صورة تعبيرية لمواطن عراقي في إحدى محطات البنزين في الموصل شمال العراقص- ا ف ب
صورة تعبيرية من إحدى محطات البنزين في الموصل شمال العراق- ا ف ب

أثار قرار الحكومة العراقية رفع سعر البنزين المحسن جدلاً كبيراً وسخطاً شعبياً في الشارع العراقي لما له من تداعيات اقتصادية، وسط مخاوف أمنية من تظاهرات بدأت أولى بوادرها من محافظة البصرة جنوب البلاد.

وكانت الحكومة العراقية أعلنت، الثلاثاء الماضي، مجموعة من القرارات في إطار خطة حكومية للتخفيف من الازدحام المروري الذي تعانيه العاصمة بغداد بشكل خاص. كان منها رفع أسعار البنزين المحسن من 650 ديناراً إلى 850 ديناراً للتر الواحد، والبنزين الممتاز من 1000 دينار إلى 1250 ديناراً للتر الواحد، اعتباراً من مايو المقبل.

على الرغم من استثناء القرار للبنزين العادي وإبقائه عند عتبة الـ450 ديناراً للتر الواحد، إلا أن ذلك لم يحل دون خوف المواطنين من قرارات مشابهة في المستقبل يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الغلاء.

أولى بوادر السخط الشعبي بدأت من كورنيش شط العرب بمحافظة البصرة الغنية بالنفط، الذي شهد تظاهرة ليلية للتنديد بقرار رفع أسعار الوقود والمطالبة بإلغائه.

الحكومة العراقية أصدرت إلى جانب هذا القرار توصيات أخرى للحد من الزخم المروري من شأنها إذا ما تم تنفيذها إثارة موجة احتجاجات رغم الرضا النسبي الذي شهده أداء الحكومة خلال الأشهر الماضية.

من تلك القرارات، إعادة تنظيم أوقات عمل دوائر الدولة وإزالة ورفع التجاوزات والباعة المتجولين على الأرصفة والشوارع.

ولا يعتبر القرار هو الأول من نوعه، فوزارة النفط اتخذت قراراً مشابها عام 2022 برفع الدعم عن أسعار الوقود، واكتفت حينها برفع الدعم عن مادة النفط الأسود التي تستخدم في تشغيل مصانع الإسفلت والطابوق والحديد. وبلغت قيمة الرفع لمادة النفط الأسود 350 ألف دينار (نحو 230 دولاراً) للطن الواحد بعدما كانت بحدود 100 دولار للطن.

 

أثر محدود

 

لا يرى أستاذ مادة النفط بجامعة المعقل في البصرة، نبيل المرسومي، بأن زيادة أسعار البنزين ستؤدي إلى التحول للنقل العام وتخفيض الطلب على الوقود وتقليص استيراداته من الخارج.

السبب في ذلك، كما يقول لـ"ارفع صوتك"، يعود إلى أن "الطلب على البنزين غير مرن في الأجل القصير، لأنه لا يمثل سوى نسبة صغيرة من ثمن السيارة من جهة، ولعدم وجود سلعة بديلة من جهة أخرى".

أما الوفورات المادية لوزارة المالية "فستنعكس بمبلغ ضئيل قد لا يصل أكثر من نصف مليار دولار سنوياً، لا تشكل سوى نسبة صغيرة جداً من الإيرادات العامة وذات أثر محدود على عجز موازنة 2024 الذي يصل إلى 90 تريليون دينار (نحو 69 مليار دولار)"، بحسب المرسومي.

ويقول إن القرار "لن يكون ذا أثر كبير على كلفة نقل الأشخاص والبضائع وكذا الحال بالنسبة للأسعار النهائية للسلع، ما دام سعر البنزين العادي والكاز الذي تستخدمه معظم سيارات النقل لم يتغير".

