أرجع مختصون تأخر حسم ملف اختيار المحافظين في ديالى وكركوك إلى الاحتقان السياسي واختلاف الرؤى بين الكتل السياسية بسبب المحاصصة ونسب الفوز المتقاربة، وسط توقعات بتصاعد الخلافات في المحافظات الـ 12 التي جرى فيها انتخاب المحافظين ورؤساء المجالس.
يقول الباحث السياسي الدكتور سيف السعدي لـ "ارفع صوتك": "تم حتى الآن إصدار مراسيم جمهورية بتعيين 12 محافظاً من أصل 15، فيما لم تحسم ملفات انتخاب ثلاثة محافظين في ثلاث محافظات عراقية".
تلك المحافظات هي كركوك وديالى، لعدم الاتفاق فيهما على الأسماء حتى الآن، بالإضافة لصلاح الدين، حيث لم يتم حتى الآن إصدار مرسوم بتعيين المحافظ المنتخب أحمد الجبوري؛ لوجود اعتراضات على طريقة الانتخاب.
وكان العراق أجرى في ديسمبر الماضي انتخابات مجالس المحافظات في 15 محافظة (باستثناء إقليم كردستان) لأول مرة منذ عشر سنوات، أدلى فيها 16 مليون عراقي بأصواتهم من أصل 23 مليون ناخب مؤهل.
الانتخابات المحلية التي جرت في ظل إقبال منخفض ومقاطعة عدد من الكتل السياسية أهمها التيار الصدري، استفادت منها الأحزاب التقليدية والموالية لإيران في الوسط والجنوب إلى حد كبير، بحسب النتائج التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
كركوك
في كركوك، أفرزت نتائج الانتخابات عن تقارب كبير في عدد مقاعد الكتل السياسية التركمانية والعربية والكردية، ما خلق صراعا بينها. قدمت الكتلة التركمانية مقترحا بأن يتم تداول منصب المحافظ بشكل دوري بين المكونات الثلاثة، الأمر الذي لم يلق ترحيباً من بقية الكتل، خصوصاً الكردية.
ويعدّ ذلك، أحد أسباب تأخر إنهاء ملف محافظة كركوك، وأيضاً ديالى، وهو ما أدى "لعدم بروز حزب على حزب آخر أو حصوله على الأغلبية باتجاه أن يكون ضاغطاً لفرض معادلة معينة"، كما يقول رئيس مركز التفكير السياسي وأستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إحسان الشمري.
ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن سبباً آخر أدى لتعطيل اختيار المحافظ في كليهما، أن المكونات السياسية فيها "تعاني خلافات كبيرة"، مبيناً "في كركوك لا يوجد ملامح اتفاق عربي –عربي، أو اتفاق نهائي بين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، أضف إلى ذلك أن التركمان منشطرين بين من يؤيد التوجهات العربية وبين من يؤيد الأحزاب الكردية".
"كما أن محاولات إعادة كل من محافظ كركوك وديالى السابقين من جديد إلى الواجهة عطّل بشكل كبير جداً حسم تنصيب المحافظ ورئيس مجلس المحافظة"، يتابع الشمري.
وبموجب قانون مجالس المحافظات (رقم 21 لسنة 2008)، نصت المادة السابعة، على أن يَنتخب المجلس، المحافظ ونائبيه بالأغلبية المطلقة، التي تمثل نصف أعضاء مجلس المحافظة زائد واحد.
من جانبه، يقول الباحث السياسي الدكتور سيف السعدي، إن المشكلة في محافظة "معقدة" فهناك "صراع سرديات بين العرب والأكراد والتركمان المتمسكين بكونهم أغلبية، وبين الأكراد المتمسكين بإحصاء عام 1957 بأنهم أكثرية، كما يتمسك العرب بالهوية العربية لكركوك".
ديالى
وبحسب السعدي أيضاً، يبدو الخلاف واضحاً في محافظة ديالى، موضحاً لـ"ارفع صوتك": "لم يتم اختيار المحافظ ورئيس المجلس، فالعرف الذي سارت عليه المحافظة على الرغم من اعتبارها سنية، إلا أنه يمكن الذهاب باتجاه أن يكون المحافظ شيعياً بالتحديد من كتلة بدر النيابية".
