عمليات الإعدام في العراق تلاقي انتقادات من جماعات حقوق الإنسان (أرشيف)
عمليات الإعدام في العراق تلاقي انتقادات من جماعات حقوق الإنسان (أرشيف)

لعقود طويلة أهملت الحكومات العراقية المتعاقبة ملف السجون حتى باتت اليوم مكتظة بأكثر من 64 ألف سجين، رغم أن قدرتها الاستيعابية لا تتجاوز أقل من نصف هذه الأعداد

هذا الاكتظاظ المزمن حول السجون ومراكز الإيداع من أماكن لإصلاح السجناء إلى بنايات عقابية ذات بنية تحتية متهالكة توصي المنظمات الأممية دورياً بتأهيلها، ويُطالب مختصون بتعديل القانون ليتضمن عقوبات بديلة وإصدار قانون العفو العام لتقليل نزلائها.

بُني أول سجن في العراق عام 1918، وهو سجن "القلعة" الذي كان عبارة عن غرف في مقر وزارة الدفاع آنذاك. وخلال حقبة الاحتلال البريطاني تم تأسيس "سجن السيم"، ثم أنشئ سجن بغداد المركزي في منطقة باب المعظم، بعد ذلك نُقل السجن إلى "أبو غريب" الذي تم بناؤه أواخر خمسينيات القرن الماضي.

وصدر أول قانون للسجون في 1924 ليتم إلغاؤه بعد 12 عاماً، ويحلّ محلة القانون "رقم 66" الذي ظل نافذاً حتى صدور القانون "رقم 51 لعام 1969"، وأخيراً صدر قانون المؤسسة العاملة للإصلاح الاجتماعي "رقم 104 لعام 1981".

صورة لعادل انتشرت في مواقع التواصل بعد القبض عليه
عادل و8 شهور من الاعتقال والتعذيب في السجون العراقية
لم يتمكن المتظاهر، عادل عدي الزيدي، من المشاركة في الذكرى السنوية الأولى لانطلاقة تظاهرات تشرين في العراق إثر توقيعه على تعهدات قسرية بعدم المشاركة في التظاهرات مجددا قبل إطلاق سراحه من قبل القوات الأمنية في يونيو الماضي.

 

"نظرة قاصرة"

منذ تسلم حزب البعث للسلطة في ستينيات القرن الماضي وحتى سقوطه عام 2003، لم تتوفر إحصائية بعدد السجون أو عدد السجناء المحتجزين فيها، بحسب مدير إعلام وزارة العدل مراد السعدي.

أما حالياً، يقول السعدي لـ"ارفع صوتك"، فإن هناك 27 سجناً تابعاً لوزارة العدل في مختلف مناطق العراق تنقسم إلى سجون للرجال وأخرى للنسا، بالإضافة لسجون خاصة بالأحداث دون سن 18.

ويؤكد أن هذه السجون "تعاني من الاكتظاظ الذي وصل في بعضها إلى 300% من الطاقة الاستيعابية حيث يتجاوز عدد النزلاء 64 ألفاً".

في المقابل، لا تتجاوز الطاقة الاستيعابية للسجون في العراق 24 ألف سجين، كما يقول الخبير في حقوق الإنسان كامل أمين لـ "ارفع صوتك"، مردفاً "هذا الأمر  يعتبر إحدى المشاكل الكبيرة التي تواجه العراق في مجال تطبيق البرامج الإصلاحية، وتوفير الحد الأدنى من معايير حقوق الإنسان بإيجاد مكان ملائم يحفظ كرامة السجين من ناحية المأكل والمشرب والتهوية".

ويرى أمين أن الحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد 2003 "أهملت هذا الملف ولم تعطه أي أهمية، ناهيك عن النظرة الانتقامية لبعض أصحاب القرار التي ترى بأن المحتجزين إرهابيون ومجرمون، وهي نظرة قاصرة تتعارض مع الالتزامات الدولية" على حدّ تعبيره.

