولين..
يتابع: "هذه الأرقام تعني أن رواتب الأجانب تزيد بمقدار ١٣ ضعفاً عن رواتب موظفي الشركة على الملاك الدائم ونحو ٤٤ ضعفاً عن الأجور الشهرية للمتعاقدين العراقيين".
إيجابيات وسلبيات
"رغم الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية غير الطبيعية التي يمر بها العراق، إلا أنه يعتبر بلداً جاذباً للعمالة الأجنبية؛ لوجود طلب كبير عليها". بحسب الباحث الاقتصادي قاسم جبار.
يوضح لـ"ارفع صوتك": "الأجور المتدنية وساعات العمل الطويلة دون تذمر، هي أسباب رئيسية لتفضيل أرباب العمل للعمالة الأجنبية على العراقية، خصوصاً في قطاع الخدمات، سواء المنزلية منها أو للعمل في المطاعم والكافيهات والأسواق".
ويضيف جبار أن الجزء الآخر من العمالة الأجنبية "جاء عبر الشركات الاستثمارية وشركات النفط، وهي عمالة ماهرة أجورها أكبر بكثير من العمالة الوطنية".
وللعمالة الأجنبية جوانب إيجابية منها، كما يعتقد جبار، تتمثل في "دورها بزيادة العملية الإنتاجية وخفض التكاليف وأشغال المهن التي تتطلب خبرات غير متوفرة في العراق أو مهارات خاصة". بالمقابل نجد أنها
يستدرك: "لكنها بدأت تتحول إلى مشكلة حقيقية تستدعي التصدي لها، بسبب عشوائيتها، وتسببها بزيادة معدلات البطالة بين الشباب العراقيين، وارتفاع فاتورة النقد الأجنبي الذي يتم تحويله إلى الخارج".
ويتجاوز مجموع ما يحوّله العاملون الأجانب في العراق شهرياً إلى الخارج 300 مليون دولار، وفق تصريح صحافي لعضو لجنة العمل والشؤون الاجتماعية النيابية، حسين عرب.
بالإضافة إلى السلبيات الاقتصادية التي تحدث عنها جبار، تحدث تقرير أعدته دائرة التنمية البشرية في وزارة التخطيط العراقية عن مخاطر اجتماعية وأمنية للعمالة الأجنبية في العراق، "فكثير من تلك العمالة تختلف وتتمايز بعاداتها وتقاليدها، وقد يتم استخدامها في أعمال غير لائقة كالتسوّل والتهريب فضلاً عن إمكانية استخدامها في جرائم التجسس الدولية".
وأوصى التقرير بـ"ترشيد استقدام العمالة الوافدة عبر لوائح وقوانين موضوعية، وتركيز الاستقدام على العمالة الماهرة ورفع رسوم وتكاليف استقدامها، والسيطرة على كافة الحدود لمنع دخول الأشخاص الأجانب بصفة غير قانونية ومتابعة الداخلين لأغراض السياحة ومنعهم من البقاء في العراق بعد انتهاء فترة إقامتهم".
كذلك، أوصى بـ"إنشاء قاعدة بيانات رصينة عن العمالة الأجنبية، من شأنها رسم السياسيات الخاصة بسوق العمل العراقي. وتوفير البيانات المتعلقة بالتحويلات النقدية إلى الخارج من أجل معرفة حجم العملة الأجنبية التي يتم تصديرها إلى الخارج ومدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني".