الملصق الدعائي للجزء الثاني من مسلسل عالم الست وهيبة.

بعد جدل واسع رافق عرض الجزء الثاني من مسلسل "عالم الست وهيبة"، وتضمن مطالبات برلمانية ودينية بإيقافه بتهمة "الإساءة لشخصيات رموز دينية"، أصدر القضاء العراقي، اليوم الاثنين، أمراً ولائياً بإيقاف عرض المسلسل.

لكن اللافت في القرار القضائي أن أسباب جاءت غير متصلة بحالة الجدل.

وبحسب المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، فإن "الأمر الولائي الصادر بإيقاف عرض المسلسل جاء بناء على الدعوى المقامة من قبل المؤلف صباح عطوان على الشركة المنتجة للمسلسل والقناة التي تعرضه".

وتابع بيان صادر عن المركز الإعلامي: "المؤلف طالب بإيقاف عرض المسلسل لأنه لم يحصل على مستحقاته المالية باعتبارها حقوق مؤلف".

وكان الجزء الأول من المسلسل عرض عام 1997، على القناة العراقية العامة، وحظي بشعبية هائلة لعرضه التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع العراقي نتيجة فرض الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي.

وكان الكاتب العراقي صباح عطوان أعلن عن الشروع بكتابة الجزء الثاني من المسلسل عام 2019 عبر منشور بصفحته على فيسبوك قال فيه :"سنباشر بعد أيام كتابة الجزء الثاني من مسلسل عالم الست وهيبة (...) والذي سيضطلع ببطولته ألمع نجوم الدراما في العراق مع المتميز الفنان غالب جواد الذي سيدخل العمل بإطار جديد، وشخصية امتدادية الجذور بمهيدي بن زمزم في الجزء الأول".

وتدور أحداث المسلسل في عالم الممرضة "وهيبة" التي تتنقل خلال عملها بين الريف والمدينة، وتتناول انتشار المخدرات والجريمة والتفكك الأسري في مجتمع فتك به الفقر والبطالة عبر مسيرة حياة مراهق عراقي يدعى "مهدي"، ويكنى بالطريقة الشعبية العراقية عبر تصغير الاسم إلى "مهيدي".

تداعيات الحصار يطرحها المسلسل عبر سرد حكاية "مهدي" الذي تنفصل والدته عن والده لتتزوج بشخص آخر يقوم باستغلال أطفالها وتشغيل الابن البكر في ورشة لتصليح السيارات، ليتورط في جرائم قتل وسرقة بعد إدمانه المخدرات قبل أن يموت بجرعة زائدة في النهاية.

 

خلافات مع الكاتب

 

الخلافات مع الكاتب ليست جديدة، إذ ظهر أول خلاف على مواقع التواصل الاجتماعي عندما رفع كاتبه صباح عطوان دعوى قضائية ضد المسلسل في فبراير الماضي، مدعياً فيها قيام الجهات المنتجة بتخريب النص وإضافة مؤلفين دون الرجوع إليه.

وكتب عطوان في صفحته على فيسبوك: "تم تسليم ملف عالم الست وهيبة الجزء الثاني إلى القضاء للفصل فيه... ونحن نثق جداً بالقضاء العادل لاسترداد حقوقنا".

وقال بعد عرض المسلسل: "أحمد الله أنه ليس لي في ما يعرض الآن سوى خمس كلمات لا غير (...) فيما زيف ما بعدها".

ونشر عطوان على صفحته  قبل أيام  إيضاحاً حول مجريات سير القضية التي قال عنها إنها ما زالت مستمرة أمام القضاء :"لما تضمنه النص المعروض من تحريف وتزوير لأحداث المسلسل الأصلي المقدمة ملفاته من قبلنا الآن لخبراء القضاء".

الجهة المنتجة بحسب المؤلف قامت بـ"إعادة الموتى من شخصيات المسلسل إحياء بطريقة فجة لم تنل ثناء الجمهور. وفبركة أحداث زائفة بالاستعانة بمؤلفين غير عراقيين تجاوزاً على حقوقنا القانونية في النص".

وأضاف أن التغييرات الجديدة "جعلت المسلسل في حالته الراهنة غير ملائم ويرسل خطابات ضارة للمجتمع ولا يتوافق مع رؤيتنا الدرامية و لصنعتنا الأحداث من خلال الأحداث الملفقة والمزورة والمفبركة فيه، مما أفقدنا حضورنا ورؤيتنا في المسلسل تماماً".

 

مطالبات الإيقاف النهائي

 

بالتزامن مع بدء عرض المسلسل في الأول من رمضان، بدأت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف إلى إيقاف عرض المسلسل أو اقتطاع مشاهد البطل كونه يحمل اسم "مهدي" ويكنى "أبو صالح"، ما اعتبرته الحملة إساءة لشخصية إسلامية مقدسة عند المسلمين الشيعة في العراق (الإمام المهدي).