 

رأي الشارع

 

رصد فريق "ارفع صوتك" مخاوف المواطنين وقلقهم جراء تطبيق القرار. يقول محمد شاكر وهو سائق سيارة "ميني باص" إن القرار رغم أنه لا يمس الشريحة التي ينتمي لها ممن تعمل سياراتهم على الكاز، لكنه "جرس إنذار للقرارات المستقبلية التي يمكن أن يتم اتخاذها كخطوة جديدة لجمع الأموال من المواطنين البسطاء".

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "ما يحصل من فرض غرامات كبيرة واستخدام البطاقات المصرفية في محطات الوقود وغيرها من الاستقطاعات تثقل على المواطن ذي الدخل المحدود، الذي يعمل للحصول على قوته اليومي دون أن يكون لديه أي فائض في ظل ارتفاع كبير بالأسعار لم تتمكن الحكومة من السيطرة عليه".

ويرى نهاد قيس أن قرار رفع أسعار البنزين المحسّن "لن يؤذي إلا أصحاب الدخول المحدودة ممن يخشون على سياراتهم من البنزين العادي الرديء كونه يؤذي السيارة، ويتسبب بأعطال تتجاوز قيمتها ما سيتم دفعه من فرق بين السعرين".

في الوقت نفسه، يضيف نهاد أن القرار "لن يؤثر على ذوي الدخول المرتفعة فالمبلغ لا يشكل فرقاً مهماً بالنسبة لهم".

من جهته، يقول ليث المعموري إن القرارات المشابهة "يمكن أن تعمل على خلق فرق في الدول ذات البنية التحتية المتطورة في مجال النقل، أما في دولة مثل العراق تفتقر للخدمات وغير متطورة من ناحية وسائط النقل البديلة، فمن غير المرجح أن يصبّ القرار في مصلحة تقليل الزخم المروري أساساً".

يوافقه في الرأي علي حسن الذي يطالب الحكومة بـ"توفير نقل عام محترم قبل إصدار مثل هذه القرارات"، بينما يخشى بركات علي أن يؤدي القرار إلى"المزيد من الارتفاع في الأسعار بحجة ارتفاع سعر الوقود".

 

تدخل عشائري وبرلماني

على موقع فيسبوك، نشر إعلام قبيلة "البودراج" العام في محافظة البصرة، بياناً استنكر فيه قرار الحكومة رفع أسعار البنزين الذي من شأنه غلق آخر بوابات الدعم للمواطن.

وأضح أن الإجراء "يمكن أن يكون صحيحاً في حال وجود هيئة نقل عام متكاملة وداعمة للمواطن وتكفي أعداد الموظفين والعمال وأصحاب المهن والطلبة، وتوصلهم إلى أماكن عملهم بأسعار منخفضة".

واعتبرت القبيلة في البيان أن أسباب القرار تتعلق بـ"عدم قدرة الحكومة تغطية رواتب الموظفين في الدولة وخواء الخزينة المالية، لهذا لجأت إلى فرض رسوم وضرائب وغرامات ورفع سعر البنزين ليعوض نقص الرواتب".

كما أصدرت حركة "وعي" بياناً غاضباً متهمة الحكومة بأنها "تتحرك باتجاه معاكس لبرنامجها المصوّت عليه في مجلس النواب، وأن الإنجازات المزعومة وهمية وغير حقيقية تصطنعها جوقة مطبلين مدعومة من أموال الدولة وظيفتها التستر على الإخفاقات الحكومية"، على حدّ تعبيرها.

وفي أول موقف معارض برلماني وجهت البرلمانية سارة الصالحي طلباً إلى رئاسة البرلمان بتشكيل لجنة برلمانية خاصة تتولى مهمة مساءلة الحكومة ووزارة النفط بشأن رفع أسعار الوقود وتداعياته على الشرائح الاجتماعية والاقتصادية في جميع المحافظات.

الهدف من هذه اللجنة كما قالت "معرفة الأسباب وراء الارتفاع المفاجئ وتقديم الحلول المناسبة لتخفيف الأعباء عن المواطنين".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.