علم قوس قزح الذي يرمز لمجتمع الميم حول العالم- تعبيرية
علم قوس قزح الذي يرمز لمجتمع الميم حول العالم- تعبيرية

انتهى البرلمان العراقي، الاثنين، إلى إرجاء مشروع قانون مثير للجدل، يفرض عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، على ممارسة العلاقات الجنسية المثلية.

وقال نائبان في البرلمان، وفقا لرويترز، إن سبب تأجيل التصويت هو ضيق الوقت، وإن هناك بعض الخلافات بشأن التعديلات المقترحة.

ويقول محللون، تحدثوا لموقع "الحرة"، إن إقرار مثل هذا القانون قد يضر بعلاقات العراق السياسية والاقتصادية، خصوصا مع الدول الغربية.

وفي تصريح لموقع "الحرة" قال الكاتب المحلل السياسي عقيل عباس إن تشريع هذا القانون سيدفع الدول الغربية إلى اتخاذ موقف، قد يصل إلى فرض نوع من العقوبات على العراق. "هذه العقوبات،" يوضح عباس، "لن تكون ذات طابع سياسي، وإنما قد تشمل مجالات التعاون والدعم في المؤسسات الدولية.

ولا يجرم العراق الذي تقطنه أغلبية مسلمة الجنس المثلي حاليا، ولكن تُستخدم بنود فضفاضة في قانون العقوبات لاستهداف مجتمع الميم.

وشهد العراق خلال الفترة الماضية ارتكاب عدة جرائم بحق المثليين، هزت المجتمع، كان أبرزها  مقتل البلوغر "نور بي أم".

وأثارت حادثة قتل البلوغر وخبير التجميل العراقي نور، الذي يسمي نفسه "نور بي أم" نهاية العام الماضي، القلق لدى الناشطين الحقوقيين في العراق، والذين حمل بعضهم المسؤولية لـ"خطاب الكراهية".

وكان يتم التضييق على أفراد مجتمع الميم-عين في العراق، بالاستناد إلى المادة 8 من قانون مكافحة البغاء الذي عدل عام 1988، وعرف البغاء فيه بأنه "تعاطي الزنا أو اللواطة بأجر مع أكثر من شخص"، وفقا لـ"جيم"، وهي مؤسسة إعلامية نسوية.

وتجرم أكثر من 60 دولة مثلية الجنس، في حين أن الممارسات المثلية قانونية في أكثر من 130 دولة، وفق بيانات منظمة (أور ورلد إن داتا).

وعادة ما تتعرض الدول التي تجرم الجنسية المثلية وتلاحق أفراد مجتمع الميم، لانتقادات من الدول الغربية والمنظمات غير الحكومية، وتنديدات من منظمات حقوق الإنسان.

وعندما سنت أوغندا في مايو الماضي قانونا يتضمن عقوبة الإعدام لبعض الأفعال الجنسية المثلية، أوقف البنك الدولي القروض الجديدة للدولة الواقعة في شرق أفريقيا، .

 

احترام حقوق الإنسان

يقول الدبلوماسي الأميركي، السفير السابق، تيم كارني، إنه "ما من شك أن قانونا بهذه الصياغة يمكن أن يؤثر على علاقات بغداد بالدول التي تحترم الحقوق".

وفي اتصال مع موقع الحرة، أشار كارني، الذي شغل منصب سفير فوق العادة للولايات المتحدة ومفوض للسودان (1995-1997)، أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تولي مسألة الحريات اهتماما خاصا "وتجعلها بوصلة علاقاتها من هذه الحكومة أو تلك".

ويشير عباس إلى أن "العراق حليف للولايات المتحدة، ويحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، ويقوم الدعم الغربي للعراق على "افتراض دعم ديمقراطية ناشئة تواجه صعوبات، وليس نظاما استبداديا".

في المقابل، يرى مايكل أوهونان، من معهد بروكينغز، في واشنطن، أن الولايات المتحدة قد تصدر بيانات استنكار إذا ما تم إقرار مثل هذا القانون "لكن لن تكون هناك أية إجراءات ميدانية حيال ذلك".

وفي حديث لموقع "الحرة" شدد أوهونان على أن الدول الغربية والولايات المتحدة ستستنكر حتما المساس بالحريات الفردية، لكن ذلك لن يمس بالعلاقات الاقتصادية لبغداد "على الأقل مع واشنطن"، حسب اعتقاده.

أوهونان قال ملخصا "لا أعتقد أن تتم ترجمة المعارضة لهذا القانون بإجراءات ملموسة".

وكانت رشا يونس، وهي باحثة في حقوق مجتمع الميم في منظمة هيومن رايتس ووتش قالت العام الماضي عندما أثير مشروع القانون لأول مرة، إن القانون المقترح لــ"مناهضة مجتمع الميم في العراق سيهدد حياة العراقيين الذين يواجهون أصلا بيئة معادية لأفراد مجتمع الميم". 

وأكدت على  أن المشرعين العراقيين كانوا بصدد توجيه "رسالة مروعة إلى مجتمع الميم مفادها أن تعبيرهم إجرامي وأن لا أهمية لحياتهم".  

في 15 أغسطس 2023، قدّم العضو المستقل في مجلس النواب العراقي، رائد المالكي، مشروع قانون يهدف إلى تعديل "قانون مكافحة البغاء" رقم 8 لسنة 1988، ليُجرِّم جنائيا العلاقات المثلية والتعبير عن العبور الجندري. 

