صورة تعبيرية من عمليات إعمار جامع النوري الذي دمره تنظيم داعش في مدينة الموصل
صورة تعبيرية من عمليات إعمار جامع النوري الذي دمره تنظيم داعش في مدينة الموصل

تعمل الفرق الأثرية العراقية والدولية على إنقاذ وترميم وإعمار المواقع الأثرية والتراثية التي دمرها تنظيم داعش في محافظة نينوى شمال العراق، بهدف إعادة الحياة لها وتأهيلها لتكون جاهزة لاستقبال السياح الدوليين والمحليين.

ودمر تنظيم داعش بعد سيطرته على مدينة الموصل مركز محافظة نينوى في يونيو 2014، المواقع الأثرية والتراثية التاريخية والدينية، على مراحل، بدأت بالمواقع الأثرية والتراثية الدينية لكافة الأديان والمذاهب، ثم المواقع الأثرية التاريخية، حينها نشر التنظيم شرائط مصورة لعمليات التدمير التي نفذها.

وتشير إحصائيات رسمية صادرة عن مفتشية الآثار والتراث بمحافظة نينوى إلى أن 85%- 90% من المواقع الأثرية تعرضت للدمار على يد تنظيم داعش خلال أكثر من 3 سنوات من سيطرته على المحافظة.

يقول مدير منظمة "تطوع معنا"، عمر محمد، إن نسبة الإعمار في المواقع الأثرية والتراثية في نينوى اليوم "لم تتحقق بسهولة" إذ تطلبت الكثير من الخطوات، بدءا بتدريب كوادر من السكان المحليين، خاصة الشباب ودمجهم في العمل.

ويبين لـ"ارفع صوتك": "البعثات والمنظمات الدولية مثل اليونسكو وجهات أخرى عاملة في مجال ترميم وإعادة إعمار المواقع الأثرية المدمرة في نينوى، عملت على إعادة التفاصيل التي تعكس هوية الموصل المعمارية، مثل منازل الأعيان التي أعيد تأهيلها كما كانت بالطراز القديم وجامع النوري وكنيستي الساعة والطاهرة والمعابد والمواقع التراثية والتاريخية الأخرى".

وطريقة العمل هذه "نالت استحسان المجتمع لأنه حافظ على هوية المدينة المعمارية" بحسب محمد.

في بلد الـ15 ألف موقع أثري.. خريجو الآثار يعانون البطالة!
خمس سنوات مرت على تخرج قاسم الطائي من كلية الآثار بجامعة سامراء العراقية، مع ذلك يعمل المتخصص بصيانة وترميم الآثار في بيع الفواكه والخضر عندما تكون الأمور متيسرة، أو حمالاً حين تعانده الظروف في بلد لا تخلو رقعة جغرافية فيه من موقع أثري.

وبعد عمليات التحرير باشرت السلطة الآثارية في نينوى بعمليات إعادة تأهيل وترميم وإعمار المواقع الأثرية بتوجيه من وزارة الثقافة والسياحة والآثار، بإشراف الهيئة العامة للآثار والتراث، وسبق المباشرة بعمليات الترميم والإعمار، توثيق حجم الدمار الذي لحقت بهذه المواقع ودراستها ثم تطهيرها من المتفجرات ومخلفات الحرب.

يقول مدير مفتشية الآثار والتراث بمحافظة نينوى، رويد موفق، إن عملية ترميم وإعمار أغلب المواقع الأثرية والتراثية الدينية تقريباً "في مراحلها الأخيرة، حيث أنجز منها نحو 75% إلى 80%".

"أما المواقع الأثرية غير الدينية فلم تبلغ بعد تلك النسبة، مثلا موقع نمرود حاليا في مرحلة الإنقاذ، أي في الخطوة الاولى، وبلغت نسبة الإنجاز في نينوى الأثرية تقريباً 40%، وخورسيباد سنبدأ العمل فيها، بينما آثار مدينة الحضر فنسبة الضرر الذي تعرضت له تتراوح ما بين 10% - 15% لذا حاولنا حديثاً السيطرة عليه، وأكملنا أعمال الإنقاذ والتدعيم، وسنبدأ بأعمال الصيانة"، يشرح موفق لـ"ارفع صوتك".

ويعتبر أن قلة التخصيصات والدعم "أبرز عائق يواجه عمليات الترميم"، لافتاً إلى أن المنهاج الحكومي الحالي توجه إلى توفير التخصيصات لترميم هذه المواقع وتأهيلها.

وتنقسم مهام السلطة الآثارية في نينوى إلى دورين، الأول، الإشراف على المواقع التي يكون تمويلها دوليا، عبر المتابعة وإعداد المخططات وجداول الكميات ومراقبة أعمال الترميم ضمن تعليمات منظمة اليونسكو وتطبيق قانون الآثار العراقي.

والثاني، يتطلب منها إنجاز عمليات ترميم عدد من المواقع بشكل مباشر مع مساهمة بعض الكوادر الدولية، مثل عمليات ترميم وإعادة إعمار اسوار مدينة نينوى الأثرية وأعمال إنقاذ موقع نمرود.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.