في العام الماضي فككت وزارة الداخلية العراقية 84 شبكة متخصصة بجرائم الاتجار بالبشر، وحررت 204 من ضحاياها.
حصل ذلك وسط تحديات "إلكترونية" تمثلت في اعتماد هذه الشبكات أكثر على مواقع التواصل في استدراج الفتيات للاستغلال الجنسي، والعمال الأجانب للعمل القسري.
ولا تقتصر جريمة الاتجار بالبشر في العراق على شكل محدد بحسب العميد الحقوقي مدير مكافحة الاتجار بالبشر والأعضاء البشرية، مصطفى الياسري، إنما أخذت صوراً وأشكالاً عديدة، "بحيث يمكن أن نقسم فئاتها إلى العمل القسري للعمالة الأجنبية، والاستغلال الجنسي، وتجارة الأعضاء البشرية، والتسول، وبيع الأطفال".
ويشمل الاتجار بالبشر حسب القانون العراقي طيفاً واسعاً من الجرائم تشمل تجنيد الأشخاص أو نقلهم أو إيواءهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة.
وتشمل أيضا إعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية.
حملات استباقية
وضعت الحكومة العراقية، كما يشير الياسري، الاتجار بالبشر "في أولوياتها". ولذلك "وفرت الدعم المادي والمعنوي وكثفت الجهد الاستخباري ونفذت حملات مستمرة وغيرت اتجاهها ليكون استباقياً لإلقاء القبض على المتورطين بهذه الجرائم وتحرير الضحايا قبل وقوع الجريمة عليهم وتقديم الخدمات الإنسانية والطبية والقانونية لهم".
النتيجة المتحققة من تلك الحملات الاستباقية "تراجع الاتجار بالبشر بنسبة 80 %"، يقول الياسري.
وفي معرض رده عن سؤال لـ"ارفع صوتك" يتعلق بالعقوبات لمن يتم إلقاء القبض عليهم بتهمة الاتجار بالبشر، يبين الياسري أن التعامل يتم "وفق المواد العقابية (5 و6 و7) من قانون الاتجار بالبشر المرقم 28 لسنة 2012 من خلال إجراء التحقيقات وتحويلهم إلى القضاء الذي يقرر العقوبات الخاصة بهم".
أما من يتم المتاجرة بهم والذين يتم اعتبارهم ضحايا فيتم التعامل معهم وفق المادة (1/ ثانيا) من القانون وإحالتهم إلى دور الإيواء لتقديم الخدمات اللازمة لهم استناداً إلى أحكام المادة (11) بكافة فقراتها.
وتنص المواد التي ذكرها الياسري على عقوبة السجن لمدة لا تزيد عن 15 عاماً وغرامة عشرة ملايين دينار على من تثبت عليه تهمة الاتجار بالبشر. وتصل العقوبة إلى المؤبد وغرامة تصل إلى 25 مليون دينار في حال تم الاتجار بمن هم دون الـ18 عاماً، أو إذا كان المجني عليه أنثى أو من ذوي الإعاقة، وتصل العقوبة إلى الإعدام في حال وفاة المجني عليه.
سوء استخدام منظومة الاتصالات
يستخدم كثير من المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر التكنولوجيا الحديثة في إيقاع ضحاياهم، وبشكل خاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما حث وزارة الداخلية على التنسيق مع وزارة الاتصالات لتوفير التقنيات اللازمة لدعم التحقيقات من أجل إيقاع المتورطين بقبضة العدالة واعتقال السماسرة وغلق المواقع المشبوهة التي تروج لهذه الجريمة.
إيقاع المتورطين بالاتجار بالبشر كما شرحه تقرير نشره مجلس القضاء الأعلى، يتم عبر الدخول في منظومة عمليات البيع والشراء والمشاركة في عملية التفاوض، ثم إلقاء القبض على المتاجرين خلال عملية التسليم.
أغلب تلك الحالات تتم لبيع النساء لأغراض البغاء أو العمل القسري، والأطفال لاستخدامهم في التسول وبأسعار تتراوح بين 3 و4 آلاف دولار أميركي.
يتم الحكم على من يتم إلقاء القبض عليهم وفق المادة السابعة من قانون الاتجار بالبشر، التي تعاقب بالحبس ثلاث سنوات أو غرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار لكل من أنشأ أو أدار موقعاً على شبكة المعلومات بقصد الاتجار بالبشر أو سهّل ذلك باستخدام شبكة المعلومات.
