National Army Day parade in Tehran
صورة تعبيرية لجنود إيرانيين في استعراض اليوم الوطني للجيش 17 أبريل 2024

فتح الهجوم الإيراني على إسرائيل الباب واسعاً أمام مخاوف من تحوّل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين، ما يعني تقويض الهدوء الهش الذي تعيشه بغداد.

وكانت القنصلية الإيرانية تعرضت لهجوم صاروخي في الأول من أبريل الجاري بالعاصمة السورية دمشق، أسفر عن مقتل الجنرال البارز محمد رضا زاهدي وأكثر من عشرة أفراد من الحرس الثوري الإيراني.

ورغم عدم الاعتراف الإسرائيلي بالهجوم، إلا أنها لم تنف مسؤوليتها عن تنفيذه.

في المقابل، ردت إيران بهجوم عاجل هو الأول والأكبر من نوعه ضد تل أبيب، وشمل إطلاق نحو 500 صاروخ وطائرة مسيرة عبرت الأجواء العراقية والأردنية، أُسقط الكثير منها قبل أن تصل إلى أهدافها.

ورغم دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الأطراف كافة إلى "ضبط النفس" وعدم الرد على الهجوم، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال في تصريحات صحافية إن الهجوم الإيراني كان "فاشلاً"، ملوّحاً بالرد: "أي عدو سيقاتلنا سنعرف كيف نضربه أينما كان"، كما قال.

 

تأثير مباشر

يرى الأكاديمي والمحلل السياسي علاء السيلاوي أن العراق "بحكم موقعه الجيوسياسي سيتأثر بما يحصل من نزاع في المنطقة بشكل مباشر، إلا أنه لن يكون الدولة الوحيدة، فالصراع الحالي ستتأثر به جميع دول الإقليم بشكل عام والدول المحيطة بشكل خاص".

الصراع الإقليمي الذي تحدث عنه السيلاوي لـ"ارفع صوتك" كان في قلب محادثات اجتماع مجلس الأمن الدولي بعد الهجوم الإيراني.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن "منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية وشعوبها تواجه خطراً حقيقياً بنشوب صراع شامل. الوقت حان لتهدئة التوترات وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية".

ولا يستبعد السيلاوي حصول استهدافات متبادلة لمصالح كِلا الطرفين في دول حليفة، خصوصاً بعد "اتهام العراق بالمشاركة في إطلاق الصواريخ من على أراضيه، وهو ما نفاه رئيس الوزراء بشكل قاطع".

أما أكثر المخاوف التي تقلق الشارع العراقي، فتتعلق بـ"المواطن العراقي الذي شهد هدوءاً ونوعاً من الأمان خلال الفترة الماضية، مع اهتمام الحكومة بتثبيت القانون وتطوير البنى التحتية بمشاريع الخدمات، التي بدأنا بقطف ثمارها في بغداد"، يتابع السيلاوي.

كل هذه الإنجازات على بساطتها "هي ما يهم المواطن العراقي الذي عانى طويلاً من عدم الاستقرار الأمني وقلة الخدمات، واي أزمة جديدة قد تدخل العراق إلى ساحة النزاع من شأنها إعاقة تطبيق البرنامج الحكومي الخدمي في المستقبل".

 

منطقة مهددة

من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي أن العراق لن يكون بمنأى عن الصراع بين إيران وإسرائيل "إلا أنه بنفس الوقت سيتشارك الثقل مع الأردن، فكلاهما يعتبران الممر الجوي المباشر لأي استهداف متبادل بين الطرفين إذا ما قررت إسرائيل الرد بنفس الطريقة الإيرانية".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "ما قامت به الأردن من التصدي وإسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية يُُنظر إليه على أنه وقوف إلى جانب إسرائيل ، في المقابل يُنظر لسماح العراق بعبور الصواريخ وعدم التصدي لها بأنه اصطفاف ضمني مع إيران".

ويخشى الشريفي من تبعات ما حدث على المستوى الأمني والسياسي، معللاً "ما حصل خلال زيارة السوداني الحالية إلى واشنطن من تقارب وتفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي من شأنه إغضاب حلفاء إيران في العراق، وقد يحصل ضغط سياسي ضد الحكومة".

ويشرح: "هذه الضغوط قد تصل إلى تهديد وجود حكومة السوداني ومحاولة إسقاطه، أو على الأقل زيادة التوتر الأمني بهدف استغلال العراق اقتصادياً عبر تهريب العملة التي حاربت الحكومة للحد منه، وأضر الأمر بالعديد من المستفيدين ".

أما مخاوف تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات، فهي بحسب الشريفي "تعتمد على طبيعة الرد الذي توعدت به إسرائيل، الذي من الممكن جداً أن يكون موجهاً إلى فصائل مسلحة أو شخصيات من حلفائها في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص".

 

وسيط

في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي صالح الشذر، أن العراق بلد قادر على تحويل دوره من متلق لردود الأفعال إلى فاعل حقيقي في المفاوضات وتقريب وجهات النظر.

ويبيّن لـ"ارفع صوتك" أن بغداد "تمتلك علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران وهو أمر نادر الحدوث في العلاقات السياسية بين الأطراف المتنازعة".

وعليه يمكن للعراق استغلال هذه العلاقات لـ"تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران في ما يخصّ الصراع الحالي، كون الولايات المتحدة مؤثراً كبيراً على إسرائيل، كما فعلت بغداد في وقت سابق مع السعودية وإيران".

يعتمد ما ذهب إليه الشذر كما يشير بناءً على ما حققته الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة وتفعيله لاتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين.

ويلفت إلى احتمالين للرد الاسرائيلي المرتقب: "الأول مرفوض ولا يرغب به الجميع وهو الرد بهجوم مماثل لما فعلته إيران، وستكون الأجواء العراقية جزءاً منه، كما أنه لن يفضي إلا إلى رد متبادل وتصعيد".

أما الثاني "فيتضمن استجابة إسرائيل للمطالب الدولية، بالتالي سيكون التوجه نحو فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي طريقة أكثر تأثيراً من الضربة العسكرية".

ويتفق الشذر مع ما ذهب إليه الشريفي من مخاوف تتعلق بتحقيق ضربات ضد أفراد وفصائل إيرانية أو موالية لها على الأراضي العراقية كطريقة أخرى للرد، "وهي مخاوف إذا تحققت على الأرض ستكون لها تداعيات سياسية وأمنية على العراق نحاول قدر الإمكان تجنبها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.