سجون العراق
"صعق وعنف جنسي" .. تقرير: التعذيب مستمر في السجون العراقية والقوانين "حبر على ورق"
كشف تقرير صدر عن الأمم المتحدة، الثلاثاء، استمرار ممارسات "التعذيب" للمحتجزين في السجون العراقية، وغالبيتهم من المقبوض عليهم في قضايا تتعلق بالإرهاب، على الرغم من الضوابط القانونية التي تمنع هذه الممارسة التي قالت

 

اتهامات أممية

أصدرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بالمشاركة مع مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) تقريراً بعنوان "حقوق الإنسان في تطبيق العدالة في العراق: الشروط القانونية والضمانات الإجرائية لمنع التعذيب وسوء المعاملة".

يغطي التقرير الفترة من يوليو 2019 حتى أواخر أبريل 2021، ويستند إلى مقابلات مع 235 سجيناً قدم أكثر من نصفهم روايات ذات مصداقية عن سوء معاملة معظمها أحيلت إلى مرافق خاضعة لسلطة وزارة الداخلية في المركز وإقليم كردستان.

وأشار  إلى انتشار عدم إمكانية الحصول على الدفاع وعدم كفاية الفحص الطبي، وأعرب عن القلق من أن الآليات القائمة لمعالجة شكاوى التعذيب تبدو غير فعالة.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر عام 2022، أن السجناء "تعرضوا للضرب المتكرر، وحشروا في زنازين مكتظة وقذرة، وحرموا من الرعاية الصحية الوافية، وما يكفي من الطعام ومياه الشرب إلا إذا دفعوا ثمنه، ومن الزيارات العائلية المنتظمة".

التقارير التي تحدثنا عنها، يرد عليها السعدي بتعليق مقتضب، أن "وزارة العدل جهة إيداع وليس من شأنها أن تعذب النزلاء، ولهذا فإن حالات التعذيب إن وجدت فهي حالات فردية تتم معاقبة مرتكبيها".

 

أرقام صادمة

خلص تقرير أصدرته "شبكة العدالة للسجناء" أن العراق يعاني من تشتت التبعية المرجعية لإدارة السجون ما بين وزارة العدل والداخلية والجهات العسكرية وإقليم كردستان.

الشبكة وهي منظمة مجتمع مدني عراقية أصدرت تقريرها بالاعتماد على زيارات ميدانية لـ16 سجناً تابعاً لوزارة العدل وثلاثة مواقع تابعة لوزارة الداخلية بالإضافة إلى 13 موقعاً تابعاً لحكومة إقليم كردستان.

ووجدت أن 50 % من تلك السجون تعاني من الاكتظاظ، و40% غير قادرة على توفير المساحة السجنية، فيما لا تتوفر أي من الخدمات الصحية في سجون النساء أو الأطفال المصاحبين لأمهاتهم.

مشاكل عديدة رصدتها الشبكة خلال تقريرها، منها أنه لا يتم فصل الفئات في 72% من السجون، كما أن 56% من أماكن الاحتجاز غير صالحة، و49% من الحمامات غير نظيفة ولا تصلح للاستخدام فيما لا تتمكن 53% منها من توفير الصوابين والمساحيق، وسجلت في 30% منها اعترافات إساءة معاملة.

وذكر التقرير أن المواقع السجنية بصورة عامة تفتقر إلى العدد الكافي من الموظفين وخاصة الباحثين الاجتماعيين والنفسيين والمترجمين والأطباء المتخصصين ومدربي المهن والعديد من التخصصات.

في الوقت ذاته، وجد التقرير ضمن موظفي السجون خريجي كليات ومعاهد ليست لاختصاصتهم أية علاقة بالملف السجني أو الإدارة السجنية أو عملية الإصلاح الاجتماعي.