ويرى أن ما يجري في المحافظات المعطلة هو "تعقيدات لوجود احتقان سياسي واختلاف في الرؤى تارة بين أعضاء الإطار التنسيقي أنفسهم، وتارة أخرى يكون الاختلال في ما بين البيوتات السنية".
ويشرح السعدي الخلاف في ديالى: "هناك اتفاق بين كتلة دولة القانون وكتلة بدر وتقدم على التصويت لصالح مثنى التميمي (محافظ ديالى السابق). ولكن في الجانب الآخر عصائب أهل الحق، ذهبت مع كتل السيادة والحسم وعزم، من أجل تشكيل كتلة والوقوف بالضد من التجديد للمحافظ".
هذا الأمر "ولد خلافا تسبب بتأجيل انعقاد جلسة مجلس المحافظة لاختيار رئيس المجلس ونائبه والمحافظ ونائبيه الفني والإداري"، يتابع السعدي.
ولهذا التأخير، كما يقول "ارتدادات سلبية على ديالى، التي شهدت خروقات أمنية واحتكاكات عشائرية، أكثر من مرة. بالتالي فإن هذا التأخير لا يصب في مصلحة المحافظة، ولا يصبّ في مصلحة رؤية الإطار التنسيقي، لا سيما ونحن نتحدث عن الانتخابات النيابية المقبلة عام 2025".
وكانت محافظة ديالى شهدت، اليوم الجمعة، احتجاجات وقطعاً للطرق، تطالب ببقاء مثنى التميمي في منصبه، كما أعلن المحتجون رفضهم للمبادرة التي أطلقها رئيس تحالف "نبني" الأمين العام لمنظمة "بدر" هادي العامري، لحل أزمة اختيار المحافظ عبر ترشيح محمد العميري.
المحافظات المحسومة
على الرغم من اختيار المحافظين في 12 محافظة عراقية حتى الآن، إلا أن ذلك لا يعني توقف الخلافات السياسية، وفق الشمري، مردفاً "الخلافات السياسية ستتصاعد، خصوصاً في البصرة وكربلاء وواسط، على اعتبار أن عودة المحافظين وفوزهم شكل تحدياً كبيراً بالنسبة للإطار التنسيقي".
هذا التحدي "سيولد لهؤلاء المحافظين أزمات سياسية، وقد يكون ما تقدم به محافظ واسط بشكوى إلى الادعاء العام تتعلق بتعرضه للابتزاز والتهديد بالقتل من قبل أحد النواب خير مثال على وجود أزمات مفتوحة"، يضيف الشمري.
ويعتقد أن الأمر ذاته ينطبق على محافظات بابل وصلاح الدين، حيث "المشهد غير مستقر ويلامس إلى حد كبير المشهد الاتحادي" وفق تعبيره.
صراعات مجالس المحافظات التي تم اختيار محافظيها ورؤساء مجالسها طغت على الأخبار السياسية العراقية خلال شهر فبراير الحالي، ففي نينوى قاطعت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني اجتماعات المجلس بسبب ما قالت إنه "خروقات ارتكبها رئيس المجلس خلال انتخاب نوابه".
أيضاً، شهدت محافظة ميسان خلافات عشائرية على خلفية اختيار المحافظ ورئيس مجلس المحافظة ونائبيه، انتشرت على أثرها القوات الأمنية بشكل مكثف تحسباً لأي طارئ.
وما زالت هناك حالة من الشد والجذب بين محافظ واسط، محمد المياحي، والإطار التنسيق، بعد إقامة كل منهما دعوى قضائية ضد الطرف الآخر.
وينطبق الأمر كذلك على محافظة الأنبار، التي لا يزال محافظها محمد الكربولي، يخضع لتدقيق هيئة النزاهة بسبب شبهات فساد، بعد أن ردت المحكمة الاتحادية دعوى قدمها النائب باسم خشان ادعى فيها أن "محافظ الأنبار الجديد ليس من أبناء المحافظة ولا يحق له منصب المحافظ".
كما تشهد محافظة النجف دعوات للتظاهر ضد محافظها الجديد، قابلتها دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عبر حساب الناطق باسمه صالح محمد العراقي، لوقفها، قائلاً إن "محافظة النجف الأشرف بعيدة عن كل مظاهرة بلا مركزية، وإن كانت عفوية".