عملات عراقية منذ العهد الملكي معروضة في أحد محال بيع العُملات داخل العراق
عملات عراقية منذ العهد الملكي معروضة في أحد محال بيع العُملات داخل العراق

بين مقتنيات محلّه في شارع الميدان وسط العاصمة العراقية بغداد يجلس ضياء زامل وهو يفحص بعين خبير مجموعة من العملات المعدنية لتقييمها وفرزها، استعداداً لعرضها على هواة جمع العملات الذين تستهويهم عملة العهد الملكي بشكل خاص داخل وخارج العراق.

بدأ زامل عمله في بيع العملات قبل سنوات عديدة على سبيل الهواية، وشيئاً فشيئاً تطور العمل وتحول إلى تجارة يشاركه فيها اليوم أحد أبنائه الذي أحب المهنة مثل والده.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن سوق العملات القديمة في العراق "رائج بشكل كبير". وفي مقدمة هذه العملات تأتي المسكوكات والعملات الورقية الخاصة بفترة الحكم الملكي للعراق (1932-1958).

"هذه العملات مطلوبة داخل وخارج العراق بشكل كبير وتصل أسعار بعضها إلى آلاف الدولارات"، يضيف زامل، موضحاً أن الإنترنت أسهم كثيراً في رواجها واطلاع الهواة من جامعي العملات عليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وعبر مواقع إلكترونية يتم عرض عُملات في مزادات دورية داخل وخارج العراق،  كما تحوّل العديد من الهواة إلى متخصصين في هذا المجال، بحسب زامل.

وتعتمد قيمة العملة "على عوامل عديدة منها تاريخ إصدارها والكمية التي تم سكّها منها، فكلما كانت الكمية المتوفرة منها أقل عدداً، ارتفع سعرها".

النادر من العملات الملكية وصل إلى أسعار صادمة في مزادات جرى عقدها خارج العراق، أحدثها في ديسمبر الماضي، حين أعلن مزاد الأوراق النقدية العالمية "نونا مايفير" عن بيع ورقة نقدية من فئة 100 فلس تعود لعام 1941 طُبعت في الهند خلال الحرب العالمية الثانية بأكثر من 126 ألف دولار أميركي.

 

تاريخ العملة الملكية

في عام 1932 تداول العراقيون لأول مرة عملتهم الوطنية التي حملت صورة الملك فيصل الأول وجرت طباعتها في العاصمة البريطانية لندن من قبل شركة "برادبري ويلكينسون وشركائه"، متمثلة بالدينار العراقي، وتحمل اسم الحكومة العراقية في الأعلى وصورة الملك فيصل الأول إلى اليمين وقيمة العملة في الوسط.

تضمنت العملة آنذاك ست فئات ورقية وهي ربع دينار ونصف دينار ودينار واحد، وخمسة وعشرة ومئة دينار،  التي كانت عملة كبيرة جداً في حينها تساوي شراء دار سكنية في ذلك الوقت، كما تم إصدار سبع عملات معدنية من البرونز والنيكل والفضة.

وحين توفي فيصل الأول، بعد أزمة قلبية مفاجئة عام 1933، تم إصدار عملة ورقية جديدة تحمل صورة الملك غازي بعد توليه الحكم. وكانت مواصفات هذه المسكوكات النقدية تشابه من جميع النواحي مثيلاتها السابقة باستثناء أنها تحمل صورة الملك متجهة إلى اليسار.

توفي الملك غازي بحادث سيارة عام 1939 لتصدر أولى الفئات النقدية التي تحمل صورة الملك فيصل الثاني الذي استمر في حكمه حتى مقتله عام 1958 في مذبحة قصر الرحاب الشهيرة.

قتل الملك فيصل الثاني ولم يكن تجاوز من العمر 23 عاما.
مجزرة قصر الرحاب.. نهاية دموية لحُكم الهاشميين في العراق
كان عبد الستار العبوسي في القصر لحظة خروج العائلة المالكة. ما إن رآهم حتى هرع نحوهم قفزًا.. وتأكد من الضابط المرافق لهم أنه اصطحب كافة العائلة الهاشمية، ثم رفع رشاشه وراح يُطلق الرصاص يمينًا ويسارًا حتى سقطوا جميعًا مضرجين بدمائهم.

وخلال توليه الحكم، أُصدرت الطبعة الثالثة من العملة العراقية التي كانت مشابهة للسابقة وتحمل صورة الملك وهو طفل صغير.

في فترة اشتعال الحرب العالمية الثانية ظهرت الحاجة إلى مزيد من النقد، ولانشغال بريطانيا تقرر طباعة العملة العراقية في الهند، كما تم إلغاء عملة المئة فلس من ذلك الإصدار لاحقاً لرداءتها.