كما تفتقر السجون التي تم زيارتها بنسبة 100% إلى البرامج الإصلاحية والتأهيلية ولا تتوفر فيها برامج إعادة الإدماج أو برامج تعليم مهن وإسناد السجناء وودعمهم بعد إطلاق سراحهم.

 

ما الحل؟

يتطلب تحقيق معايير حقوق الإنسان للسجناء في العراق شروطاً عديدة أوصت بها بعثة الأمم المتحدة في تقريرها.

يقول مدير إعلام وزارة العدل مراد السعدي، إن وزير العدل "وجه إلى الشروع بتخفيف الاكتظاظ عبر إعادة تأهيل وتوسيع عدد من السجون وافتتاح أخرى، ونسعى مع نهاية العام المقبل إلى أن تكون السجون العراقية مطابقة للمعايير الدولية وحقوق الإنسان".

تأهيل السجون لتخفيف الاكتظاظ لن يشمل البنية التحتية فحسب، يضيف السعدي "بل سيكون هناك تعديل في القوانين عبر اقتراح فرض عقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، بالإضافة إلى الإفراج الشرطي. كما ستسهم المصادقة على قانون العفو العام بتخفيف إعداد المودعين".

من جهته، يقول الخبير في حقوق الإنسان كامل أمين، إن البنية التحتية للسجون في العراق "لم تشهد بناء سجن بعد عام 2003 باستثناء سجن الناصرية المركزي الذي يطابق المعايير من حيث البيئة السجنية والضرورات الأمنية واختيار الموقع، كما تم بناء سجن بابل المركزي الذي تلكأ تنفيذه لسنوات قبل أن يتم افتتاحه".

أما ما يتوفر من سجون "فقد قام العراق بتحويل بعض البنايات منها كأقفاص الأسر التي كانت في الحرب العراقية الإيرانية مثل سجن سوسة وباروش وجمجمال. وهناك سجون صغيرة في البصرة، وفي الحلة سجن قديم جداً لا تتوفر فيه المعايير وسجون أخرى ببقية المحافظات"، بحسب أمين.

يتابع: "وهناك سجون يتم العمل على إكمال بنائها بعد تلكؤها كسجن النجف وواسط وكذلك سجن في منطقة الخان بين العاصمة بغداد وديالى".

بالنسبة للتصنيف، يضيف أمين  أنه سيتم تخصيص سجن أبو غريب لقضايا المخدرات حصراً، في وقت قريب، حيث يوجد نحو 11 ألف سجين في قضايا تتعلق بالمخدرات.

وفي معرض رده على سؤال لـ "ارفع صوتك" يتعلق بمدى إمكانية تغيير القوانين لمعالجة الوضع في السجون العراقية، يبين أمين، أن هناك "مشروع قانون لإيجاد عقوبات بديلة من خلال العمل المجتمعي والغرامات ومراقبة السلوك أسوة بما معمول به في مناطق عديدة من العالم".

ويلفت أمين إلى أن مشروع القانون "سيأخذ وقتا لتشريعه، وفي جميع الأحوال لن تكون هناك عقوبات بديلة لجرائم معينة كالإرهاب والجرائم الخطرة".

أما التحدي الكبير الذي يجابه عملية إصلاح السجون، فهو توفير الموارد البشرية، رغم أن الوزارة بينت حاجتها خاصة إلى حراس إصلاحيين دون أن تخصص لها وظائف خلال العشر سنوات الماضية إلا بطريقة "خجولة جداً ومحدودة" وفق تعبير أمين.

ويطالب الحكومة بوضع "خطة خاصة بعد اكتمال الأبنية الجديدة لتعيبن مؤهلين ضمن مواصفات خريجين كحد أدنى خريجي معاهد وكليات".

وعندما يتحد التخصص مع تخفيف الاكتظاظ "سنجد أنفسنا أمام تطور هائل في ملف السجون العراقية"، يكمل أمين.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.