مجلس القضاء الأعلى في العراق
مجلس القضاء الأعلى في العراق- أرشيفية

"يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه"، بحسب نص المادة ١١٩ من الدستور العراقي، الذي صادق عليه العراقيون في استفتاء شعبي عام 2005. لكن رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، قال خلال استقباله الإدارة الجديدة لمحافظة الأنبار في 18 فبراير الحالي إن "فكرة إنشاء أقاليم أخرى مرفوضة".

وقال زيدان إنه يدعم إدارة محافظة الأنبار في الوقوف ضد أي أفكار "تهدد وحدة وسلامة أمن العراق"، معتبرا أن الواقع الجغرافي والقومي لإقليم كردستان موجود قبل نفاذ دستور جمهورية العراق سنة 2005 وتحديداً سنة 1991 إثر غزو الكويت.

وفي بيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى، أضاف زيدان أن "الدستور تضمن الأحكام الخاصة بتنظيم الأقاليم، إلا أن ظروف صياغة الدستور  تغيرت الآن ومعظم من كانت لديه القناعة بهذه الأحكام مقتنع الآن بضرورة تغييرها قدر تعلق الأمر ببقية المحافظات عدا إقليم كردستان".

من جهته، يعتبر الناشط السياسي، برهان النجرس، وهو من دعاة تشكيل إقليم الأنبار، تصريحات زيدان بمثابة "خطوة لإنهاء النظام الفيدرالي في البلاد والعودة إلى المركزية".

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن الأنبار لن تتنازل عن حقها الدستوري والقانوني بتشكيل إقليم فيدرالي.

ويضيف: "في الأيام المقبلة سنمارس ضغطاً جماهيرياً على مجلس المحافظة من أجل المضيّ بالفدرالية، لكن في حال عدم مضيّ مجلس المحافظة سوف تكون هناك تظاهرات سلمية".

ووفق الدستور العراقي، يحق لأي محافظة التقدم بإنشاء إقليم عبر طريقتين: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم أو طلب من عُشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات الساعية لتشكيل إقليم.

وتعتبر محافظة البصرة من أولى المحافظات العراقية التي تطالب منذ سنوات بإنشاء إقليم البصرة، وقدم البصريون عام 2015 طلباً للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، لإجراء استفتاء عام كخطوة أولى لتأسيس الإقليم، لكن الطلب لم يلق استجابة من قبل الحكومة الاتحادية في بغداد، بينما لا يزال سكان المحافظة متمسكين بمطلبهم.

في السياق نفسه، ترى الناشطة المدنية زهراء حاتم الخفاجي، وهي عضوة منظمة "بصرياثا للثقافة الاتحادية"، أن تصريحات زيدان "لن تؤثر على مطالبات البصريين بإنشاء إقليمهم الفيدرالي".

وتضيف لـ"ارفع صوتك": "الآن أصبحت لدينا أحزاب تطالب بالفيدرالية، ومجرد وقت ستصل هذه الأحزاب لمجلس المحافظة وتصوت للإقليم".

وتتوقع الخفاجي أن تؤثر تصريحات زيدان على منصبه، باعتباره رئيسا للمجلس الأعلى للقضاء، وقد "يتم انتخاب رئيس جديد لمجلس القضاء بدلا منه من أجل حماية الدستور"، على حد قولها.

وطالما كان مطلب إنشاء الأقاليم الفيدرالية حاضرا في غالبية الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها عدد من المحافظات خلال السنوات الماضية، لكن الاستجابة لهذه المطالب أجلت خلال السنوات الماضية من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة لأسباب منها الحرب ضد داعش والأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد منذ سنوات. 

يشرح المحلل السياسي رمضان البدران أن "الأقاليم تعني إعادة بناء نظام الإدارة وإعادة نظام توزيع المال والحقوق والتصرفات، وهذا كله مهم جدا في إعادة بناء الدولة العراقية، الدولة التي تعثرت بسبب المركزية والشمولية لمدة قرن كامل، وقد آن الأوان أن يُعاد النظر في أسلوب إدارتها وأسلوب حكمها".

ويستبعد أن تمضي المحكمة الاتحادية في تبني أو قبول أي مشروع له علاقة بإلغاء أحقية المحافظات في إنشاء أقاليم، وإن حدث ذلك، يعني أن "العراق سيكون في مشكلة حقيقية والدستور في مشكلة حقيقية، وستدخل الدولة العراقية مرحلة اللاهوية لنضالها السياسي ونظامها الإداري والاقتصادي"، وفق تعبيره.

بالنسبة للبدران، فإن الأقاليم تحصيل حاصل، وما المحافظات سوى "حالة مؤقتة لن يُبقي عليها العراق مستقبلاً".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.