تصاعدت الحملة خلال الأيام القليلة الماضية ليعلن الوقف الشيعي، يوم 17 مارس، في بيان عن اتخاذه "جميع الإجراءات الدستورية والقانونية اللازمة تجاه كل من يحاول ويسعى للإساءة من الرموز الدينية المقدسة، كما أنه لن يسمح للساعين إلى ذلك".

بيان الوقف الشيعي جاء بعد يوم واحد من مطالبة رئيس كتلة حقوق النيابية التابعة لعصائب أهل الحق، سعود الساعدي، هيئة الإعلام والاتصالات بإيقاف بث المسلسل، معتبراً أن شخصيات المسلسل "تسيء للرموز الدينية، ومقتبسة من البعث المقبور"، على حد تعبيره.

وقال الساعدي في البيان :"وردتنا العديد من الشكاوى والمناشدات من المواطنين تتضمن وجود إساءة عمدية للرموز الدينية.. والتي تتمثل باختيار شخصية (مهيدي أبو صالح) في إشارة واضحة تتضمن الإساءة العمدية بصيغة الكناية والتورية إلى شخصية الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر والأخير عند الشيعة الاثني عشرية)".

وانضم القيادي في التيار الصدري حازم الأعرجي إلى المطالبين بإيقاف المسلسل عبر فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيه :"اسم الإمام المهدي عزيز علينا ونتعبد به... الرقابة لها دور والرمزيات يجب احترامها ولا يجوز أن نسكت. هؤلاء إما متعمدون أو سهواً ولو أني أستبعد ذلك"، مطالباً بـ"معالجة الحالة بتغيير الاسم أو إلغاء المسلسل".

 

الحريات في خطر

 

في مواجهة الحملة المطالبة بإيقاف المسلسل، رأى إعلاميون وناشطون أن المسلسل لا يحمل إساءة للإمام المهدي كما يرى المطالبون بإيقافه.

واعتبر الصحفي والكاتب السياسي بهاء خليل في صفحته على موقع إكس أن :"إيقاف عرض المسلسل لأن المجرم اسمه مهدي لن يغير شيئاً من الواقع وإنما سيزيد من كمية السخرية منكم لا أكثر".

ووضع خليل مقطع فيديو لمجرم ارتكب جريمة ويحمل اسم "مهدي" وقال إنه :"قتل عائلة كاملة من خمس أشخاص في جريمة حدثت في التسعينات وعرفت وقتها بجريمة الغزالية".

الناشطة السياسية تمارا الخزرجي بدورها قالت: "إذا قضينا على هذا المسلسل سيتم حل مشاكل أتباع الإمام المهدي الذين يأكلون من النفايات، ونقضي على الذلة التي يعيشونها بحكومة الفضلاء والأولياء وهي واحدة من آلاف المشكلات الحالية".

وكتب الصحفي محمد شفيق في صفحته على الفيسبوك أن "كل الجدل الذي يثيرونه في كل رمضان هو تنفيس لفشلهم الإعلامي والفني"، معتبراً أن الهجمة على المسلسل جاءت بنتائج عكسية "لأنهم يعملون دعاية مجانية للقناة وللعمل".

الفنان زياد برونز وهو أحد الممثلين المشاركين في المسلسل طرح على صفحته في فيسبوك أسئلة قال إنها "مهمة" تتعلق بموعد عرض الجزء الأول قبل أكثر من ربع قرن، مشيراً إلى إعادة عرضه لعدة مرات بعد العام 2003 دون أن تكون هناك احتجاجات رغم أن اسم البطل لم يتغير.

وطالب برونز نقابة الفنانين العراقيين وهيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحفيين ونقابة المحامين وشبكة الإعلام العراقي بـ"التدخل فوراً لسن قانون يحمي الإنتاج الدرامي العراقي ووضع ضوابط تشمل الجهات المنتجة والعاملين فيها من قنوات فضائية حكومية أو خاصة وشركات الإنتاج".

المذيع أحمد شرار كتب هو الآخر على صفحته، قائلا :"لنفرض أن الادعاءات حول المسلسل صحيحة وغير مدفوعة من جهات تستفيد من هكذا صراعات، لماذا لا تقوم هذه الجهات وهي صاحبة المال والسلطة بخلق الضد النوعي وإنتاج مسلسل يبهر ويستقطب الجمهور ويسحب البساط من تحت جميع الأعمال الدرامية."

وتشارك الإعلامي حسام السراي ذكريات الطفولة عندما كان أحد متابعي المسلسل قائلاً :"لامع جداً هذا المسلسل وراسخ في البال كما رسوخ اللمة العائلية حول الشاشة". وأضاف "يصر السياسي، ملك التاهو في الزمان العراقي الجديد أن يقول للناس والمجتمع جميعا أنا أعرف، أنتم لا تعرفون. ومع بدء عرض الجزء الثاني من" عالم الست وهيبة " يأتي الاعتراض الفوقي المدجج بقوة المصادرة للذكريات، فيقول اسم البطل فيه إساءة".

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.