وصف خبراء أمنيون واقتصاديون العلاقات بين واشنطن وبغداد منذ تسلم محمد السوداني رئاسة الوزراء بـ"المتوترة" من الناحية الأمنية، والـ"متطورة" من الناحية الاقتصادية بعد التزام العراق بوقف غسيل الأموال وتهريب العملة.
ووصل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشطن، السبت الماضي، في زيارة رسمية، تتناول، كما قال مكتبه، "البحث في ظروف المنطقة وما تشهده من تصعيد، والدور المشترك في العمل على التهدئة ومنع الصراع من الاتساع بما يؤثر في مجمل الاستقرار في العالم".
وقال سيليمان في مؤتمر صحافي عقده في مقر السفارة ببغداد، إن تواجد القوات الأميركية في العراق قد انخفض، خاصة في محافظة الأنبار، وإن دورها يقتصر حاليا على تقديم الاستشارة للقوات العراقية.
من جهته، قال البيت الأبيض حينها إن الطرفين سيبحثان تعزيز "الشراكة الثنائية المتينة" وتطوير مهمة الائتلاف الدولي المناهض للجماعات الجهادية بقيادة واشنطن والمنتشر في العراق وسوريا.
وتنتظر الطرفين جملة من الملفات الشائكة، على رأسها ملف الوجود الأميركي في العراق، والصراع في الشرق الأوسط، وقضايا اقتصادية تتعلق بالعقوبات الأميركية على المصارف العراقية، وقضايا الطاقة والاستثمار.
نقاط اختلاف واتفاق
يقول رئيس مركز التفكير السياسي، أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد، إحسان الشمري إن العلاقة الحاكمة بين بغداد وواشنطن "على المستوى الرسمي مستمرة بموجب اتفاقية الإطار الاستراتيجي ورغبة الولايات المتحدة بدعم العراق وسعيه نحو تطبيق الديمقراطية".
ويشير الشمري في حديثه لـ"ارفع صوتك" إلى وجود "جملة من نقاط الاتفاق والخلاف بين بغداد وواشنطن منذ تسلم السوداني رئاسة الوزراء".
النقطة الأهم تتمثل، حسب الشمري، في عدم طرح السوداني "موضوع الانسحاب الأميركي من العراق بعد أن أبدى تنازلاً فيما يتعلق بإقامة علاقة ثنائية أمنية مستدامة بين البلدين"، وهو أمر يصفه المحلل السياسي الغراقي بأنه "مهم جداً في العلاقات الثنائية وكان مركزاً للخلاف".
ويضيف الشمري أن الولايات المتحدة ترى أن "تعهدات السوداني تعتبر مقبولة فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة والإنهاء التدريجي للمظاهر المسلحة".
وكانت بغداد وواشنطن توصلتا العام 2008 إلى اتفاقية تعاون لتنظيم العلاقات بينهما أطلق عليها اسم "الإطار الاستراتيجي". وعند تعرض العراق لتهديد "داعش" العام 2014، تأسس تحالف دولي لمحاربة التنظيم المتشدد بقيادة الولايات المتحدة.
وفي أوائل العام 2020، دخلت العلاقات العراقية الأميركية منعطفاً حرجاً حين تسبب هجوم بمسيرة في مقتل قائد قوة القدس الإيرانية الجنرال، قاسم سليماني، ونائب قائد قوات الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس.
وتمتّع سليماني، الذي شغل منصب قائد فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية في الحرس الثوري، بهالة وشعبية في إيران قلّ نظيرها.
وفيما يلي أبرز التطورات التي تلت مقتله
ودفع هذا حينها مجلس النواب العراقي إلى المصادقة على مشروع قرار يدعو إلى انسحاب القوات الأميركية من العراق، وهو قرار تتم المطالبة بتنفيذه به مع كل توتر أمني جديد، خصوصاً بعد أحداث السابع من أكتوبر الماضي، وضرب المليشيات الموالية لإيران مواقع للجيش الأميركي في العراق وسوريا، واستهداف واشنطن لقيادات في الحشد الشعبي.
