فتح الهجوم الإيراني على إسرائيل الباب واسعاً أمام مخاوف من تحوّل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين، ما يعني تقويض الهدوء الهش الذي تعيشه بغداد.
وكانت القنصلية الإيرانية تعرضت لهجوم صاروخي في الأول من أبريل الجاري بالعاصمة السورية دمشق، أسفر عن مقتل الجنرال البارز محمد رضا زاهدي وأكثر من عشرة أفراد من الحرس الثوري الإيراني.
ورغم عدم الاعتراف الإسرائيلي بالهجوم، إلا أنها لم تنف مسؤوليتها عن تنفيذه.
في المقابل، ردت إيران بهجوم عاجل هو الأول والأكبر من نوعه ضد تل أبيب، وشمل إطلاق نحو 500 صاروخ وطائرة مسيرة عبرت الأجواء العراقية والأردنية، أُسقط الكثير منها قبل أن تصل إلى أهدافها.
ورغم دعوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي الأطراف كافة إلى "ضبط النفس" وعدم الرد على الهجوم، إلا أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت قال في تصريحات صحافية إن الهجوم الإيراني كان "فاشلاً"، ملوّحاً بالرد: "أي عدو سيقاتلنا سنعرف كيف نضربه أينما كان"، كما قال.
تأثير مباشر
يرى الأكاديمي والمحلل السياسي علاء السيلاوي أن العراق "بحكم موقعه الجيوسياسي سيتأثر بما يحصل من نزاع في المنطقة بشكل مباشر، إلا أنه لن يكون الدولة الوحيدة، فالصراع الحالي ستتأثر به جميع دول الإقليم بشكل عام والدول المحيطة بشكل خاص".
الصراع الإقليمي الذي تحدث عنه السيلاوي لـ"ارفع صوتك" كان في قلب محادثات اجتماع مجلس الأمن الدولي بعد الهجوم الإيراني.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن "منطقة الشرق الأوسط على حافة الهاوية وشعوبها تواجه خطراً حقيقياً بنشوب صراع شامل. الوقت حان لتهدئة التوترات وممارسة أقصى درجات ضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية".
ولا يستبعد السيلاوي حصول استهدافات متبادلة لمصالح كِلا الطرفين في دول حليفة، خصوصاً بعد "اتهام العراق بالمشاركة في إطلاق الصواريخ من على أراضيه، وهو ما نفاه رئيس الوزراء بشكل قاطع".
أما أكثر المخاوف التي تقلق الشارع العراقي، فتتعلق بـ"المواطن العراقي الذي شهد هدوءاً ونوعاً من الأمان خلال الفترة الماضية، مع اهتمام الحكومة بتثبيت القانون وتطوير البنى التحتية بمشاريع الخدمات، التي بدأنا بقطف ثمارها في بغداد"، يتابع السيلاوي.
كل هذه الإنجازات على بساطتها "هي ما يهم المواطن العراقي الذي عانى طويلاً من عدم الاستقرار الأمني وقلة الخدمات، واي أزمة جديدة قد تدخل العراق إلى ساحة النزاع من شأنها إعاقة تطبيق البرنامج الحكومي الخدمي في المستقبل".
منطقة مهددة
من جانبه، يرى المحلل السياسي أحمد الشريفي أن العراق لن يكون بمنأى عن الصراع بين إيران وإسرائيل "إلا أنه بنفس الوقت سيتشارك الثقل مع الأردن، فكلاهما يعتبران الممر الجوي المباشر لأي استهداف متبادل بين الطرفين إذا ما قررت إسرائيل الرد بنفس الطريقة الإيرانية".
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "ما قامت به الأردن من التصدي وإسقاط المسيرات والصواريخ الإيرانية يُُنظر إليه على أنه وقوف إلى جانب إسرائيل ، في المقابل يُنظر لسماح العراق بعبور الصواريخ وعدم التصدي لها بأنه اصطفاف ضمني مع إيران".
ويخشى الشريفي من تبعات ما حدث على المستوى الأمني والسياسي، معللاً "ما حصل خلال زيارة السوداني الحالية إلى واشنطن من تقارب وتفعيل اتفاقية الإطار الإستراتيجي من شأنه إغضاب حلفاء إيران في العراق، وقد يحصل ضغط سياسي ضد الحكومة".
ويشرح: "هذه الضغوط قد تصل إلى تهديد وجود حكومة السوداني ومحاولة إسقاطه، أو على الأقل زيادة التوتر الأمني بهدف استغلال العراق اقتصادياً عبر تهريب العملة التي حاربت الحكومة للحد منه، وأضر الأمر بالعديد من المستفيدين ".
أما مخاوف تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات، فهي بحسب الشريفي "تعتمد على طبيعة الرد الذي توعدت به إسرائيل، الذي من الممكن جداً أن يكون موجهاً إلى فصائل مسلحة أو شخصيات من حلفائها في المنطقة بشكل عام والعراق بشكل خاص".
وسيط
في السياق ذاته، يرى المحلل السياسي صالح الشذر، أن العراق بلد قادر على تحويل دوره من متلق لردود الأفعال إلى فاعل حقيقي في المفاوضات وتقريب وجهات النظر.
ويبيّن لـ"ارفع صوتك" أن بغداد "تمتلك علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة وإيران وهو أمر نادر الحدوث في العلاقات السياسية بين الأطراف المتنازعة".
وعليه يمكن للعراق استغلال هذه العلاقات لـ"تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة وإيران في ما يخصّ الصراع الحالي، كون الولايات المتحدة مؤثراً كبيراً على إسرائيل، كما فعلت بغداد في وقت سابق مع السعودية وإيران".
يعتمد ما ذهب إليه الشذر كما يشير بناءً على ما حققته الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة وتفعيله لاتفاقية الإطار الإستراتيجي بين البلدين.
ويلفت إلى احتمالين للرد الاسرائيلي المرتقب: "الأول مرفوض ولا يرغب به الجميع وهو الرد بهجوم مماثل لما فعلته إيران، وستكون الأجواء العراقية جزءاً منه، كما أنه لن يفضي إلا إلى رد متبادل وتصعيد".
أما الثاني "فيتضمن استجابة إسرائيل للمطالب الدولية، بالتالي سيكون التوجه نحو فرض عقوبات اقتصادية جديدة على إيران من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي طريقة أكثر تأثيراً من الضربة العسكرية".
ويتفق الشذر مع ما ذهب إليه الشريفي من مخاوف تتعلق بتحقيق ضربات ضد أفراد وفصائل إيرانية أو موالية لها على الأراضي العراقية كطريقة أخرى للرد، "وهي مخاوف إذا تحققت على الأرض ستكون لها تداعيات سياسية وأمنية على العراق نحاول قدر الإمكان تجنبها".