في 1944، طُبعت أوراق جديدة تعود لنفس هذا الإصدار لكن كانت صورة الملك فيصل الثاني فيها بسن صبي يافع من فئتين، هما ورقتان نقديتان من فئة ربع دينار ونصف دينار.

في عام 1947 تأسس المصرف الوطني العراقي وأصدر بعدها بعامين الطبعة الخامسة وكانت ورقية فقط تحمل صورة الملك فيصل الثاني، وهو فتى بسن المراهقة. وأصدرت طبعة جديدة منتصف الخمسينيات ضمت أوراقاً نقدية من فئات تشابه الإصدارات السابقة باستثناء كونها تحمل صورة الملك بسن أكبر قليلاً، وكانت الصورة التقطت بعد تتويجه ملكاً على العراق.

في عام 1958، قام البنك المركزي بإصدار آخر عملة ملكية تحمل اسم البنك المركزي العراقي بدلاً من المصرف الوطني العراقي.

"ضربة حظ"

أندر العملات الملكية التي تم إصدارها على الإطلاق هي من فئة "100 دينار بصورة فيصل الأول، ويصل سعرها حالياً إلى 200 ألف دولار  لندرتها وقلة إصداراتها"،  بحسب أبو محمد وهو أحد باعة العملات في سوق خان المدلل التراثي.

ويشير  إلى وجود "فرق سعري كبير بينها وبين 100 دينار بصورة  الملك غازي التي طبع منها الكثير، حيث تم عرضها مؤخراً بسعر 30 ألف دولار. أما أقل الأسعار فتعود لفترة الملك فيصل الثاني بسبب توفرها".

ورداً على سؤال "ارفع صوتك" حول كيفية الحصول على عملات العهد الملكي، يبين أبو محمد أنها "غالبا تأتي من العوائل المحتفظة بها، وكثيراً ما تكون المسألة عبر ضربة حظ إذ يجد أحدهم بعض هذه العُملات بين أغراض الأجداد والأنتيكات".

"وكثيراً ما تضيع تلك الأموال بسبب عدم معرفة الجمهور بقيمتها الحقيقية"، يتابع أبو محمد.

من جانبه، يشرح خبير المسكوكات الدكتور ضياء الحسن، أن سبب ندرة وغلاء سعر 100 دينار فيصل الأول، أن "فيصل الثاني كانت لديه رغبة بجمعها من التجار لقلتها حتى في ذلك الوقت واستبدالها بمئة دينار من إصدار جديد"، لكن ما حصل أن "أغلب التجار اعتزّوا بها ولم يتم تسليمها، بالنتيجة أصبحت العملة الورقية النظيفة منها من النوادر ويتراوح سعرها بين (200-250 ألف دولار أميركي".

ويوضح لـ"ارفع صوتك" أن قيمة العملة الملكية تأتي من "تاريخ إصدارها وكمية ما تم طبعه أو سكه منها. كلما كانت العملة أقدم في التاريخ كالعملات التي تم سكّها في عهد الملك فيصل الأول، وتقل القيمة كلما اقتربنا من نهاية الحكم الملكي أواخر الخمسينيات".

السبب في ذلك يعود إلى أن "ما تمت طباعته من العملة في فترة الخمسينيات وبسبب التطور المالي والاقتصادي أكبر من حيث الكمية التي طرحت في الفترة الأولى والثانية للعهد الملكي"، بحسب الحسن.

ويلفت إلى أن العملة الورقية "تتأثر بمكان الإصدار إذا ما كان في لندن أو الهند أو في داخل العراق كما تتأثر بالتوقيع الشخصي لمن له حق أمر الإصدار، فالعملة التي تحمل توقيع جعفر العسكري وهو وزير الدفاع وتقلد العديد من المناصب الأخرى أعلى من حيث القيمة".

أما عملات الملك فيصل الثاني، يقول الحسن "يتم تعريفها بحسب صورته على العملة فصورة الملك الطفل تُعرف في السوق باسم البيبي، فيما تعرف الطبعة التي تليها باسم الصبي وأخيراً بعد تتويجه تسمى العملة بالشاب".

كما أن هناك إصدارات نقدية نادرة ولها قيمة عالية جداً كان يتم طبعها خلال فترات المناسبات كتتويج الملوك، إضافة إلى المطبوعة بشكل خاطئ، مثل عملة فئة 20 فلساً في زمن فيصل الأول وكان الخطأ في كتابة التاريخ الهجري الذي كان 1252 بدلاً عن 1352.

في النهاية، يتابع الحسن، فإن العملة الملكية العراقية "تعتبر الأكثر جمالاً وطلباً في السوق داخلياً وخارجياً كما أن قيمتها تزداد بمرور الزمن ولا تنقص".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.