يقول المحامي خليفة الربيعي، لـ"ارفع صوتك"، إن "هناك أزمة حقيقية تتعلق بسوء استخدام منظومة الاتصالات الحديثة، فنلاحظ وجود قنوات تلفزيونية غنائية يتم من خلالها عرض أرقام هواتف للتواصل، أو استغلال الفتيات عبر مواقع التواصل والإيقاع بهن في فخ الاتجار بالبشر".
هذه الحالات، وفق الربيعي، تكون غالباً "متزامنة مع وجود تفكك أسري، وهو ما وصل بهذا النوع من الجرائم إلى مستويات عالية وأدى إلى تمكين المجرمين من استغلال الفئات الهشة في المجتمع وجرها إلى حالات مرعبة من العبودية"، على حد تعبيره.
يتابع: "عند حصول مثل هذه الحالات للفتيات بشكل خاص، فإنهن يكنّ غير قادرات على العودة إلى منازلهن خشية القتل أو التعنيف. بالنتيجة تكون الفتاة ضعيفة وبلا مأوى فتضطر إلى الموافقة على العمل سواء كان بالتسول أو في أماكن اللهو وغير قادرة على الإفلات".
حصاد الأعضاء
يضيف الربيعي أن تجارة الأعضاء تأخذ حيزاً كبيراً من جرائم الاتجار بالبشر في العراق، لافتاً إلى طرق "غير تقليدية يتم فيها بيع وشراء الأعضاء"، كأن تتم "عبر عصابة تستدرج الضحايا من العراقيين والوافدين من الجنسيات العربية والآسيوية إلى أحد بيوت اللهو التي يمتلكونها، ويوهمون الشخص بالاهتمام والرعاية وتقديم خدمات متنوعة لهم بطريقة الدفع بالآجل".
"وعندما تصبح المبالغ كبيرة ويكون الضحية غير قادر على التسديد، يتم تخيير الشخص بين الدفع أو السجن، أو حل الموضوع بطريقة أخرى وهي بيع إحدى كليتيه مقابل تلك الأموال، فيضطر الشخص إلى الخضوع ودفع ديونه بهذه الطريقة"، يوضح الربيعي.
يحصل هذا رغم تشديد وزارة الصحة على هذه الحالات ورغم تغليظ القضاء العراقي للعقوبات.
إحدى المشاكل التي يراها الربيعي "حين يكون الشخص هو من يطلب أن تتم المتاجرة به، كنوع من أنواع الخضوع للأمر الواقع. وفي هذه الحالات يتعلق الأمر بالظروف المحيطة به سواء كان مواطنا أو وافد أجنبيا، خصوصاً إذا كان دخوله إلى العراق غير شرعي ولا يمتلك عملا أو مأوى، فيسعى للعمل مع منظمات الجريمة التي توفر له ما يحتاجه".
حالة موافقة الضحية انتبه لها المشرع العراقي وأفرد لها المادة العاشرة من قانون الاتجار بالبشر، إذ اعتبر فيها أن "موافقة ضحايا جريمة الاتجار بالبشر لا يُعتدّ بها في كل الأحوال".
أرقام
تتحفظ وزارة الداخلية العراقية على التصريح حول أرقام وأعداد المتورطين وطبيعة قضايا الاتجار بالبشر أو من يتم الاتجار بهم بشكل تفصيلي.
في المقابل، أورد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية، يتعلق بالاتجار بالبشر في العراق، أن وحدة مكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية العراقية شرعت بالتحقيق مع 183 شخصاً عام 2021، 169 منهم بتهمة الاتجار بالجنس و14 شخصاً بتهمة العمل القسري.
وفي المجمل كما يشير التقرير فإن الحكومة حققت مع 312 شخصاً، ويشكل ذلك انخفاضاً في عدد التحقيقات في قضايا الاتجار المزعومة مقارنة بالفترة المشمولة بالتقرير السابق والتي بلغت 394 تحقيقاً.
أما أعداد من تم تقديمهم إلى المحاكمة فبلغ 184 شخصاً، بما في ذلك 163 متاجراً مزعوماً بالجنس و 21 متاجراً مزعوماً بالعمالة. وقد شكل هذا ارتفاعاً كبيراَ من عدد 35 شخصاً قدموا للمحاكمة في عام 2020، وهو ما شكّل انخفاضاً من 127 متاجراً أدينوا في الفترة المشمولة بالتقرير السابق.
ومن ضمن الـ 83 إدانة، أدين 77 شخصاً بالاتجار بالجنس، وستة أشخاص بالعمالة القسرية. وحكمت المحاكم على المتاجرين بالسجن لمدد تتراوح بين ست سنوات إلى السجن المؤبد، بينما حكم على عدد غير معروف من المتاجرين في قضيتين بعقوبة الإعدام.