شارع المتنبي من المعالم الثقافية البارزة في العاصمة بغداد.
شارع المتنبي من المعالم الثقافية البارزة في العاصمة بغداد.

تعتبر أم جنات نفسها من الرواد المخلصين لشارع المتنبى"الثقافي" وسط العاصمة بغداد، قبل أن يصبح منذ ثلاث سنوات ملاذها لتوفير سبل العيش، حيث راحت تقصده لبيع  أكلة "الدولمة" الشعبية، بعد انفصالها عن زوجها.

تقول لـ "ارفع صوتك": "كانت البداية قبل ثلاثة أعوام. في البداية، قرّرت بيع الفواكه لكن المبيعات كانت قليلة ولم تساعدني على توفير متطلبات العيش وإيجار البيت، وعملت في بيع الرقّي (البطيخ) لكنه لم يكن مجدياً أيضاً".

بعد المحاولتين الفاشلتين، وجدت أم جنات النجاح في بيع الأكلة الأكثر شعبية في العراق، وهي "الدولمة". تقول: "الإطراء الكبير الذي كنت أحصل عليه عند طبخ الدولمة في المنزل من عائلتي والضيوف وملاحظتي لقلة بائعيها ووجود إقبال من الناس جعلني أقرر بيعها لرواد المتنبي".

تبيع أم جنات الدولمة في شارع المتنبي منذ 3 سنوات.

تتابع: "استحسن رواد المتنبي الطعم وأقبلوا عليه شيئاً فشيئاً، وصارت تصلني طلبات للمناسبات العائلية (..) أصبح هذا العمل مصدر رزق قادرا على سد احتياجات العائلة".

ويعتبر شارع المتنبي واحداً من أشهر الشوارع الثقافية التي تزدهر فيها تجارة الكتب بمختلف أنواعها، ويعتبر يوم الجمعة أكثر أيام الشارع نشاطاً، وهو ما تلحظه أم جنات على مستوى مبيعاتها. تقول: "الجمعة يعتبر اليوم التقليدي الذي يسجل أعلى نسبة زيارة إلى المتنبي وأعلى معدل مبيعات، أما باقي أيام الأسبوع فيكون العمل في المساء".

 

أقدم بائعة "دولمة"

 

داخل كشك متواضع في مبنى القشلة التراثي الذي يعد ملتقى لزوار المتنبي، تجلس أم خالد صاحبة أول مشروع لبيع "الدولمة" وهي تتجاذب أطراف الحديث مع زبائنها من مرتادي المبنى التراثي والذين يواظبون على شراء طعامها.

بدأت أم خالد عملها قبل أكثر من ثماني سنوات كما تقول لـ"ارفع صوتك". وتضيف: "تقدّمت بمناشدة للحصول على عمل داخل المبنى الثقافي لإعالة عائلتي، وحصلت على هذا المكان لبيع الأطعمة والشاي وبعض الحلويات التي كان يفتقدها الموقع".

يصف الناشط المدني، سليم الدراجي، أحد مرتادي شارع المتنبي والزبائن الدائمين في كشك أم خالد، الدولمة التي تصنعها أم خالد بـ "الأفضل"، ويقول لـ"ارفع صوتك" الذي التقاه عند الكشك: "أحرص على تناول هذا الأكلة كل يوم جمعة".

يمازح الدراجي السيدة بالقول: "حاولت سرقة سر الطبخة من أم خالد إلا أنها رفضت كشف السر"، فيكون الرد: "السر في التتبيلة الخاصة التي أصنعها بنفسي وأحضرها دون الاعتماد على التوابل الجاهزة".

وتعتبر "الدولمة" واحدة من أكثر الأكلات شعبية في العراق، وتتصدر قائمة موائد المناسبات وأيام الجمعة، وهي عبارة عن أرز متبل مخلوط بالخضار واللحم ولية الغنم يتم حشوه في السلق والبصل والفلفل والباذنجان.

تثني أمل داود على مشاريع بيع الدولمة في شارع المتنبى، تقول وهي من رواده الدائمين: "إضافة إلى النشاطات الثقافية والفنية، كنا نفتقد المطاعم التقليدية التي أصبحت متوفرة حالياً".

وتضيف: "رؤية أغلب بائعي الدولمة من الفتيات أمر يثير الإعجاب، فهذا النوع من العمل ليس معتاداً للمرأة في العراق، ويسجل لشارع المتنبي تمكين المرأة من العمل بسبب طبيعة الرواد وطبيعة الشارع الثقافية والذي يسمح للنساء بخوض غمار عمل قد لا يكون مقبولاً اجتماعياً بشكل كبير".

 

عمل عائلي

 

ليس بعيداً عن مكان السيدتين يعمل عمر خالد منذ أكثر من عام في بيع الدولمة التي يقبل عليها الزبائن بشكل كبير، إلى جانب محشي ورق العنب الذي يلقى رواجاً هو الآخر.

عمر، الذي لا يجيد الطبخ، كما يقول، يتكفل بمهمة نقل قدور الدولمة التي يطبخها أفراد من العائلة ليتولى مهمة بيعها في شارع المتنبى، وبذلك فهو يصف لـ "ارفع صوتك" مشروعه بـ"العائلي".

يتابع: "بسبب كثرة الرواد وقلة المطاعم في شارع المتنبي أصبح بيع الطعام مهنة مدرة للدخل للكثير من الشباب".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.