لافتة طبعت عليها صورة الشاب الراحل صفاء السراي، أبرز نشطاء التظاهرات، إلى جانب أشهر عباراته
لافتة طبعت عليها صورة الشاب الراحل صفاء السراي، أبرز نشطاء التظاهرات، إلى جانب أشهر عباراته

مرت 13 سنة على إصدار أول مسودة لقانون "حرية التعبير والتظاهر السلمي" في العراق، وجوبهت محاولات تمريرها باعتراضات الناشطين والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني بعد جدل حول انتهاك حرية التعبير.

بدأت حكاية القانون المثير للجدل بين عامي 2010 و2011 عندما طُرح مشروع القانون في البرلمان لمناقشته وتشريعه، غير أنه واجه هجمة شرسة من منظمات حقوقية وإعلامية أسهمت في ترحيله إلى دورة انتخابية لاحقة.

وجرت عدة محاولات لتمرير القانون خلال السنوات 2016 و2017 و2020 و2023، قبل أن تعلن لجنة الثقافة النيابية عن جهوزية القانون للتصويت أواخر مارس الماضي.

ومن جديد آثار القانون اعتراضات المدافعين عن حرية التعبير، فهو يضع حرية التعبير في العراق على المحك، لأنه يخالف التزامات العراق بالمواثيق الدولية الداعية إلى ضمان حرية التعبير، كما يقول المعترضون.

نقابة الصحافيين العراقيين أعلنت معارضتها للقانون على لسان نقيبها مؤيد اللامي خلال جلسة الاستماع العامة التي عقدتها لجنتا حقوق الإنسان والثقافة والإعلام النيابيتان في مقر البرلمان.

وقال اللامي إن "مسودة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي فيها تراجع كبير ولا تتوافق مع المعايير الدولية حتى بعد التعديلات".

بدورها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" مجلس النواب العراقي بعدم تمرير مسودة قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، واصفة إياه بأنه "يجرّم حرية التعبير ويضيّق على الحريات ويخرق القانون الدولي"

"قتل للديمقراطية".. رفض عراقي لقانون "يقيد" حرية التعبير والتظاهر السلمي
أثار قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي الذي تم عرضه للقراءة الأولى في البرلمان العراقي، جدلاً وحالة من الاستياء والرفض بين الأوساط العامة جراء العديد من البنود التي تضمنها والتي وصفت بـ"المكممة والديكتاتورية".

 

"انعدام الثقة"

في فبراير الماضي، أعلن المرصد العراقي لحقوق الإنسان عن تشكيل "تحالف الدفاع عن حرية التعبير" ضم مجموعة منظمات غير حكومية وأعضاء برلمان ونشطاء في المجتمع المدني وخبراء قانونيين.

ومع إعلان التشكيل، أكد التحالف في بيان على "رفض محاولات تقييد حرية التعبير من قبل قوى سياسية ومسلحة تسعى إلى فرض قوانين تعيدنا إلى الحقبة الديكتاتورية البوليسية، خاصة ما يتعلق بمسودة مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي".

تقول رئيسة مؤسسة "نما" للتدريب الإعلامي المنضوية ضمن التحالف، أمل صقر: "إذا تكلمنا بعيداً عن القانون فإن أساس المخاوف ينطلق من عدم الثقة بالمشرع وجهة صياغة القانون، لأنهما مارستا القمع بأقبح صورة ضد المتظاهرين منذ عام 2005، وحتى اليوم ما زالت هناك حالات اغتيال واختطاف وتغييب واعتقال وتلفيق التهم وحبس دون مبرر".

كل هذه الممارسات، كما تبيّن صقر لـ"ارفع صوتك" كانت بهدف "انتزاع تعهدات بعدم المشاركة في أية تظاهرة أو الدعوة لها أو حتى تأييدها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي".

تتابع: "هذه الحالات كانت تتم في مراكز الشرطة ودون مسوغ قانوني وكان هناك تهديد مباشر بالقتل وملاحقة للكثير ممن برزوا خلال التظاهرات".

وفي ظل كل ما ذكرت صقر تتساءل "هل من الممكن أن نثق بجهة تشريع القانون وهي مجلس النواب والجهة التنفيذية التي صدر عنها القانون بنسخته الأخيرة ممثلة بمجلس الوزراء؟" مردفةً "مُحال طبعاً".

"أما إذا تحدثنا عن القانون نفسه فقد تم طرح فكرته وصياغته بناء على اجتهادات المشرع وتفسيراته وهي أيضا ليست موضع ثقة"، توضح صقر.

