لم يعد العراق من بين الدول العشر الأكثر تأثرا بالإرهاب، بحسب تقييم التقرير السنوي لمعهد الاقتصاد والسلام في سيدني لأوضاع العراق ومدى تأثره بالإرهاب خلال العام الماضي، اعتمادًا على نتائج مؤشر الإرهاب العالمي 2024.
ويقدم التقرير في نسخته الحادية عشرة، رصدًا لأبرز الاتجاهات العالمية والإقليمية للتهديدات الإرهابية وتصاعدها من خلال تحليل آثارها وتداعياتها حول العالم، مشيراً إلى انخفاض إجمالي الوفيات بسبب العمليات الإرهابية في العراق عام 2023 بنسبة 65% مقارنة بالأعوام الماضية.
تعليقاً على ذلك، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة المستنصرية عصام كاظم الفيلي إن نسبة تعافي العراق من الإرهاب "تكاد تكون أكثر من المذكورة في التقرير".
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "لم يعد هناك لا تفجير ولا مفخخات ولا حوادث اغتيال قائمة على بعد طائفي. لقد بدأ العراق في مشروع الدولة الحقيقي وهو دولة الخدمات في هذه المرحلة، كذلك تعزيز الثقة المتبادلة ما بين أقطاب العملية السياسية في هذا الموضوع. وقد يكون هناك اختلافات لكن سببها ليس طائفياً".
ويعتبر الفيلي أن طبيعة التعاون القائم بين أجهزة الأمن العراقية وغرف الاستخبارات التي تشكلت بين العراق والمجتمع الدولي، والخبرات المتراكمة في مجال محاربة تنظيم داعش والقضاء عليه، تمثل أبرز العوامل التي أدت إلى "تجفيف منابع الإرهاب وتحركاته في العراق".
طيلة الأعوام الماضية قبل 2023، كان العراق دائماً في مقدمة الدول العشر على قائمة مؤشر الإرهاب العالمي، لكنه جاء العام الماضي ولأول مرة في المرتبة 11 حسب تقرير المعهد، ما يشير لانخفاض كبير في معدلات العمليات الإرهابية وأعمال العنف.
لكن الحفاظ على هذا الاستقرار يتطلب، كما يقول الفيلي "خطاباً قائماً على أساس التسامح وتقديم مصلحة الوطن من ناحية الاستقرار. فما يحدث الآن هو انتقال المشاكل التي كانت موجودة في السابق ما بين المكونات الاجتماعية والسياسية إلى داخل المكون الواحد والمحافظة الواحدة، لذلك يحتاج العراق إلى خطاب هادئ متزن يفضي إلى بناء دولة حقيقية".
ولأول مرة، وفق تقرير معهد الاقتصاد والسلام، سجل مؤشر عداد الوفيات في العراق جراء الإرهاب خلال 2023 أقل من مئة حالة وفاة، مقارنة بالأعداد المسجلة عام 2007 حيث بلغت ذروتها.
وانخفض إجمالي الوفيات بنسبة 99% وانخفضت أعداد الحوادث والعمليات الإرهابية بنسبة 90%، أضاف التقرير.
من جهته، يشرح الخبير الأمني والإستراتيجي علاء النشوع، لـ"ارفع صوتك": "بعد انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي، عمدت الأطراف الفاعلة في العراق إلى تحولات كثيرة منها إبعاد الساحة العراقية عن أي صراعات داخلية واقليمية ودولية، لأسباب تتعلق بانعكاس الآثار السلبية عن الأمن الإقليمي والأمن والسلام الدوليين".
كما لعبت العوامل الاقتصادية هي الأخرى دورا بارزاً فيما حققه العراق من استقرار، بحسب النشوع، مردفاً "الجوانب الاقتصادية التي أرخت بظلالها على المنطقة وخاصة الخليجية والعربية بالذات، باعتبار أن التحديات التي كانت موجودة بين السعودية وبعض دول الخليج وإيران، أخذت طريق الدبلوماسية في الحلول، وقدمت إيران تعهدات كبيرة لدول الخليج بذلك".
ويرى النشوع أن أميركا أيضاً "لعبت دوراً كبيراً في تحقيق هذا الاستقرار، عبر توجيه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في السياسات الداخلية والخارجية ومحاولة دفعه لإيجاد علاقات متوازنة في المنطقة، والمضيّ قدماً في سياسات سحب البساط من تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران وسطوتها على القرار السياسي العراقي".
في الوقت نفسه، يحذر الخبير الأمني "من الدور التركي والإيراني في تصفية حسابتهما داخل العراق، إذ من شأنه تهديد ما تحقق من استقرار. كما أن سيطرة المليشيات على الإدارات المحلية للمحافظات السنيّة سيخلق أجواءً متوترة أمنياً وعسكرياً".