ويشير الشمري إلى وجود مجموعة من نقاط الخلاف بين واشنطن وبغداد، أبرزها ما يتعلق بـ"تمدد النفوذ الإيراني والمليشيات وإطلاق يد الجماعات المسلحة في الدولة العراقية، وهي نقطة يمكن أن تشكل محط خلاف كبير"، بالإضافة إلى "تباين وجهات النظر فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان والقلق من ملاحقة أصحاب الرأي والنخبة وإقصاء الكفاءات الوطنية".
تناقض
يقول الخبير السياسي أحمد الشريفي إن "العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية ورئيس الوزراء وقوى الإطار التنسيقي يحكمها التناقض، وهو ما يؤدي إلى "قلق" أميركي بسبب "الإغراق بالوعود" من قبل رئيس الوزراء العراق".
وبحسب رؤية الشريفي فإن من يحكم العراق فعلياً هي "قوى الإطار التنسيقي"، وهي المتحكمة بالقرار السياسي. يقول: "نلاحظ وجود تناقض بين ما يصرح به الإطار، وبين ما يعلنه رئيس الوزراء".
ويوضح: "في حين يعتبر السوداني الوجود الأميركي في العراق أمراً مطلوباً، بالمقابل يطالب الإطار التنسيقي بمغادرة القوات الأميركية للبلد".
المسالة الأخرى، كما يقول الشريفي لـ"ارفع صوتك"، تتعلق بالملفات الاقتصادية التي سيناقشها السوداني في الولايات المتحدة. "وهي ملفات مهمة تتعلق بالطاقة والاستثمار، نرى قيس الخزعلي (الأمين العام لعصائب أهل الحق) في تصريحات إعلامية وهو ينتقد ما أسماه احتلال الولايات المتحدة لواردات بيع النفط".
وهو ما يعني أن "ما يقدمه السوداني من تعهدات لا يحظى بتأييد الائتلاف الحاكم، ولن يتمكن من الإيفاء بها، منها قضية حصر السلاح بيد الدولة أو محاربة النفوذ الإيراني في البلد وهذه مشكلة كبيرة".
علاقات اقتصادية
من ناحيته، يصف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني العلاقات الاقتصادية العراقية - الأميركية بـ"الطيبة"، مشيراً إلى أنها شهدت تطوراً ملحوظاً حتى في مستوى التبادل التجاري الذي سجل مستويات قياسية مقارنة بالسنوات السابقة، مدللاً على ذلك بارتفع حجم تصدير النفط من العراق إلى الولايات المتحدة لأكثر من خمسة ملايين برميل الشهر الماضي.
كذلك، يؤكد على تطبيق العراق منذ تولي السوداني رئاسة الوزراء معايير الامتثال التي حدت من عمليات غسيل وتهريب الأموال.
هذا الالتزام العراقي شجع رئيس الوزراء على أن "يركز على عدة ملفات اقتصادية مهمة خلال زيارته الحالية إلى الولايات المتحدة، منها العقوبات المفروضة على المصارف والتي نعتقد أن قسماً منها لا تستحق أن تدرج، وأثر إدراجها بشكل سلبي على النظام المصرفي بشكل عام وأداء الاقتصاد بشكل عام ".
واحدة من المواضيع المهمة بالنسبة للعراق والتي سيجري مناقشتها هي "عملية الاستمرار بالدفعات النقدية التي يتسلمها العراق من الولايات المتحدة الأميركية".
ويشير الخبير الاقتصادي هنا الى احتفاظ نظام الاحتياطي الأميركي بأموال النفط العراقي منذ العام 2003 في حساب خاص، والذي يتم تمويل العراق عن طريقه بناء على طلب من حكومة بغداد، وهو الحساب الذي جرى تقييد تحويلاته المالية إلى العراق العام 2022 لمنع غسل الأموال لصالح إيران وسوريا.
ويتابع المشهداني: "ملف الطاقة في العراق سيكون من ضمن أولويات الحوار مع واشنطن" مشيراً إلى أن اللقاء المتوقع مع منتجي ومصنعي الطاقة الكهربائية، على رأسهم شركة جنرال إلكتريك، والذي قد يترجم بتوقيع عقود لتطوير وإنشاء محطات كهربائية، علاوة على اللقاء المتوقع مع مجلس القمح الأميركي.