وقال المالكي حين قدم مشروع القانون إن الهدف منه "الحفاظ على المجتمع العراقي من الانحراف والدعوات إلى الشذوذ التي غزت العالم".

ورجح الكاتب عقيل عباس أن طرح مشروع القانون في هذا التوقيت يرتبط بصراعات سياسية داخلية "قد تكون على صلة بزيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى واشنطن، والتي تبدو لحد الآن زيارة ناجحة".

ويشير كارني إلى أنه لا يوجد شك في أن الولايات المتحدة الأميركية ترفض أن تكون لعها علاقات وطيدة مع حكومات تشرع قوانين "غير إنسانية" تجاه ما تعتبره هي -دون آخرين- جريمة.

وكشف أنه إذا تم إقرار المشروع ليصبح قانونا فعليا فيمكن "أن نرى عقوبات أميركية وغربية باتجاه العراق".

وقال "كل شيء مرتبط بالكونغرس الأميركي، إذا رأى أن هذا القانون مساس بحق المواطن العراقي في الحياة فسيفرض عقوبات حتما على النظام هناك".

وتابع "أفترض أن يسبق ذلك تقليص المساعدات الإنسانية والتقنية للعراق" ثم استدرك "مثال أوغندا ليس ببعيد".

وفي يونيو 2017، أعلنت الولايات المتحدة، أنها ستفرض قيودا على تأشيرات دخول الأشخاص المتهمين "بتقويض العملية الديمقراطية" في أوغندا بعد سن قانون مناهض للمثليين في الدولة الواقعة شرقي أفريقيا.

ولم يذكر بيان صدر وقتها عن وزارة الخارجية الأميركية أسماء أي أفراد مستهدفين.

وقال البيان إن الولايات المتحدة ستنظر في الإجراءات المحتملة الأخرى "لتعزيز المساءلة للمسؤولين الأوغنديين وغيرهم من الأفراد المسؤولين عن أو المتواطئين في تقويض العملية الديمقراطية في أوغندا، أو انتهاك حقوق الإنسان، بما في ذلك الأشخاص من مجتمع 'ميم عين+' أو الانخراط في ممارسات فاسدة".

الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخليج، حسين عبد الحسين، قال من جانبه، إن مشروع القانون العراقي "يتعارض مع مفهوم الحرية الفردية".

وفي حديث لموقع "الحرة" شدد عبد الحسين على أن التشريع، يتضمن "عقوبات غير إنسانية لممارسات تدخل في إطار الحريات الفردية" وفق تعبيره.

وقال إن ذلك يتعارض مع مساعي الولايات المتحدة والدول الغربية لبعث أسس المساواة والحرية في الدول الصديقة.

لكنه عاد ليؤكد أن تأثير التشريع على العلاقات بين العراق وواشنطن مرتبط بالإدارة التي تُسيّر الولايات المتحدة، هل هي من الحزب الديمقراطي أم الجمهوري.

وقال إن مستقبل العلاقة بين العراق وواشطن في هذا الخصوص بالتحديد يتوقف على نوع الإدارة بالبيت الأبيض "إذا كان الرئيس ديمقراطي فستتأثر العلاقة أما إذا كان جمهوريا فلا أرى أن يكون للتشريع أي تأثير".

عبد الحسين لفت إلى أن المشرعين العراقيين يستسهلون الإعدام ويبررونه انطلاقا من فكرة أن المثلية تتعارض مع ما يصفونه بعادات وتقاليد ودين البلاد "رغم أن العابسبيين العرب الذين حكموا بغداد عرفوا المثلية" ثم أردف " أشهر مثلي معروف هو أبو نواس وكان الرجل في بغداد".

وبالعودة إلى تأثير مثل هذا التشريع على علاقات العراق، قال عبد الحسين "لا شك أننا سنسمع اعتراضات من دول غربية عديدة، لكن لا شيء أكثر".

ولفت عبد الحسين إلى أن علاقات الدول والحكومات الغربية مع دول عديدة تحظر المثلية الجنسية مثل السعودية ودول الخليج ومصر لم تتأثر، بسبب موقفها من المثلية "عدا بعض التنديد من وزارت حقوق الإنسان والمنظمات المعنية بالدفاع عن مجتمع الميم عبر العالم".

وقال دبلوماسيون من ثلاث دول غربية، لوكالة رويترز، إنهم ضغطوا على السلطات العراقية لعدم إقرار مشروع القانون بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان ولأنه سيجعل أيضا العمل مع العراق صعبا من الناحية السياسية في وقت تحاول فيه البلاد تخفيف عزلتها الدولية بعد سنوات من الاضطرابات.

وقال دبلوماسي بارز طلب من رويترز عدم كشف هويته "سيكون من الصعب للغاية تبرير العمل الوثيق مع دولة كهذه في بلادنا".

وأضاف "كنا صريحين للغاية.. في حالة إقرار هذا القانون بصيغته الحالية، فستكون له عواقب كارثية على علاقاتنا الثنائية والتجارية".

وانعقد البرلمان للتصويت على مشروع القانون قبل ساعات فقط من لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بالرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن في إطار زيارة تركز على زيادة الاستثمارات الأميركية.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.