وتصف القانون بأنه "قمعيّ ويحتوي الكثير من المغالطات وصياغته ركيكة خصوصاً نسخته الأخيرة التي اطلعنا عليها وتضمنت فقرات من قانون العقوبات التي أُدرجت للعمل بها لم تكن موجودة سابقاً".

 

المادة (38)

تشير صقر إلى وجود خلاف حاد حول تفسير المادة (38) من الدستور  العراقي التي جاءت "مطلقة هي وجميع تفرعاتها عدا الفقرة الخاصة بحرية الاجتماع والتظاهر السلمي التي أكدت أن يتم تنظيمها بقانون، بينما جاءت حرية التعبير مطلقة ومكفولة دستورياً"، بحسب تعبيرها.

ونصت المادة (38) على أن "تتكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام والآداب" وضمن ثلاث فقرات هي "أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانيا: حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثا: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون".

يتفق الصحافي والمدون عماد الشرع مع ما ذهبت إليه صقر، ففي ظل وجود هذه المادة  "سيكون أي قانون مطروح مخالفاً للدستور، لأن عبارة وتنظم بقانون تخص الفقرة الأخيرة المتعلقة بالتظاهر السلمي فقط وليس حرية التعبير".

ويرى أن القانون يجب أن يتم "إيقافه أو الفصل بين حرية التعبير والتظاهر السلمي. وأن يكون هناك قانون فقط للتظاهر السلمي كون حرية التعبير ليست بحاجة إلى قانون أصلاً".

وباعتبار استجاب المشرعون لهذه المطالب فإن الفقرات الخاصة بالتظاهر "تحتاج إلى إعادة النظر في الكثير من بنودها"، كما يقول الشرع لـ"ارفع صوتك".

ويشرح أن أحد أوجه الخلاف التي ظهرت في الندوات الكثيرة التي ناقشت فقرات القانون "تأتي من المؤيدين لإقرار القانون والمتعلقة بحالات السب والقذف التي تحصل بحجة حرية التعبير".

أما مؤيدو تشريع القانون "فيتناسون وجود مواد قانونية تجرّم هذه الأفعال وليس هناك علاقة بين القانون وإيقاف السب والشتم"، يضيف الشرع.

وفي حال تم الفصل بين الفقرات وأصبح هناك قانون واحد للتظاهر السلمي، فإن هناك فقرة "مضحكة" على حد تعبير الشرع، تتعلق بـ"فرض موافقة المسؤول الإداري للمنطقة ويمكنه رفض الطلب إذا رأى أنها غير مناسبة".

هذا التفصيل في التشريع، بحسب الشرع "يتعامل مع المتظاهر كأنه شخص يبحث عن رحلة ترفيهية وليس الخروج للمطالبة بحقوقه أو لوجود خلل يطالب بإصلاحه".

 

القانون "لم يبق على ما هو عليه"

في السياق ذاته، يبيّن عضو اللجنة القانونية النائب سجاد سالم لـ"ارفع صوتك" أن هناك "توجهاً داخل لجنة حقوق الإنسان لإلغاء الفقرات الخاصة بحرية التعبير في القانون والإبقاء على الفقرات الخاصة بالتظاهر السلمي فقط، ولهذا فإن القانون لم يبق على ما هو عليه سابقاً".

حاول فريق "ارفع صوتك " التواصل مع أعضاء في لجنة حقوق الإنسان للحصول على تفاصيل القانون بعد التعديل، إلا أن اللجنة لم تتجاوب مع الاتصالات.

بحسب سالم، فإن القانون المثير للجدل حالياً "تتم إعادة صياغته ولجنة حقوق الإنسان هي المسؤولة عن تقديمه إلى رئاسة البرلمان بهدف تحديد موعد لمناقشته وإقراره".

ويرى أن هناك العديد من التفاصيل التي تقاطع حرية التعبير حتى حين يتم الحديث عن قانون التظاهر السلمي. مثلاً "لدينا خلافات كثيرة على القانون منها نقطتان أساسيتان حسب المسودة الموجودة لدى لجنة حقوق الإنسان حالياً وهي عبارة الآداب العامة كونها كلمة مرنة وتحتمل الكثير من التأويل ويمكن أن تنتهك حرية التظاهر والاحتجاج السلمي".

أما النقطة الثانية، يقول سالم، "فتتعلق برئيس الوحدة الإدارية الذي من حقه أن يرفض أي تظاهرة دون أن يكون هناك إمكانية طعن في قراره وهو ما ينافي المادة (38) من الدستور التي أعطت الحرية للمواطن".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.