صورة من العرض العسكري الاحتفالي بعيد الجيش العراقي، 6 يناير 2024
"لم يعد هناك لا تفجير ولا مفخخات ولا حوادث اغتيال قائمة على بعد طائفي" بحسب أستاذ علوم سياسية عراقي- تعبيرية

لم يعد العراق من بين الدول العشر الأكثر تأثرا بالإرهاب، بحسب تقييم التقرير السنوي لمعهد الاقتصاد والسلام في سيدني لأوضاع العراق ومدى تأثره بالإرهاب خلال العام الماضي، اعتمادًا على نتائج مؤشر الإرهاب العالمي 2024.

ويقدم التقرير في نسخته الحادية عشرة، رصدًا لأبرز الاتجاهات العالمية والإقليمية للتهديدات الإرهابية وتصاعدها من خلال تحليل آثارها وتداعياتها حول العالم، مشيراً إلى انخفاض إجمالي الوفيات بسبب العمليات الإرهابية في العراق عام 2023 بنسبة 65% مقارنة بالأعوام الماضية.

تعليقاً على ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام كاظم الفيلي إن نسبة تعافي العراق من الإرهاب "تكاد تكون أكثر من المذكورة في التقرير".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "لم يعد هناك لا تفجير ولا مفخخات ولا حوادث اغتيال قائمة على بعد طائفي. لقد بدأ العراق في مشروع الدولة الحقيقي وهو دولة الخدمات في هذه المرحلة، كذلك تعزيز الثقة المتبادلة ما بين أقطاب العملية السياسية في هذا الموضوع. وقد يكون هناك اختلافات لكن سببها ليس طائفياً".

ويعتبر الفيلي أن طبيعة التعاون القائم بين أجهزة الأمن العراقية وغرف الاستخبارات التي تشكلت بين العراق والمجتمع الدولي، والخبرات المتراكمة في مجال محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه، تمثل أبرز العوامل التي أدت إلى "تجفيف منابع الإرهاب وتحركاته في العراق".

طيلة الأعوام الماضية قبل 2023، كان العراق دائماً في مقدمة الدول العشر على قائمة مؤشر الإرهاب العالمي، لكنه جاء العام الماضي ولأول مرة في المرتبة 11 حسب تقرير المعهد، ما  يشير لانخفاض كبير في معدلات العمليات الإرهابية وأعمال العنف.

لكن الحفاظ على هذا الاستقرار يتطلب، كما يقول الفيلي "خطاباً قائماً على أساس التسامح وتقديم مصلحة الوطن من ناحية الاستقرار. فما يحدث الآن هو انتقال المشاكل التي كانت موجودة في السابق ما بين المكونات الاجتماعية والسياسية إلى داخل المكون الواحد والمحافظة الواحدة، لذلك يحتاج العراق إلى خطاب هادئ متزن يفضي إلى بناء دولة حقيقية".

ولأول مرة، وفق تقرير معهد الاقتصاد والسلام، سجل مؤشر عداد الوفيات في العراق جراء الإرهاب خلال 2023 أقل من مئة حالة وفاة، مقارنة بالأعداد المسجلة عام 2007 حيث بلغت  ذروتها.

وانخفض إجمالي الوفيات بنسبة 99% وانخفضت أعداد الحوادث والعمليات الإرهابية بنسبة 90%، أضاف التقرير.

من جهته، يشرح الخبير الأمني والإستراتيجي علاء النشوع، لـ"ارفع صوتك": "بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي، عمدت الأطراف الفاعلة في العراق إلى تحولات كثيرة منها إبعاد الساحة العراقية عن أي صراعات داخلية واقليمية ودولية، لأسباب تتعلق بانعكاس الآثار السلبية عن الأمن الإقليمي والأمن والسلام الدوليين".

كما لعبت العوامل الاقتصادية هي الأخرى دورا بارزاً فيما حققه العراق من استقرار، بحسب النشوع، مردفاً "الجوانب الاقتصادية التي أرخت بظلالها على المنطقة وخاصة الخليجية والعربية بالذات، باعتبار أن التحديات التي كانت موجودة بين السعودية وبعض دول الخليج وإيران، أخذت طريق الدبلوماسية في الحلول، وقدمت إيران تعهدات كبيرة لدول الخليج بذلك".

ويرى النشوع أن أميركا أيضاً "لعبت دوراً كبيراً في تحقيق هذا الاستقرار، عبر توجيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في السياسات الداخلية والخارجية ومحاولة دفعه لإيجاد علاقات متوازنة في المنطقة، والمضيّ قدماً في سياسات سحب البساط من تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران وسطوتها على القرار السياسي العراقي".

في الوقت نفسه، يحذر الخبير الأمني "من الدور التركي والإيراني في تصفية حسابتهما داخل العراق، إذ من شأنه تهديد ما تحقق من استقرار. كما أن سيطرة المليشيات على الإدارات المحلية للمحافظات السنيّة سيخلق أجواءً متوترة أمنياً وعسكرياً".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.