مجلس النواب العراقي- جديدة
صورة أرشيفية لمدخل مبنة البرلمان العراقي في العاصمة بغداد

رغم مرور 21 عاما على سقوط النظام البعثي بزعامة صدام حسين، لا تزال القوانين والتشريعات المرتبطة بحرية الرأي والتعبير، التي لم تتغير بعده، مثار قلق وخوف، خصوصاً لدى النشطاء السياسيين والصحافيين.

ولم يتمكن مجلس النواب العراقي من تشريع قوانين جديدة تتوافق مع تغيير النظام السياسي الذي تحوّل من نظام مركزي شمولي الى نظام فيدرالي ديمقراطي تعددي، كما أسهمت العديد من القوانين النافذة في تقييد الحريات التي كفلها العهد الجديد للعراقيين.

يعرب الصحافي والمدون عماد الشرع عن مخاوفه من التقييدات المستمرة للحريات خاصة في الآونة الأخيرة، مشيراً إلى استمرار "تكميم الأفواه" عن طريق "التخويف وشراء الذمم" على حدّ قوله.

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "تنشأ لدينا مخاوف كلما أُعلن عن مسودة قانون لحرية التعبير بكافة تفاصيلها؛ لأن التعاقب المستمر على الالتفاف على القوانين جعل المتلقي سواء كان إعلامياً أو مواطناً، قلقاً جدا من أن تكون هذه المواد مفيدة وخادمة له".

"وهذا قلق مشروع لأننا شهدنا الكثير من حالات الالتفاف واستخدام الكلمات الفضفاضة في القوانين"، يتابع الشرع.

ويرى أن هناك "إسهاباً في مسودات القوانين وعند قراءتها ورؤية الإصرار على تحويلها إلى قوانين تخص حرية التعبير، تجد أن الكثير من نقاطها يخالف للدستور".  

 

المادة (226)

وكان مجلس النواب العراقي صوّت في جلسته التي عقدها في 27 مارس الماضي على مشروع قانون تعديل قانون العقوبات العراقي (رقم 111 لسنة 1969).

في بيان سابق، أكد عضو اللجنة القانونية النيابية رائد المالكي أن "أبرز نقاط تعديل قانون العقوبات الذي صوت عليه مجلس النواب شمل تعديل المادة (226) الخاصة تجريم إهانة السلطات العامة، مع استثناء حق المواطن في التعبير عن رايه ونقد السلطات العامة بقصد تقويم الأداء وإبداء المظلومية".

وهذه المادة (226) من الأكثر استخداماً خلال السنوات الماضية من قبل السلطات في محاكمة الصحافيين والمتظاهرين والنشطاء. تنص: "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية مجلس الأمة أو الحكومة أو المحاكم أو القوات المسلحة أو غير ذلك من الهيئات النظامية أو السلطات العامة أو المصالح أو الدوائر الرسمية أو شبه الرسمية".

وينص تعديل المادة على أن "يعاقب بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية السلطات العامة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية أو السلطات الإقليمية أو المحلية أو دوائر الدولة الدوائر أو شبه الرسمية"، دون الإشارة لمدة الحبس أو مبلغ الغرامة، ولم يحدد بشكل دقيق ما الذي سيعاقب عليه القانون.

 

"يشبه مجلس قيادة الثورة"

يقول المحلل السياسي رمضان البدران، إن الأطراف السياسية "لم تستطع أن تنشئ دولة بعد عام 2003، بالتالي أوقف العمل بالدستور وفي مشروع بناء الدولة، كما أصبح العراقيون يعيشون تحت ظل نظام سياسي يشبه مجلس قيادة الثورة في النظام السابق الذي ظل على مدى 35 عاما يصدر القوانين باسم الشعب شكلاً، لكن تحت دستور مؤقت".

 ويوضح وجهة نظره لـ"ارفع صوتك": "في هذه المرحلة لا يمكن تشريع قوانين يكون أساسها ومرجعها الشعب، إنما توافق الجهات السياسية هو الأساس، كما أن المحكمة الاتحادية تدافع عن النظام السياسي، ما يعني أن القضاء أصبح من مكملات النظام السياسي، وبات استخدام الدستور انتقائياً، يستخدمونه عندما يشاؤون ويكيّفونه كما يشاؤون".

ويعتبر البدران أن "تفضيل القوى السياسية لمصالحها الخاصة على مصلحة الشعب، سبب في عدم انسجام حزمة القوانين والقرارات وعدم تلبيتها للإصلاح الحقيقي ومصالح الشعب والدولة بعد عام 2003".

وتنص المادة (130) من الدستور العراقي الذي صوت عليه العراقيون عام 2005 في استفتاء شعبي عام، على أن "تبقى التشريعات النافذة معمولا بها ما لم تلغ أو تعدل وفقا لأحكام هذا الدستور".

وهي، كما يقول الخبير في القانون الدستوري قائد الصافي، تتضمن جانبين أحدهما إيجابي والثاني سلبي. الأول يتمثل بعدم وجود فراغ تشريعي بسبب عدم إلغاء هذه القوانين، والثاني يكمن في بعض القوانين السابقة التي لا تناسب الواقع الحالي، خصوصاً في المواد المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.

ويشرح لـ"ارفع صوتك"، أن ما يعيق تشريع القوانين في الواقع الجديد هو "الخلافات السياسية التي دائماً ما تكون لها الأولوية وتأخذ اهتماما كبيرا من قبل مجلس النواب".

"كما أن تشريع القوانين حالياً يختلف عن تشريع القوانين في النظام السابق الذي كان يتم بصورة أسهل من الوضع الحالي"، يضيف الصافي.

ويؤكد أن تشريع القوانين حالياً يستغرق أربع مراحل: "اقتراح القانون ثم مرحلة المناقشة والتصويت عليه التي (القراءة الأولى والقراءة الثانية والتصويت على مشروع القانون)، أما المرحلة الثالثة فتسمى مرحلة التصديق وتكون عن طريق مصادقة رئيس الجمهورية على القانون، والأخيرة هي مرحلة النشر أي نشر القانون في الجريدة الرسمية".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.